النقعة: كنز أثري سوداني يكشف أسرار الحضارة الكوشية

تقع النقعة، المدينة الأثرية السودانية العريقة، على بعد 170 كيلومترًا شمال شرق العاصمة الخرطوم و50 كيلومترًا شرق نهر النيل، في منطقة استراتيجية عند التقاء وادي العوتيب القادم من البطانة بالأودية الصغيرة المتجهة للنيل. تعتبر النقعة محطة تجارية رئيسية وموقعًا استراتيجيًا بفضل دورها التاريخي كأحد مداخل مملكة كرمة التي شكلت جسرًا بين دول العالم الوسيط وأفريقيا.
تاريخ النقعة
تضم النقعة مجموعة مدهشة من الآثار التي تروي قصصًا عن الماضي البعيد، أبرزها معبد أباداماك ومعبد آمون والمعبد الروماني. هذه المعابد تعكس التنوع الثقافي والثراء الحضاري لمملكة مروي، حيث امتدت حضارتها من القرن الرابع قبل الميلاد حتى القرن الرابع الميلادي. النقوش والمنحوتات الباقية تقدم لمحة فريدة عن ازدهار النقعة كمركز حضاري وموقع دفن مهيب.
وفي هذا السياق قال المؤرح السوداني محمد إبراهيم أبو سليم، أن أولى خطوات اكتشاف النقعة بدأت في عام 1822 مع وصول الرحالة الأوروبيين، ثم استكملها الأمير الألماني هيرمان فورست عام 1837. العالم الألماني كارل ريتشارد بسيوس، مصحوبًا بالبعثة البروسية، قام في 1843 بنسخ النقوش والتماثيل، مضيفًا إلى تاريخ النقعة قيمة علمية كبيرة.
في عام 1958، أجرى فريق من جامعة هومبولدت في برلين عمليات توثيق وترميم في النقعة والمصورات الصفراء المجاورة، واستمرت هذه الجهود حتى عام 1960. ومنذ 1995، تتولى بعثة ألمانية-بولندية بقيادة البروفسور ديترك فيلدونج وعالم الآثار البولندي ليش كورسيانك التنقيب في الموقع. كما تضم البعثة فريقًا من الباحثين من متحف برلين المصري والمؤسسة البروسية للثقافة والتراث، بتمويل مركز الأبحاث الألماني، حيث توثق هذه الجهود القيمة الحضارية للنقعة كواحدة من أهم المواقع الأثرية في أفريقيا.
أهميتها التاريخية
توضح الآثار المكتشفة في النقعة أنها كانت مركزًا مدنيًا مهمًا وحاضنة للعديد من المعابد. أبرز المعابد في الموقع هما معبد أباداماك ومعبد آمون، اللذان ما زالا يحتفظان بحالتهما الجيدة حتى اليوم. كما تؤكد النقوش والتصاميم المعمارية المميزة على مكانة النقعة كمركز حضاري رائد في أفريقيا القديمة.