المزيد

تراث الصيد والقوارب فى رشيد ودمياط إبداع متجدد

كتبت شيماء طه

تُعد مدينتا رشيد ودمياط من أبرز المدن الساحلية المصرية التي تحمل بين طياتها إرثاً بحرياً غنياً يمتد لقرون طويلة ، شكّل التراث البحري جزءاً لا يتجزأ من الهوية الثقافية لسكان هاتين المدينتين، حيث إتخذت صناعة القوارب والصيد مكانة محورية في حياتهم اليومية وإقتصادهم المحلي.

الصيد : مهنة الأجداد ومصدر الرزق

اعتمد سكان رشيد ودمياط منذ القدم على الصيد كمصدر رئيسي للرزق. تقع رشيد عند مصب نهر النيل في البحر المتوسط، بينما تمتاز دمياط بموقعها المتميز عند الفرع الآخر للنيل وبقربها من البحر المتوسط. هذا الموقع الجغرافي الفريد منح سكانهما موارد غنية من الأسماك المتنوعة التي جعلت من الصيد مهنة شائعة.

أدوات الصيد التقليدية
استخدم الصيادون أدوات بسيطة تقليدية كانت تُصنع يدوياً من مواد متوفرة محلياً، مثل شباك الصيد المصنوعة من ألياف النخيل أو القطن، بالإضافة إلى السنانير والقِرب الطينية لتخزين الأسماك. مع مرور الزمن، تطورت أدوات الصيد لتصبح أكثر فعالية، ولكن العديد من الصيادين ما زالوا يحتفظون بالأدوات التقليدية كجزء من تراثهم.

أساليب الصيد

من بين أبرز أساليب الصيد التقليدية التي اشتهرت بها رشيد ودمياط هي الصيد بالشباك المعلقة والصيد بالشِرَاك في المناطق الضحلة. كما اشتهرت رشيد بصيد أسماك “الشِلباية” و”البلطي” من النيل، في حين تميزت دمياط بصيد أسماك البحر المتوسط مثل “البوري” و”الماكريل”.

صناعة القوارب : فن وتقنية

إلى جانب الصيد، برعت رشيد ودمياط في صناعة القوارب التي تُعد فناً تقليدياً وعملاً مهارياً يُورَّث من جيل إلى جيل ،هذه الصناعة لم تكن مجرد وسيلة لصنع قارب، بل كانت حرفة متكاملة تعكس عبقرية التصميم والقدرة على التأقلم مع البيئة المائية المحيطة.

أنواع القوارب التقليدية
تنوّعت القوارب المصنوعة في رشيد ودمياط وفقاً لاحتياجات الصيادين ونوعية المياه.

كانت هناك القوارب الصغيرة “الفلوكة” التي تُستخدم للصيد داخل النهر أو على مقربة من الشاطئ، والقوارب الأكبر حجماً مثل “الجالبوت” المخصصة للصيد في البحر. هذه القوارب كانت تُصنع غالباً من خشب الجميز أو الكافور المتوفر محلياً، لما يتميز به من قوة ومتانة ومقاومة للمياه المالحة.

عملية التصنيع

تمر صناعة القوارب بعدة مراحل دقيقة، تبدأ باختيار الخشب المناسب ثم قصه وتشكيله وفق التصميم المطلوب.

ويتم تثبيت ألواح الخشب باستخدام المسامير اليدوية التقليدية، وتُدهن القوارب بزيوت طبيعية لحمايتها من المياه والحشرات. هذه العملية قد تستغرق أسابيع أو شهوراً وفقاً لحجم القارب وتعقيد تصميمه.

الحرفيون : حماة التراث
تعد ورش صناعة القوارب في رشيد ودمياط بمثابة معاقل لهذا التراث، حيث يعمل فيها الحرفيون بخبرة متوارثة منذ مئات السنين ، ورغم التحديات الإقتصادية والتطور التكنولوجي، يحرص هؤلاء الحرفيون على إستخدام الأساليب التقليدية جنباً إلى جنب مع التقنيات الحديثة للحفاظ على جودة القوارب وأصالتها.

دور التراث البحري في المجتمع

يمثل التراث البحري لرشيد ودمياط أكثر من مجرد مهنة أو حرفة، فهو عامل رئيسي في تشكيل الهوية الثقافية والاجتماعية للسكان.

ويُعقد سنوياً العديد من المهرجانات البحرية التي تحتفي بمهارات الصيادين وصُنّاع القوارب، مثل مهرجان “صيد السمك” في دمياط، حيث تُعرض فيه القوارب التقليدية وتُقام سباقات للقوارب الصغيرة.

كما يُمثل هذا التراث مصدر إلهام للفنانين المحليين، حيث نرى رسوم القوارب وشباك الصيد في اللوحات الجدارية والمشغولات اليدوية التي تُباع في الأسواق الشعبية.

التحديات الحالية

يواجه قطاع الصيد تراجعاً في المخزون السمكي بسبب التلوث والصيد الجائر، مما يؤثر سلباً على الصيادين المحليين.

ومن جهة أخرى، تعاني صناعة القوارب من ارتفاع تكاليف المواد الخام وقلة الأيدي العاملة الشابة المهتمة بتعلم هذه الحرفة.

ومع ذلك، تُبذل جهود من قبل الدولة والمجتمع المحلي للحفاظ على هذا التراث، ويتم تنظيم دورات تدريبية لتعليم الأجيال الجديدة صناعة القوارب، كما تُقدم دعم للصيادين لتحسين أدواتهم وتشجيعهم على إستخدام أساليب صيد مستدامة.

يمثل تراث الصيد وصناعة القوارب في رشيد ودمياط كنزاً ثقافياً يعكس عبقرية المصريين في استغلال مواردهم الطبيعية بطرق مستدامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى