عمود السواري: رمز التاريخ والإرث الثقافي للإسكندرية
أسماء صبحي
تعتبر مدينة الإسكندرية من أغنى المدن المصرية بالمواقع التاريخية التي تروي حكاياتها العريقة عبر الأزمنة، ومن بين هذه المواقع التي تمثل جزءًا من تراث المدينة الغني يأتي “عمود السواري” كأحد أبرز المعالم الأثرية التي تعكس عظمة الحضارة الرومانية وتأثيرها الكبير في المدينة.
تاريخ عمود السواري
يقع عمود السواري في منطقة كوم الشقافة، ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الثالث الميلادي خلال فترة حكم الإمبراطور الروماني دقلديانوس، وتم تشييد العمود تخليدًا لذكرى الإمبراطور بعد أن قمع ثورة في المدينة وأمر ببناء العمود تكريمًا لولائه ودعمه للإسكندرية.
ويعد العمود من أطول الأعمدة القائمة في العالم، حيث يصل ارتفاعه إلى حوالي 27 مترًا، وهو منحوت من الجرانيت الأحمر المستخرج من أسوان، ما يبرز جودة الصناعات الحجرية المتقدمة التي كانت سائدة في ذلك العصر.
الخصائص المعمارية
يمثل عمود السواري نموذجًا رائعًا للمعمار الروماني، حيث يتميز بالضخامة والدقة في النحت، وقاعدة العمود مصممة بدقة فائقة لتتحمل الوزن الهائل للهيكل، أما رأس العمود فهو على الطراز الكورنثي المزين بنقوش بارزة وزخارف مستوحاة من العناصر الطبيعية مثل أوراق الشجر، وهذا الأسلوب كان شائعًا في العمارة الرومانية، ويبرز المهارة الهندسية والتفاني في تنفيذ التفاصيل الدقيقة.
تسمية العمود
يرجع اسم “عمود السواري” إلى العصور الوسطى، إذ اعتقد البعض أن العمود كان جزءًا من معبد أو مبنى بحري كبير يحمل أعمدة ضخمة شبيهة بالساريات التي تستخدم في السفن، وهذه التسمية أصبحت مألوفة، رغم أن العمود لم يكن له علاقة مباشرة بالبحر أو الموانئ.
ويمثل عمود السواري رمزًا للفخر الوطني والتراث الثقافي للإسكندرية، فهو شاهد على قوة المدينة ومكانتها في العالم القديم، كما يجذب العمود آلاف الزوار سنويًا من مختلف دول العالم، ليشهدوا هذا الأثر العظيم الذي يحمل بين طياته قصصًا من التاريخ الروماني في مصر.
ولا يقتصر دور العمود على كونه أثرًا سياحيًا فحسب، بل يرمز أيضًا إلى التقاء الحضارات، حيث تمازجت الثقافة اليونانية والرومانية مع الموروثات المصرية القديمة في هذا المعلم التاريخي الفريد.



