تاريخ ومزارات

القديس مارون: مؤسس الطائفة المارونية ورمز الإيمان المسيحي

يُعتبر القديس مارون الناسك (توفي عام 410م) المؤسس الروحي للطائفة المارونية المسيحية، حيث وُلِد في منطقة قورش بشمال سورية. عاش مارون حياة النسك في جبال قورش، وعُرف بتفانيه في العبادة، وقد كتب ثيودوريتس القورشي (397-459م) سيرة حياته في كتابه “تاريخ أصفياء الله”.

بعد وفاته، انتقل تلاميذ القديس مارون إلى منطقة أفامية، التي تقع على بُعد حوالي 150 كيلومترًا جنوبًا بين مدينتي حماة ومعرة النعمان وحمص، حيث أسسوا ديرًا يحمل اسمه، ويُقال إن الإمبراطور مرقيانس قد بناه لهم في عام 452م، وذلك بعد انعقاد مجمع خلقيدونية مباشرة.

ترافق تأسيس هذا الدير مع النزاع الذي نتج عن مجمع خلقيدونية، حيث انحاز تلاميذ مارون إلى المبادئ التي أقرها المجمع. أصبح دير مار مارون مدافعًا قويًا عن المجمع الذي ينص على أن المسيح يتمتع بطبيعتين: إلهية وإنسانية. بينما كان معارضو المجمع يقولون بوجود طبيعة واحدة، مما أدى إلى انشقاق كبير أثر سلبًا على الكنيسة الأنطاكية.

مع مرور الزمن، أصبح دير مار مارون مدرسة كبيرة للموارنة في منطقة حمص وحماة، وزاد عدد الرهبان وتوسعت أنشطتهم حتى وصلت إلى مرتفعات جبل لبنان، مما ساهم في امتداد الانتشار الماروني من قورش ومنبج حتى جبال لبنان.

اعتمد الموارنة اللغة السريانية وأصبحوا بعد عام 451م من المدافعين عن القائلين بالطبيعتين. وتميز رهبان دير مار مارون بدفاعهم القوي عن المجمع الخلقيدوني، مع إضافة مهمة، حيث قالوا بالمشيئة الواحدة واستخدموا عبارة “يا من صلبت لأجلنا”، وهو ما تنافى مع مقررات المجمع المسكوني السادس (680-681م)، الذي حدد أن في المسيح مشيئتين وفعلين، وحرم من قال بالمشيئة الواحدة والفعل الواحد.

تجاهلت الكنيسة الأنطاكية هذا المجمع، إذ لم يحضر أي من أساقفة سورية ومصر وأرمينيا، مما جعلها تضع نفسها خارج نطاق الكنيسة الواحدة المتمثلة ببطريركتي روما والقسطنطينية.

ظل الكرسي البطريركي الأنطاكي شاغرًا لفترة طويلة بعد الفتح العربي، ورغم تعيين بطريركين بين عامي 645 و702م لأنطاكية، إلا أنهما لم يدخلا المدينة أو المنطقة. ورغم ذلك، مثل رهبان مار مارون الخلقيدونيين خلال هذه الفترة، ونصبوا لهم أساقفة في معظم المدن الأنطاكية مثل حماة وقنسرين ومنبج والرها وحلب، مما مهد لنوع من الاستقلالية اللاهوتية والإدارية للموارنة.

انتخب الموارنة أول بطريرك لهم في عام 685 أو ربما 686م، وكان هذا البطريرك هو مار يوحنا مارون. وبانتخابه، برزت للمارونية كنيسة مستقلة ذات بطريرك وإطار إداري خاص بها، وتوقف البيزنطيون بدءًا من عام 702م عن تعيين بطريرك لأنطاكية يقيم في القسطنطينية.

وفي مطلع القرن العاشر، هُدم دير الموارنة الكبير في أفامية، وانتقلت البطريركية إلى جبل لبنان، الذي أصبح منذ ذلك الحين مركز الثقل لوجود الموارنة من الناحيتين الكنسية والمدنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى