مرأه بدوية

العذراء مريم: رمز الطهارة والعطاء الإلهي

اختار الله سبحانه وتعالى الملائكة لتبشير السيدة مريم بالفضل العظيم الذي نالته، فقالت الملائكة: “يا مريم إن الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين” [آل عمران: 42]. وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم مريم كواحدة من خير نساء العالمين إلى جانب آسيا وخديجة وفاطمة [ابن حبان].

في زمن مليء بالظلم والفساد، كان حال بني إسرائيل يفتقر إلى الأمل. فقد انحرفوا عن دينهم، وأصبح الواحد منهم لا يأمن غدر الآخر. وفي خضم هذه الفوضى، كان عمران بن ماتان وزوجته حنّة يعبدان الله بمخلصية، رغم أن الزمن مر دون أن يرزقا بطفل يملأ عليهما حياتهما. في يومٍ ما، جلست حنّة تحت الأشجار، ورأت عصفورة تطعم صغيرها، مما أثار في نفسها غريزة الأمومة. دعت الله أن يمنحها ولداً تنذره لخدمة بيت المقدس، فقالت: “ربي إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم” [آل عمران: 35]. وقد استجاب الله لدعائها، لكن مشيئته كانت أن يكون الجنين أنثى، فتلك هي السيدة مريم.

عندما وضعت مريم، قالت: “ربي إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت” [آل عمران: 36]. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن “كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها” [مسلم]. ولكن القدر كان يخفي لمريم اليتم، فقد توفي والدها وهي لا تزال طفلة. أخذتها أمها إلى الهيكل استجابة لنذرها، ودعت الله أن يتقبلها، فأجابها: “فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً” [آل عمران: 37].

عندما رآها الأحبار، قذف الله في قلوبهم حبها، فتنازعوا على كفالتها. قال نبي الله زكريا، الذي كان أكبرهم سناً، إنه الأحق بكفالتها، ولكنهم أصروا على الاقتراع. وبعد الاقتراع، أظهر قلم زكريا الذي كفلها، كما قال تعالى: “وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم” [آل عمران: 44]. كانت مريم في ذلك الوقت لا تتجاوز العام من عمرها، وجعل زكريا لها خادمة، كان يأتي إليها بالطعام ويستأذن للدخول.

كلما دخل عليها زكريا، كان يرى فاكهة غريبة غير موسمها، فيتعجب ويسألها: “يا مريم من أين لك هذا؟”، فتجيبه: “رزقني به الله” [آل عمران: 37]. ومع هذه المعجزات، دعا زكريا ربه أن يرزقه ولداً، وجاءه الجواب من الملائكة مبشراً بيحيى.

مرت السنوات، وأصبح زكريا شيخاً، وكان يبحث عن كفيل لمريم حتى كانت نصيبها من ابن خالها يوسف النجار، الذي كان رجلًا تقياً. خدمت مريم حتى بلغت سن الشباب، وابتعدت عن الناس، متخذة حجابًا. وبينما كانت مشغولة بعبادتها، جاءها جبريل، ليبشرها بالمسيح، فتفاجأت وطلبت الحماية من الله، لكنه طمأنها بأنه رسول من ربها.

عندما جاء المخاض، لجأت مريم إلى جذع نخلة، وكانت في حالة من الحيرة والخوف. لكن الله أرسل لها جبريل ليخفف عنها، وأخبرها أن تحتها نهراً، وأن تهز جذع النخلة لتسقط عليها رطبًا، كما قال: “فكلّي واشربي” [مريم: 24-26].

عادت مريم إلى قومها تحمل وليدها، فما كان منهم إلا أن انطلقوا في سيل من الاستنكار: “يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً” [مريم: 27]. لكنها أشارَت إلى وليدها، الذي نطق بمعجزة إلهية، مُعلنًا: “إني عبد الله” [مريم: 30]. تعجب القوم مما رأوا، وأظهر ذلك براءة مريم.

ومع ذلك، خاف أعداء الله من اليهود من المسيح، وبدأوا في ملاحقته. فهربت مريم مع يوسف إلى مصر، حيث نشأ المسيح حتى عاد إلى فلسطين بعد وفاة الملك الظالم. وفي الناصرة، عانت مريم الكثير مع ابنها في مواجهة اضطهاد اليهود، حتى عندما أرادوا قتله، أنقذه الله برفعه إليه.

توفيت مريم بعد رفع المسيح بخمس سنوات، وعاشت نحو ثلاثة وخمسين عامًا، ويقال إن قبرها يقع في دمشق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى