فنون و ادب

نبيه أبو الحسن: نجم المسرح اللبناني وصانع الضحك العميق

ولد نبيه أبو الحسن عام 1934 في قرية القلعة الواقعة بين بتخنيه وحمّانا في لبنان، وسرعان ما شق طريقه في عالم المسرح. بدأ مسيرته الفنية في سن الرابعة عشرة من خلال أدوار مدرسية، منها مسرحيات كـ “شعلة من الصحراء” لفريد مدوّر وأعمال موليير مثل “البخيل” و”مريض الوهم”، لتكون انطلاقته من مسارح الجبل بداية لحياة فنية غنية.

عرف أبو الحسن بجديته وموهبته، وسرعان ما أصبح شخصية لامعة في المسرح اللبناني. تميز في جيله بعطاء لا ينقطع منذ أواخر الأربعينات، حيث بدأ من مسرح المدارس وتطور من خلال العمل مع مسرح عيسى النحاس والمسرح الإذاعي. لفت انتباه شكيب خوري الذي كان له تأثير كبير في مجال المسرح، ليشرف على صقل مواهبه ويساعده على العمل مع مخرجين ومدربين كبار.

شارك نبيه أبو الحسن في أعمال عديدة تميزت بأبعاد فنية وثقافية، فقد عمل مع برج فازليان في مسرحيات مهمة مثل “لعبة الختيار” و”الزنزلخت”، وانخرط في اثنين من أعمال محترف بيروت للمسرح هما “المفتّش العام” و”مجدلون”. وكان حضوره لافتاً في أعمال جلال خوري، حيث شارك في معظم مسرحياته، باستثناء عمله الأخير. ولعل تجربته مع شوشو في مسرحية “اللعب عَ الحبلين”، التي كتبها ريمون جبارة وأخرجها برج فازليان، قد أضافت لبصمته الكوميدية بُعداً آخر. كما شارك في مسرحية “فرمان” ضمن مهرجانات بعلبك التي كتب نصها ناديا تويني وأخرجها روميو لحود.

مع مرور الزمن، نمت شخصية نبيه الكوميدية وتطورت لتتخذ أبعاداً فريدة، حيث ابتعدت عن النمط التقليدي وخرجت عن سياق العقلانية لتنتقل إلى منطقة سحرية تجمع بين الحكمة والجنون. لعب دور جحا، الذي كان نقطة فارقة في مسيرته، وأظهر شخصيةً جمعت بين الطرافة والنقد العميق، فشكلت وجهه الفني.

تميز أبو الحسن بتضاد شخصيته بين الصرامة الجسدية وحس فكاهي يفيض بالعمق، ما أكسب أدواره معاني مركبة، واستغل المخرجون الكبار هذا التضاد في تكوينه ليبرزوا أبعاداً مختلفة في أدواره.

انتقل أبو الحسن لاحقاً إلى مرحلة الإنتاج، مساهماً ليس فقط في التمثيل بل في إثراء الساحة المسرحية بمسرحيات مثل “جحا في القرى الأمامية” التي حققت نجاحاً فنياً لافتاً، إلى جانب أعمال تلفزيونية مثل “أخوت شاناي”. كما حققت مسرحيتي “نابليون وأخوت شاناي” و”الشاطر حسن”، من تأليف أنطوان غندور وإخراج برج فازليان، نجاحاً جماهيرياً واسعاً في مسرح الفينيسيا ببيروت. في عام 1974، أنتج مسرحية “أخوت شاناي في الجبهة”، التي كانت ثمرة تعاون بين كتّاب بارزين، حيث شارك إبراهيم سلامة وأندريه جدعون وريمون جبارة في التأليف، وتولى جبارة الإشراف على الكتابة.

ترك نبيه أبو الحسن إرثاً فنياً كبيراً، حيث قدم روحاً جديدة للمسرح الكوميدي اللبناني ومزج بين الفكاهة الهادفة والنقد الاجتماعي العميق، ليبقى اسمه رمزاً للمسرح العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى