سارة وهاجر: صبر وغيرة في حياة نبي الله إبراهيم
تعتبر قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وعائلته من أعظم القصص التي تحمل في طياتها دروسًا عميقة في الإيمان، والصبر، والتضحية. فهي حكاية نبيٍ اختبره الله بأصعب المواقف، من الهجرة عن موطنه، إلى التضحية بأغلى ما يملك، ورغم ذلك كان دائم الثقة بربه وتسليم الأمر له. ومن بين الفصول المؤثرة في هذه القصة، تلك التي تجمع بين السيدة هاجر وسيدنا إسماعيل عليه السلام في وادٍ مقفر، حيث بدأ تاريخ مكة وبناء الكعبة المشرفة. صوت القبائل تستعرض هذه الحكاية التي ألهمت أجيالاً، وما زالت تُحيي في قلوب المؤمنين قيمًا عظيمة ومبادئ ثابتة.
بعد أن استقر سيدنا إبراهيم عليه السلام في أرض بيت المقدس لعشرين سنة، طلبت منه السيدة سارة الزواج من السيدة هاجر. فحملت هاجر وأنجبت سيدنا إسماعيل عليه السلام، وكان عمر إبراهيم حينها 86 عامًا. وبشره الله بولادة إسحاق من سارة، فسجد شكرًا من فرحته، وبالفعل، جاء إسحاق بعد 13 عامًا من ميلاد إسماعيل.
روى الإمام البخاري عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ -أي الحزام- مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، لِتُخْفِيَ أَثَرَهَا عَنْ سَارَةَ». صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر الحافظ في “فتح الباري” أن سبب اتخاذ هاجر للمنطق كان غيرة سارة بعد أن حملت هاجر وأنجبت إسماعيل. وحين علمت سارة، أقسمت أن تؤذي هاجر، فخافت هاجر وهربت وارتدت المنطق لتخفي آثارها.
كما ذكر الشيخ محمد بن أبي زيد أن إبراهيم طلب من سارة أن تحلل يمينها بجرح أذني هاجر واختتنها، فكانت هاجر أول من اختتنت من النساء. ومع ذلك، ظلت الغيرة في قلب سارة، فقرر إبراهيم نقل إسماعيل وأمه إلى مكة. ووضعهما عند البيت في مكان خالٍ من أي حياة، وأوصلهما إلى شجرة قريبة من بئر زمزم.
حين هم إبراهيم بالعودة إلى الشام، تبعته هاجر قائلة: “إلى أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي لا حياة فيه؟” ولم يجبها، فسألته: “الله أمر بهذا؟”، فأجاب: “نعم”. عندها اطمأنت هاجر وقالت: “إذن لن يضيعنا الله”، فعادت لمكانها، وغادر إبراهيم بعد أن دعا الله مستقبلًا البيت الحرام قائلاً: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ…}.