المزيد

محمد حسين الجمسى القائد الصارم ورمز القوة فى ساحات المعارك والمفاوضات

شيماء طه

محمد حسين الجمسي هو واحد من أبرز العسكريين المصريين الذين تركوا بصمة كبيرة في تاريخ القوات المسلحة المصرية، خصوصًا خلال حرب أكتوبر 1973.
نشأته

وُلد محمد حسين طنطاوي الجمسي في 9 سبتمبر 1921 في قرية البتانون بمحافظة المنوفية ، إنضم إلى الكلية الحربية في سن مبكرة، وتخرج منها برتبة ملازم عام 1939.

بدأ خدمته العسكرية في سلاح المدرعات، ثم تولى العديد من المناصب القيادية حتى أصبح رئيسًا لهيئة العمليات في القوات المسلحة المصرية ، ويعتبر آخر وزير حربية فى مصر ، حيث تغير أسم الوزارة بعدها إلى وزارة الدفاع .

دوره في الإعداد لحرب أكتوبر

بعد نكسة 1967، كُلف الجمسي مع مجموعة من القادة العسكريين المصريين بإعادة بناء القوات المسلحة المصرية وتطوير استراتيجياتها ، إشتهر بكونه أحد أفضل الخبراء العسكريين في العالم العربي، وكان معروفًا بالدقة والتخطيط الاستراتيجي العميق .

قام بإعداد “الكراسة 53” الشهيرة، وهي دراسة شاملة عن الجبهة العسكرية مع إسرائيل، كانت بمثابة مرجع رئيسي لوضع خطة حرب أكتوبر.

خطة العبور

كان الجمسي هو المسؤول الرئيسي عن خطة “بدر”، وهي الخطة التي اعتمدت عليها القوات المسلحة المصرية لعبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف الإسرائيلي ، أظهر الجمسي خلال التحضير للحرب قدرة كبيرة على تحليل الأوضاع الميدانية والاستراتيجية، مع وضع خطط تكتيكية محكمة كانت سببًا في تحقيق النجاح .

يوم النصر

في 6 أكتوبر 1973، بدأت القوات المصرية الهجوم المفاجئ على الجيش الإسرائيلي على طول قناة السويس ، كانت الخطة محكمة وشملت استخدام سلاح المهندسين لتدمير التحصينات الإسرائيلية على ضفاف القناة.

كانت مشاركة الجمسي في العمليات العسكرية حاسمة، حيث كان يتابع الموقف على مدار الساعة ويتخذ قرارات تكتيكية هامة أثرت في سير المعارك ،خلال الحرب، أدار الجمسي غرفة العمليات العسكرية بكفاءة، وتعاون بشكل وثيق مع الرئيس أنور السادات ووزير الحربية المشير أحمد إسماعيل.

بعد انتهاء الحرب، عُين الجمسي وزيرًا للحربية وقائدًا عامًا للقوات المسلحة المصرية في ديسمبر 1974 .

شارك في المفاوضات التي قادت إلى توقيع اتفاقية فك الاشتباك الأولى بين مصر وإسرائيل، والتي تم توقيعها في الكيلو 101 على طريق القاهرة السويس .

أطلق عليه الإسرائيليون لقب “القائد النحيف المخيف” تقديرًا لقدراته القيادية والتخطيطية التي أظهرت تفوقًا عسكريًا غير متوقع.

تقاعد الجمسي من الخدمة العسكرية في 5 أكتوبر 1978 بعد مسيرة طويلة وحافلة بالإنجازات .

بعد تقاعده، كتب العديد من المقالات والتحليلات العسكرية حول الحرب والقضايا العسكرية الأخرى، كما تم نشر مذكراته، التي تناول فيها الكثير من تفاصيل حرب أكتوبر وخططه العسكرية .

توفي المشير محمد حسين الجمسي في 7 يونيو 2003 بعد حياة مليئة بالعطاء الوطني والعسكري.

دور الجمسى التاريخى

يُعتبر الجمسي أحد العقول العسكرية البارزة في تاريخ الحروب المصرية، وهو الذي ساهم بقدر كبير في تحقيق النصر المصري في أكتوبر 1973.

خُلد اسمه في كتب التاريخ العسكري كأحد أفضل المخططين الاستراتيجيين الذين لعبوا دورًا رئيسيًا في واحدة من أكبر وأهم المعارك في العصر الحديث.

واقعة المفاوضات الشهيرة في يناير 1974

بعد انتهاء الحرب، جرت المفاوضات بين مصر وإسرائيل تحت رعاية الولايات المتحدة لبحث اتفاق فك الاشتباك. كانت الاجتماعات تُعقد في “الكيلو 101” على طريق القاهرة السويس، وهو المكان الذي شهد المفاوضات الأولى بين القادة العسكريين المصريين والإسرائيليين في أحد الاجتماعات، أظهر الجمسي موقفًا صارمًا تجاه الإسرائيليين.

في البداية، لم يقم بمصافحة الجنرال “أهارون ياريف”، رئيس الوفد الإسرائيلي، أو حتى إلقاء التحية عليه، في إشارة إلى عدم الرغبة في أي تودد أو تصالح شخصي في ظل الموقف الحربي والسياسي الصعب،خلال تلك المفاوضات، تلقى الجمسي رسالة من وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر تفيد بموافقة الرئيس السادات على انسحاب جزء كبير من القوات المصرية من الضفة الشرقية لقناة السويس، والتي كانت تتألف من أكثر من 1000 دبابة و70 ألف جندي.

الجمسي رفض هذا المقترح على الفور، حيث اعتبره مخالفًا للمصلحة العسكرية والاستراتيجية لمصر. قام بالاتصال مباشرة بالرئيس السادات للتحقق من صحة ما أُبلغ به، ورغم تأكيد السادات للموافقة على الانسحاب، أصر الجمسي على موقفه، موضحًا أن الانسحاب سيكون بمثابة تنازل كبير عن المكاسب العسكرية التي حققتها مصر في الحرب ، في هذه اللحظة، كان هناك توتر واضح بين القرار السياسي الذي اتخذه السادات في إطار التفاوض لتحقيق السلام، والقرار العسكري الذي تمسك به الجمسي من منطلق الحفاظ على القوة الميدانية التي تم اكتسابها بشق الأنفس خلال الحرب.

رغم قبول الجمسي في النهاية بالقرار السياسي، ظل موقفه يمثل رمزية واضحة عن صلابة القائد العسكري الذي لا يتنازل عن موقفه بسهولة، ويضع مصالح بلاده الاستراتيجية في مقدمة أولوياته.

هذا الصدام بين الرؤية العسكرية والسياسية في ذلك الوقت كان جزءًا من التحديات التي واجهها القادة المصريون في المرحلة الانتقالية من الحرب إلى السلام.

الجمسي بقي رمزًا للانضباط العسكري والنزاهة، وكان له احترام كبير ليس فقط بين أقرانه المصريين، ولكن حتى بين الإسرائيليين الذين شاركوا في تلك المفاوضات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى