الجبائي وأبو هاشم: مفاهيم فلسفية جديدة في الفكر المعتزلي
يعد أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي وابنه أبو هاشم عبد السلام من أبرز مفكري المعتزلة في البصرة. انطلقا من منهج المعتزلة ولكنهما تفرّدا ببعض المسائل، وتباينت آراؤهما في بعض الأحيان. فيما يلي أهم ما انفردا به وما تباينا فيه.
المسائل التي انفردا بها
1. الإرادات الحادثة لا في محل: أقرّا بأن الله يمتلك إرادات جديدة لا في محل معين، مثل إرادته لتعظيم ذاته أو إفناء العالم. هذا المفهوم يعكس كيف يرى الجبائي وابنه أن الله ليس بحاجة إلى مكان محدد ليحقق إرادته.
2. إثبات موجودات لا مكان لها: وافقا على وجود موجودات تُعتبر كأعراض أو جواهر، لكنها ليست بحاجة لمكان لتكون موجودة، مثل العقل الذي أثبته الفلاسفة كجوهر غير مرتبط بمكان، وكذلك النفس الكلية والعقول المفارقة.
3. الكلام المخلوق في محل: رأيا أن الله يتكلم بخلق أصوات وحروف في مكان معين. الجبائي ذهب إلى أبعد من ذلك، قائلاً إن الله يخلق كلامًا جديدًا عند قراءة كل قارئ.
اتفاقاتهما
– نفي رؤية الله: اتفقا على أن الله لا يُرى بالأبصار في الآخرة.
– إثبات الفعل للعبد: أقرّا بأن العبد هو من يقوم بأفعاله بنفسه، سواء كانت خيرًا أم شرًا.
– الإيمان والفسق: الإيمان عندهما هو مجموعة من خصال الخير، ومن يرتكب الكبائر يُعتبر فاسقًا، لا مؤمنًا ولا كافرًا، ويُخلد في النار إذا مات دون توبة.
-العدالة الإلهية: رأيا أن الله لا يُقصّر في إعطاء عباده ما يحتاجونه للطاعة.
الاختلافات بين الجبائي وأبو هاشم
1. صفات الله: الجبائي اعتبر أن صفات الله كالعلم والحياة هي ذاتية، بينما أبو هاشم أقر بوجود “أحوال” تصف الذات الإلهية، وهي ليست موجودة ولا معدومة، وتعرف فقط في سياق الذات.
2. التفضل والعوض: الجبائي رأى أنه يمكن لله أن يُعطي المظلوم عوضًا عن طريق التفضل، أما أبو هاشم فاعتقد أن التفضل لا يمكن أن يكون وسيلة للانتصاف لأنه ليس واجبًا على الله.
3. معنى السمع والبصر: عند الجبائي، السمع والبصر هما علامات على الحياة بدون آفات، بينما رأى أبو هاشم أنهما حالتان منفصلتان تدلان على قدرة الله على إدراك المبصرات والمسموعات.
مواقف أخرى
– التكليف واللطف: تباينت آراؤهما حول متى يجب على الله استخدام اللطف ليُكلف عباده بالطاعة.
– عصمة الأنبياء: الجبائي وأبو هاشم أكدّا على عصمة الأنبياء عن الذنوب، الكبائر والصغائر، ورفضوا تمامًا فكرة القصد إلى الذنب.
يتضح من هذه الأفكار أن الجبائي وابنه أبو هاشم شكّلا ملامح جديدة في الفكر المعتزلي، إذ دمجا بين الفكر الكلامي والفلسفي، مما أدى إلى آراء جديدة ومثيرة للجدل في زمنهما.