أحمد الشريف يكتب: بنو سعود وعينهم الحمراء على اليمن
يؤكد القاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري الأسبق رحمه الله في مذكراته بأن التدخل السعودي في اليمن وأطماع الأسرة السعودية فيه ليس وليد انشاء دولتهم التي أسستها بريطانيا في نجد والحجاز عام 1932م تحت مُسمى المملكة العربية السعودية
والتي ضمت إليها فيما بعد الأراضي اليمنية المتمثلة فيما كان يُعرف بالمخلاف السليماني ونجران وإنما كان هذا التدخل السافر في الشأن اليمني قد بدأ بعد تأسيس دولتهم الأولى في الدرعية شراكة بين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب والتي أسقطها حاكم مصر محمد علي باشا بتوجيهات من الخلافة العثمانية باسطنبول وكانت طبيعة التدخل في البداية على أساس مذهبي حيث استطاع بنو سعود آنذاك وشركاؤهم آل الشيخ أن يستميلوا بعض علماء اليمن لاعتناق المذهب الوهابي والترويج له مثل الشوكاني وابن الأمير والديلمي وغيرهم واستمر هذا التدخل خلال دولتهم الثانية التي اختاروا لها قرية العارض المعروفة بالرياض حاليا عاصمة لها ولكنها لم تعمر طويلا فقد تمكن أنسابهم آل الرشيد من اسقاطها وتشريد من تبقى من بني سعود ليستقروا في الكويت وتكفلت الخلافة العثمانية بالصرف عليهم ، وعندما يأست بريطانيا من إقناع السلطان عبدالحميد آخر خليفة عثماني وكذلك الشريف حسين ملك الحجاز بالتنازل عن فلسطين لتحقيق وعد وزير خارجيتها بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ذهبت إلى الكويت وعرضت على عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود دعمه لاستعادة ملك أجداده في نجد مقابل تنازله عن فلسطين فوافق على الفور وكتب وثيقة بخط يده ومهرها بختمه مؤكداً فيها أنه يتنازل عن فلسطين لليهود المساكين وأنه لا يخرج عن طوع بريطانيا حتى قيام الساعة وكانت أولى خطوات بريطانيا الانتقام من السلطان عبدالحميد حيث دعمت الجيش التركي بقيادة أتاتورك لإسقاط الخلافة العثمانية وهو الانقلاب الذي حول تركيا لتكون الأخيرة في الغرب بعد أن كانت الأولى في الشرق ثم تفرغت بريطانيا لدعم عبدالعزيز فعينت له جون فيلبي قائدا لمعاركه حيث كان يسقط له المناطق تباعا بعد القضاء على دولة آل الرشيد في الرياض وجعلها مرتكزا للانطلاق منها للاستيلاء على كل مناطق نجد ونصبته بريطانيا عليها سلطانا ثم اتجهت للانتقام من الشريف حسين ملك الحجاز فأسقطت دولته وضمت الحجاز بالكامل إلى ملك السلطان عبد العزيز في نجد وأطلقت عليه لقب سلطان نجد والحجاز، وفي يوم 23 سبتمبر من عام 1932م تم الإعلان عما يُعرف اليوم بالمملكة العربية السعودية التي نصبت عليها بريطانيا السلطان عبدالعزيز ملكا وهو ما لم يحدث في أي شعب في العالم أن تلغى هوية الشعب الوطنية وتستبدل بهوية منسوبة إلى اسم الأسرة التي تحكمه إلا لدى الشعب السعودي ومن المفارقات أن هذه الأسرة ربطت تاريخ شعب نجد والحجاز بتاريخها وكأنه مقطوع من شجرة لا يوجد له تاريخ سابق وهي من أنشأته، ولم يكد يمضي عامان على إعلان مملكة بني سعود حتى قام ملكها عبدالعزيز بشن عدوان على المخلاف السليماني عسير وجيزان وقضى على الحكام الأدارسة الذين كانوا يتبعون اليمن ولم يكتف بذلك فحسب وإنما قام بشن حرب على اليمن في عام 1934م بعد أن ضم المخلاف السليماني اليمني إلى مملكته وليزيد عليه الاستيلاء على منطقة نجران وهي معروفة بأنها أرض يمنية مستغلا تهاون ملك اليمن وموقفه السلبي من مذهب أهل نجران الإسماعيلي، وقد تمخض عن تلك الحرب ما عُرف بمعاهدة الطائف بين ملك اليمن يحيى حميد الدين وملك السعودية عبدالعزيز آل سعود والتي حددت مدتها بعشرين عاما قمرية قابلة للتجديد حتى يتم الاتفاق على حل حول تبعية عسير وجيزان ونجران لأي من البلدين وهي في الأساس أراض يمنية وقد تضمنت الاتفاقية ملاحق سرية تقوم السعودية بموجبها بدعم موازنة الدولة اليمنية والتعامل مع العمالة اليمنية كأبناء البلد وإعفائهم من التأشيرات والكفالات وكذلك إعفاء الحجاج اليمنيين من أي رسوم في مقابل بقاء الأراضي المختلف حولها تحت الإدارة السعودية حتى الوصول إلى حل، وقد تم تجديد معاهدة الطائف لأول مرة في صنعاء أثناء زيارة الملك سعود لليمن عام 1953م وبعد قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962م أصدر الثوار من باب المزايدة بيانا الغوا بموجبه معاهدة الطائف وقام الطيران المصري بشن غارات على منطقتي جيزان ونجران باعتبارهما أرض يمنية، وبعد انسحاب الجيش المصري من اليمن وتحقيق المصالحة مع السعودية قام القاضي عبدالله الحجري عضو المجلس الجمهوري ورئيس مجلس الوزراء عام 1973م مع نائبه الأستاذ محمد أحمد نعمان بزيارة إلى الرياض وجددا معاهدة الطائف للمرة الثانية لمدة عشرين سنة قادمة دون تفويض من المجلس الجمهوري وهو الأمر الذي جعل رئيس المجلس القاضي عبدالرحمن الارياني يطلب من القاضي الحجري تقديم استقالته وتم تعيين بدلا عنه لتشكيل الحكومة الدكتور حسن مكي وقد عاقبت السعودية القاضي الارياني على معارضته تجديد المعاهدة بأن حرضت عليه العقيد إبراهيم الحمدي ليقوم عليه بانقلاب عرف بحركة 13 يونيو عام 1974م لكن هذا الانقلاب لم يصمد طويلا فقد تم اغتيال الشهيد إبراهيم الحمدي في منزل نائبه المقدم أحمد الغشمي بمشاركة سعودية وتولى الرئاسة بعده أحمد الغشمي الذي لم يدم حكمه أكثر من ثمانية أشهر وتم اغتياله ليتولى الرئاسة بعد ذلك المقدم علي عبدالله صالح بإرادة سعودية، وبعد انتهاء فترة التجديد الثاني عام 1994 م كانت العلاقات متوترة بين اليمن والسعودية فوجدتها القيادة اليمنية آنذاك فرصة للمطالبة باستعادة الأراضي اليمنية المحتلة من قبل السعودية، لكن عملاء السعودية كان لهم دور في حرف البوصلة فتم الدخول في مفاوضات عبر تشكيل لجان حدودية من قبل الجانبين كنت أحضر بعض اجتماعاتها وأغطيها خبريا انتهت بعملية بيع الأراضي للسعودية بموجب اتفاقية جدة التي تم التوقيع عليها يوم 12 يونيو عام 2000م بحضور الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وتم التنازل عن الملاحق السرية التي تضمنتها معاهدة الطائف عام 1934م التي لم تفرط في الأرض اليمنية ويقال أنه تم استلام عشرين مليار دولار مقابل التوقيع على اتفاقية جدة تم توزيعها بين الثلاثي الحاكم آنذاك علي عبدالله صالح وعبدالله بن حسين الأحمر وعلي محسن صالح ومنذ ذلك التاريخ تخلصت السعودية من نقطة الضعف التي كانت تعاني منها ممثلة بمعاهدة الطائف وأصبحت هي الحاكم الفعلي لليمن تسيره كيفما تشاء، وعندما قامت ثورة 21 سبتمبر الشعبية عام 2014م وجعلت هدفها الرئيسي تحرير القرار السياسي اليمني من الوصاية الخارجية جن جنون السعودية وأمريكا فشكلا تحالف كوني شن حربا ظالمة على اليمن يوم 26مارس عام 2015م ما تزال قائمة إلى يومنا هذا للعام العاشر على التوالي وفي انتظار بإذن الله ما ستحمله لنا الأيام القادمة من بشارات تعيد لليمن حريته واستقلاله وسيادة قراره ونسأل الله العون والسداد لقائد الثورة الشعبية السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي يحفظه الله.