تحولات قصر الأميرة فوقية: من قصر خاص إلى مقر للسلطة الحكومية
في مساء يوم الاثنين 10 من فبراير 1947. شهد تأسيس أول مجلس للدولة في مصر، وتم توثيق هذه اللحظة التاريخية في صورة فوتوغرافية تعكس تلك الفترة البعيدة، حيث اصطف أعضاء المجلس الموقر بزي العصر، حيث كان الطربوش جزءاً لا يتجزأ من ملابس الرجال.وقف الأعضاء لالتقاط الصورة أمام مقر المجلس. الذي كان في الأصل قصر الأميرة فوقية، الأخت غير الشقيقة للملك فاروق، وظهر القصر بمظهر أنيق في الخلفية، حيث كانت الستائر مسدلة على النوافذ في الداخل بأناقة لا تخفى على عين خبير.
مقر مجلس الدولة
بعد أن تم إقامة المبنى الجديد لمجلس الدولة على حديقة القصر، أصبح من الصعب رؤية القصر نفسه من الشارع الجانبي المسمى “عصام الدالي”. المبنى الجديد لمجلس الدولة أصبح يحتل الواجهة على حرم الشارع الرئيسي الذي يصل بين منطقتي العجوزة والجيزة.في قصاصات الصحف التي تعود تاريخها إلى اليوم التالي للافتتاح، وجدنا الإشادة بقرار الملك فاروق بإنشاء مجلس الدولة، والذي جاء تحقيقًا لهدي جده الخديوي إسماعيل. فقد أصدر الخديوي إسماعيل الأمر العالي في عام 1879 بإنشاء مجلس شورى الدولة، إلا أنه لم ينفذ في حينه. وفي عهد الملك فاروق. تم استحداث نظام مجلس الدولة والقضاء الإداري في النظم المصرية، بموجب القانون رقم 112 لسنة 1946. واستقر المجلس في السراي الذي أنشأه والده الملك فؤاد بالجيزة.
مراسم احتفالية في قصر الأميرة فوقية
احتفل الملك فاروق بتأسيس مجلس الدولة بمناسبة عيد ميلاده الملكي، حيث أقيمت مراسم احتفالية في حديقة السراي. تم ترتيب سرادق كبير لاستقبال المدعوين، وحضر الاحتفال سعادة كامل مرسي باشا رئيس مجلس الدولة.وطاهر محمد بك نائب رئيس المجلس. وإسماعيل فخري بك مدير الجيزة، ومحمود عمر سكرتير مجلس الدولة. وإبراهيم رياض نائب مديرية الجيزة، بالإضافة إلى عدد من السفراء الأجانب وأمراء العائلة المالكة وأعضاء مجلس الوزراء.وصل الملك فاروق إلى سرادق الاحتفال في تمام الساعة الرابعة، حيث استمع إلى كلمة من وزير العدل أحمد خشبة باشا، ومن ثم كلمة من رئيس المجلس كامل باشا. وبعد ذلك، تم إزاحة الستار عن اللوحة التذكارية التي تخليدا لتأسيس مجلس الدولة. ثم زار الملك غرفة رئيس المجلس ليوقع اسمه في السجل التذكاري للزيارة. ومن ثم غادر المكان.بعد انتهاء الرسميات. انضم المدعوون إلى حفلة شاي أقيمت ابتهاجًا بالزيارة الملكية وبمناسبة العيد الملكي الذي يصادف الحادي عشر من فبراير.
الملك فؤاد
كان قصر الأميرة فوقية، ابنة الملك فؤاد، معلمًا تاريخيًا يعود إلى عام 1919، حيث شيده الملك فؤاد بنمط الباروك والروكوكو. هذا القصر كان مكانًا راقيًا ومقرًا لإقامة الأميرة فوقية. الابنة الوحيدة للملك من زوجته الأولى. الأميرة شويكار إبراهيم. وقتها، لم تكن للأميرة فوقية أشقاء آخرين من نفس الأم.
على الرغم من كون الأميرة فوقية ابنة للملك. إلا أنها لم تكن لها علاقة وثيقة بشقيقها الملك فاروق، الذي كان غير مرتبط بشقيقاته إلا بالأميرة فوزية. كانت الأميرة فوقية مشغولة دائمًا مع زوجها محمود فخري باشا. الذي كان أول وزير مصري مفوض لدى فرنسا ابتداءً من عام 1924. بعد وفاة والدها، قامت الأميرة ببيع ميراثها لأخيها وأخواتها.
فيما بعد، غادرت الأميرة فوقية مصر لترافق زوجها في باريس. كانت مساعدًا جيدًا له بفضل إتقانها للغة الفرنسية. كانت تستقبل والدها الملك عند زيارته لباريس. وعندما خطط والدها الملك فؤاد لزيارة رسمية لفرنسا، قامت عائلتها بشراء فندق ماتينيو لإقامته فيه، ولكنهم واجهوا صعوبات قانونية في ذلك. لم يتمكن زوجها من انتظار حكم المحكمة، لذا احتجز جناحًا فخمًا في فندق ماجستيك. وبالطبع، لم يكن هذا المقر مثل قصر ماتينيو، الذي كان مقرًّا رسميًّا لسفراء مصر في فرنسا.
القصر الخاوي على ضفاف النيل
تبقى الأميرة فوقية وحيدة، متواجدة في باريس بعد وفاة زوجها. انعزلت عن الحياة العامة بسبب حساسيتها العميقة، وكانت تختبئ مواهبها الأدبية والموسيقية. على الرغم من أنها كانت ماهرة في العزف على البيانو. إلا أنها كانت تفضل عدم نشر أعمالها، باستثناء قطعة واحدة تسربت بعنوان “ليلة مقمرة على سفح الهرم”، دون أن تسمح باستخدام اسمها.
بعد وفاة زوجها، قضت الأميرة فوقية السنوات الأخيرة من حياتها في فندق دولدر بزيورخ، في جناح مكون من سبع غرف. لم تبقَ لها سوى ابن واحد، الذي هجرها بعد أخذه لمجوهرات العائلة. كانت تغادر الفندق فقط لزيارة جثمان صديقها المتوفى، كومت باديكس، الذي كان أميرًا في روسيا البيضاء. في فبراير 1974، عُثر على جثتها متجمدة على كرسي الهزاز في جناحها بالفندق.
أما قصر الأميرة فوقية على ضفاف نهر النيل في الجيزة، فظلَّ فارغًا بعدما باعته لشقيقتها غير الشقيقة، الأميرة فائقة، في يونيو 1952. تم استئجاره لمجلس الدولة المنشأ حديثًا.وبعد ذلك تم التحكم فيه من قِبَل الدولة. فيما يتعلق بقرار إنشاء مبنى جديد لمجلس الدولة على حديقة السراي، لم يترك القائمون على المشروع مسافة كافية بينه وبين السراي القديم، مما أدى إلى اندماجهما معًا في ظلام التاريخ.