تاريخ ومزارات

موفق الدين بن يعقوب: الطبيب الذي حفظ جالينوس عن ظهر قلب

موفق الدين بن يعقوب، هو الطبيب المشهور موفق الدين بن يعقوب بن سقلاب المقدسي المشرقي المكي، الذي تعلم الحكمة من رجل يلقب بالفيلسوف الإنطاكي. ولد في القدس عام 556 هـ وهناك توفي عام 625 هـ.

من هو بن سقلاب

ذكره ابن أبي أصيبعة في “عيون الأنباء في طبقات الأطباء” بأنه ((موفق الدين بن يعقوب بن سقلاب، نصراني. كان أفهم أهل عصره بما جاء في كتب جالينوس وأدقها في فهمها وتمحيصها وإتقانها. وكان مجتهداً جداً في فن الطب وحريصاً شديداً على قراءة ومطالعة كتب جالينوس. وكانت فطرته جيدة وذكاؤه قوياً.

فأصبح يحفظ معظم كتب جالينوس وما قاله فيها في ذهنه، فكلما تحدث عن فن الطب في مختلف فروعه وتنوع موضوعاته وكثرة تفاصيله. كان ينقل ذلك من جالينوس، وكلما سأل عن شيء في فن الطب من القضايا الصعبة وغيرها لم يرد عليه إلا بقوله قال جالينوس. ويذكر من أقوال جالينوس ما يتعلق بذلك. فكان يدهش الناس بذلك. وأحياناً كثيرة كان يذكر جزءاً من كلام جالينوس. ويقول هذا ما ذكره جالينوس في كذا وكذا ورقة من المقالة الفلانية من كتاب جالينوس. ويسميه ويقصد به النسخة التي عنده، وذلك لأنه كان قد قرأها كثيراً وأحبها. ومن ما شهدته من أمره أني كنت أقرأ عليه في بداية اشتغالي بفن الطب ونحن في المعسكر المعظمي.

وكان أبي أيضاً في ذلك الوقت في خدمة الملك المعظم رحمه اللّه – شيئاً من كلام أبقراط حفظاً واستشراحاً. فكنت أرى من براعته في الشرح، ودقته في استخراج المعاني – بأجمل عبارة وأقصرها وأكملها معنى – ما لا يستطيع أحد أن يفعل مثله ولا يقوى عليه ثم يلخص ما ذكره ويستخلص ما قاله حتى لا يترك في كلام بقراط موضع إلا وقد شرحه شرحاًَ لا يحتاج إلى زيادة في الجودة.

موفق الدين بن يعقوب

ثم إنه ينقل نص ما قاله جالينوس في شرحه لذلك الفصل متتابعاً إلى نهاية قوله. ولقد كنت أراجع شرح جالينوس في ذلك فأجده قد نقل عين ما قاله جالينوس في ذلك المعنى. وربما كلمات كثيرة من كلمات جالينوس ينقلها بحرفيتها دون أن يزيد فيها أو ينقص منها. وهذا شيء انفرد به في زمانه. وكان في أزمنة كثيرة لما أقام بدمشق يلتقي هو والشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي في المكان الذي يجلس فيه الأطباء عند دار السلطان. ويتناقشان في أمور الطب. فكان الشيخ مهذب الدين ألسن عبارة، وأشد براعة، وأجمل بحثاً.

كما كان الحكيم يعقوب أهدأ سكينة. وأوضح قولاً، وأغزر نقلاً. لأنه كان كالمترجم الذي يحضر له ما قاله جالينوس في جميع كتبه من فن الطب. فأما علاجات الحكيم يعقوب فإنها كانت في قمة الجودة والنجاح. وذلك أنه كان يتأكد من معرفة المرض أولاً بشكل لا يقبل الشك. ثم يبدأ في مداواته بالقواعد التي ذكرها جالينوس مع تعديله هو لما يستخدمه في الزمن الحالي.

وكان حريصاً جداً على استقراء الأعراض بحيث أنه كان إذا زار مريضاً لا يتوقف عن سؤاله عن عرض. وما يعانيه مما يشعر به، من مرضه طوال الوقت إلى أن لا يترك عرضا يمكن أن يدل على تحديد المرض إلا ويأخذ به في الاعتبار. فكانت علاجاته دائماً لا تحتاج إلى تحسين في الجودة. وكان الملك المعظم يثني عليه بهذه الحالة ويمدحه ويقول لو كان في الحكيم يعقوب شيء واحد فقط هو شدة استقصائه في تحديد الأمراض حتى يعالجها بالطريقة الصحيحة. ولا يخلط بينها. وكان الحكيم يعقوب أيضاً ماهراً في اللغة الرومية عارفاً بلغتها ومترجماً معانيها إلى العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى