كتابنا

د.بسام ابو عبدالله يكتب : الإصلاح في سورية.. بين العاطفة والعقل!

د.بسام ابو عبدالله يكتب : الإصلاح في سورية.. بين العاطفة والعقل!

تنشر وسائل الإعلام السورية في هذه الأيام معلومات حول عمليات الإصلاح، التي يجري بعضها بهدوء بعيداً عن الأضواء، وبعضها الآخر يتم العمل عليه بشكل تدريجي، بهدف إعادة تعريف الدور والمهام المنوطة بالمؤسسات العامة خلال المرحلة القادمة، وهذا ليس مجال بحثنا هنا، لكن نقاشي سيكون حول ردود الأفعال حول هذه الأخبار التي تتسرب هنا وهناك، والتي تبدو في جزء كبير منها سلبية، بسبب إشكاليات الواقع الاقتصادي والمعيشي، الذي لا يمكن لأي باحث موضوعي أن يتجاوزه، ولا أن يقفز فوقه حين الحديث عن الإصلاح في سورية، لكني في الوقت نفسه الذي أتفق فيه مع أصحاب هذا الطرح، إلا أنني أختلف معهم في عدة نقاط سأذكرها:

* لا يتم التمييز في هذا الطرح بين العوامل الموضوعية والذاتية، إذ يتم الخلط بشكل عفوي بين ما تعرضت له سورية من حرب فاشية مدمرة خلال ثلاثة عشر عاماً، وحصار جائر، وعقوبات متتالية، واحتلال أميركي لمصادر الطاقة، وحرمان السوريين منها، كذلك استمرار الاحتلال التركي في شمال غرب سورية من قبل تنظيمات مصنفة دولياً بأنها إرهابية، ما أدى إلى تراجع مصادر العملات الأجنبية، والواقع الاقتصادي بشكل عام، وبين العوامل الذاتية المرتبطة بأداء المؤسسات، والخدمات العامة، وارتفاع الأسعار، والتضخم، وانتشار الفساد، هذه النتائج وغيرها الكثير من تبعات ما حدث في سورية خلال السنوات الماضية، من دون أن نغفل بالطبع دور العامل الذاتي الذي ما من شك عليه جزء من مسؤولية التردي، والأوضاع العامة التي نعيشها جميعاً.

* إذا استخدمنا العاطفة من دون العقل فسوف نصل إلى نتيجة أنه لا أمل في الإصلاح، وبالتالي علينا الجلوس والدعاء للسماء بأن تنقذنا، من دون بذل أي جهود تذكر في هذا المجال، ومن دون أن نُشكل حاملاً حقيقياً لأي مشروع إصلاحي نهضوي حقيقي، بل سيقتصر دورنا على التفاؤل، أو التشاؤم، وتثبيط الهمم، لكن إذا اعتقدنا أن الإصلاح هو مسار سهل يمكن أن ينجز بالتنظير، فهذا تسطيح للأمور من دون الولوج إلى عمقها، وقد ننجح في مجالات، ولا ننجح في أخرى، فالأمور ترتبط بالكثير من العوامل التشريعية والمادية، ومناهج التفكير، والرقمنة، والحامل الاجتماعي، والقناعة والإيمان بالمسار، والأهم هو العمل المستمر والصلب من دون تردد أبداً.

الحقيقة أن استعادة الثقة هي عمل صعب ومعقد، خاصة عندما يتسبب به أناس انتهازيون، منتفعون، لا يفكرون إلا بمصالحهم الخاصة على حساب المصلحة الوطنية العليا، وهؤلاء شكلوا خلال سنوات الحرب وقبلها شبكة مصالح وفساد، أصبحت عاملاً معوقاً ومثبطاً ومعرقلاً لأي عمل أو مشروع إصلاحي، ولأن الفساد ليس آفة محلية بل عالمية، فإن مكافحته لا ترتبط فقط بالجوانب القانونية والتشريعية، إنما يلعب التحول الرقمي كمثال دوراً في التخفيف من آثار هذه الظاهرة الخطرة، إضافة إلى شبكة عوامل أخرى عديدة منها الأمان المادي والتربية الأخلاقية، وصرامة القانون، والأهم هو المساءلة والمحاسبة، إضافة للمكافأة والتشجيع.

إن مخاطر هذه الظاهرة تكمن في أنها تقتل الثقة بين المواطن، ومؤسسات الدولة، وتفسد الخدمات العامة من تعليم وصحة، وضمان اجتماعي، ونقل عام، وثقافة ورياضة، كما أنها تسلب مؤسسات الدولة القدرة على القيام بوظائفها لأنها تقنع الناس بالاستخفاف بالقوانين، وتجاوزها، ويسود نهج الاستثناء على حساب تطبيق القانون، وتلعب المحسوبيات دوراً في الشأن العام، بعيداً عن النزاهة والكفاءة، والأخطر من ذلك كله أنها تتحول إلى ثقافة عامة فيصبح المال العام المسروق «حلالاً وشطارة وفهلوة»، ما يؤدي إلى إضعاف الانتماء الوطني، والمساهمة في الشأن العام.

أدرك تماماً أن التوصيف الذي قدمته أعلاه يعرفه الكثيرون، ومن المفيد التذكير به في هذه الأيام، لكن السؤال المهم الذي يطرح علينا جميعاً هو: ما العمل؟ أي هل نبقى في مرحلة التنظير، والتوصيف، والشرح والشكوى، وهي كلها مفهومة لدى الجميع، أم علينا العمل والبدء من نقطة ما، خاصة أن هذه القوى والشبكات، إن صح التعبير، تريد منا أن نخلي الساحة، وألا نتمتع بالإرادة والتصميم، وأن نكتفي بإلقاء المسؤوليات والبحث عن المشجب لكل منا، تارة نحو الأعلى، وتارة أخرى نحو الأدنى، وهي عملية تشبه الدوران في حلقة مفرغة من دون نتيجة سوى ضياع الوقت، وقتل الأمل.

بالنسبة لي، وكغيري من المعنيين بالشأن العام سوف أستمر بتسليط الضوء على قناعات قد يختلف البعض معي بشأنها، لكنها قناعات أحاول بثها علّها تكون مفيدة للأجيال الشابة الصاعدة، ودورنا وعملنا هو بث الأمل لها من خلال العمل الجاد، والفعل الحقيقي، والقيام بكل ما نستطيع لنكون قدوة حسنة لهؤلاء الشباب، والقناعات التي أؤمن بها سأعددها هنا كي تكون واضحة جلية:

1- لم يكن لدي شك في المراحل الصعبة من الحرب كغيري من ملايين السوريين بأننا سوف نتجاوز هذه الحرب الفاشية، وننتصر عليها، ليس من منطق علمي- مادي، بل من منطق إيماني عميق، لأننا كنا ومازلنا نخوض حرباً وجودية على بقائنا كدولة، وعلى مبادئنا، وانتمائنا، وعاداتنا، وتقاليدنا، وثقافتنا، ونهجنا السياسي، واقتصادنا، وثرواتنا، ودورنا في المنطقة، ومن أراد أن يعرف أكثر عليه أن يعود إلى تصريح أدلى به رئيس حكومة كيان الاحتلال الأسبق إيهود أولمرت قبل أيام لموقع «إيلاف» حينما قال، وأرجو أن تدققوا بكلماته: «إن الرئيس بشار الأسد أضاع فرصة عمره لعدم توصله إلى اتفاق معه (أي أولمرت)، وإن الرئيس أردوغان حاول ترتيب لقاء له مع الرئيس الأسد، لكنه رفض»، وتابع أولمرت: «الأسد لم يحضر إلى أنقرة للقائي، وبهذا ضيّع على نفسه، وعلى بلاده فرصة السلام مع إسرائيل، فلو اتفق معي، والتقى بي ووقعنا اتفاقاً لما كان وصل إلى هذه الحرب في سورية».

أي إن الحرب على بلادنا سورية لا علاقة لها بالشعارات، التي روّجت لها منظومات مالية نفطية، ومحطات إعلامية، وآلاف آلاف الإرهابيين، ومئات مليارات الدولارات، بل لها علاقة مباشرة وجوهرية بمواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة، وأحداث غزة الآن تثبت صحة موقف الرئيس الأسد تماماً، والحرب علينا لم تنتهِ بعد، بل هي مستمرة بأدوات ووسائل أخرى أخطر، فمن يجوّع أهل غزة، هو نفسه الذي يعمل على تجويع السوريين واللبنانيين، وغيرهم من أبناء المنطقة.

2- إذا كان خصومنا وأعداؤنا بهذا الوضوح، فلماذا ما يزال لدى البعض منا التباس بين الأعداء والأصدقاء، وبين الموضوعي والذاتي؟ إذ لا يمكن لأي تحليل علمي ألا يضع بحسبانه العوامل المذكورة أعلاه، وحجم التدمير الذي تعرضنا له، وعوامل إقليمية ودولية في محيط مضطرب وغير مستقر، وهذا يدفعنا لترتيب أولوياتنا، ومواجهة مصاعب جمة وكبيرة.

3- أعتقد أن دعم مشروع الإصلاح يجب أن تكون مهمة الجميع، وهذا المشروع قديم- جديد، لكن الظروف تغيرت وتبدلت، وهذا أمر طبيعي، والأهم أن نؤمن بأنه لا حل أمامنا سوى السير بهذا الطريق على ألمه ومعاناته، وهو تحد كغيره من التحديات التي واجهناها خلال سنوات الحرب الصعبة، وما نحتاجه عدة عوامل:

* وضع أهداف واضحة لمشروع الإصلاح، وأعتقد أنه يفترض أن تكون واضحة مع حديث الرئيس الأسد عن «تغيير المنظومة».

* الإصلاح يحتاج إلى رؤية، وتكامل، وتنسيق، وصلابة من دون تردد.

* المراجعة والتصحيح عملية دائمة لأي إصلاح يتم.

* مشاركة الأفكار والمشروعات الإصلاحية مع الرأي العام، وتوسيع دوائر الحوار بهذا الشأن.

* لا يمكن تنفيذ الإصلاحات دفعة واحدة، بل لابد من أن تكون على مراحل، لكن بعمق، وجذرية.

* الإصلاح يجب أن يشمل مجالات عديدة وكثيرة، من الصحة إلى التعليم، إلى النقل العام، والخدمات، والأهم الاقتصاد، ومستوى معيشة الناس، لأن الهدف الأساسي للمشروع الإصلاحي هو الوصول لهذه الغاية.

* الأحزاب، والمنظمات، والمؤسسات العامة يجب أن تكون قوة حاملة، ودافعة، ومساهمة في هذا المشروع الوطني الكبير.

إذا كان البعض يعتقد أن أحداً ما في مكان ما من هذا العالم سوف يأتي لإنقاذنا فيما يتعلق بعواملنا الذاتية، فهذا وهم كبير، وإذا كان البعض الآخر يعتقد أنه باليأس والتيئيس والسلبية سوف يحل الأمور المعقدة، فهذا توجه مرفوض بالمطلق، أما المطلوب فهو العمل والإنتاج، وتقديم الأفكار والمبادرات، وضخ الأمل، والتركيز على الإنجاز أكثر من التصريحات، ودون ذلك لا يعتقد أحد أن أحوالنا سوف تتحسن من تلقاء نفسها، وبقدر ما نحن طيبون وعاطفيون، بقدر ما يجب أن يكون لدينا حكمة، وعقل وتحليل موضوعي بعيداً عن الإحباط واليأس.

أنا من أنصار الاتجاه الثاني، فالعاطفة لدي موجودة وبالطبع أتفاعل، وأعيش قضايا، ومعاناة الناس، لكنني لا أؤمن أبداً بأن الحلول ستأتي ونحن قاعدون ونقول لغيرنا «اذهب أنت وربك فقاتلا»، والمطلوب جرعات الأمل المدروسة والمنطقيــة، المترافقــة مع العمل الجاد، لأنه كما كانت مواجهــة الحرب الفاشية علينا صعبة ومعقدة، واعتمدت على الصبر والثبات والشجاعة، فإن الإصلاح طريق ليس مفروشاً بالورود أبداً، بل يحتاج إلى المؤمنين به والمخلصين والثابتـين، وهو طريق إجبــاري لا خيار أمامنا غيره.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى