خميس القطيطي يكتب:طوفان الأقصى ينسف المشاريع الصهيونية
خميس القطيطي يكتب:طوفان الأقصى ينسف المشاريع الصهيونية
قراءة التاريخ والاستفادة من دروسه مسألة ذات أهمِّية في العلاقات الدوليَّة والممارسات السِّياسيَّة، ولا أعْلَم حقيقةً هل ساسة الولايات المُتَّحدة ومَنْ يَدُور في مجرَّتها الدوليَّة يملكون هذه المعرفة في استقراء التاريخ واستخلاص عِبره ودروسه أم أنَّ غطرسة القوَّة والطغيان يدفعهم دائمًا نَحْوَ استنساخ مشاريع سياسيَّة تحاول طمس حقائق التاريخ فعمَت القلوب والأبصار عن حقيقة القضيَّة الفلسطينيَّة وعدالتها وحقِّ النِّضال والكفاح المُسلَّح من أجْلِ تحقيق مشروع التحرير؛ وبالتَّالي فإنَّ التاريخ يؤكِّد دائمًا أنَّ التحرير لَنْ يأتيَ إلَّا على دماء الشعوب؛ والشَّعب الفلسطيني طبَّق هذه الحقيقة التاريخيَّة فرسمَ منذ انتفاضته الأولى طريق التحرير عَبْرَ أجيال ما زالت تسير نَحْوَ تحقيق مشروعها المقَدَّس فعصفت بكُلِّ ما جاء في تفاصيل أوسلو والمشاريع الدوليَّة التآمريَّة الفاشلة، وما تبعها من نكسات ونكبات صهيونيَّة تجسَّدت نتائجها في كُلِّ الخيبات الصهيونيَّة الَّتي حدثت مع تقادم الزمن، وفي كُلِّ مرَّة يتأكَّد أنَّ مشروع التحرير يقترب ويثبت عماده عَبْرَ قوافل الشهداء، وبالمقابل الآخر غياب الأمن لدى كيان الاحتلال وزعزعة الأمن والسِّلم الدوليَّين، فإلى متى ستظلُّ واشنطن وعواصم دوليَّة أخرى تابعة بعيدةً عن هذه الحقائق الَّتي تتجسَّد يوميًّا على السَّاحة الفلسطينيَّة؟!
المقاومة الفلسطينيَّة في كُلِّ المواجهات منذ انتفاضة الحجارة ثمَّ انتفاضة الأقصى والاجتياحات الفاشلة والهزائم المدوِّية للصهيونيَّة في مواجهة إرادة الشَّعب الفلسطيني المتمسِّك بعدالة قضيَّته، فهو لَمْ يتوقفْ عن ساحة النِّضال المقَدَّس في الضفَّة الغربيَّة وقِطاع غزَّة، فتناسخت أجيال المقاومة الفلسطينيَّة كُلُّ جيلٍ يُسلِّم الراية لِمَنْ بعده مع وجود حاضنة شَعبيَّة قالت بصوت واحد «دماؤنا وأرواحنا فداء للمقاومة وفداء لفلسطين». فهل بعد سيف القدس وطوفان الأقصى يستدرك هؤلاء الطغاة في النظام العالَمي أن صفقات القرن ومشاريع الضمِّ وغيرها من المشاريع السِّياسيَّة لا يُمكِن أن تتحققَ في ظلِّ هذه الإرادة الفلسطينيَّة الصلبة الَّتي رسَمَت طريقها نَحْوَ التحرير ومعركة تقرير المصير؟!
مع كُلِّ الإخفاقات الصهيونيَّة في مختلف الاجتياحات السَّابقة لقِطاع غزَّة والتوغُّلات العسكريَّة في مُدُن الضفَّة، ومع كُلِّ الانتصارات الَّتي سجَّلتها المقاومة بمعايير النتائج والأهداف، قابلها فشل صهيوني ذريع في أيِّ عدوان سابق. وهنا تجلَّت حقائق التاريخ ورغم رفض الطَّاغوت العالَمي الدَّاعم للصهيونيَّة تقبل نتائجها فيعود مجددًا لرسم المُخطَّطات وتوظيف الأدوات للقيام بأدوار شكليَّة عَبْرَ لقاءات ثنائيَّة أو ثلاثيَّة أو مؤتمرَّات دوليَّة تآمريَّة على القضيَّة في حالة صدام صلفة مع التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا والهُوِيَّة وعدالة القضيَّة.
طوفان الأقصى ـ وبعد تقديم أكثر من (15) ألف شهيد وضعفه من المصابين وأكثر من (6) آلاف من المفقودين ودمار شامل في قِطاع غزَّة ـ يؤكِّد هذا الطوفان ويؤكِّد أبناء الشَّعب الفلسطيني في القِطاع والضفَّة الَّتي قَدَّمت أيضًا مئات الشهداء نصرةً لغزَّة يؤكِّدون أنَّ ما أُخذ بالقوَّة لا يُستردُّ إلا بالقوَّة، وأن هذه الدِّماء الزكيَّة هي عماد مشروعها المقَدَّس. لذا جاءت المشاهد الَّتي بُثَّت من وسط الدَّمار لِتبرزَ ذلك العنفوان المقاوم، وتلك الإرادة الصلبة مؤكِّدةً أنَّها ماضية في مشروعها التحرُّري العظيم، وآخر تلك المشاهد كان مشهد تسليم الأسرى من الأطفال والنِّساء الَّذي بَيَّن مشاهد العزَّة والكرامة والانتصار للمقاومة الفلسطينيَّة؛ كما جسَّد تلك القِيَم الإنسانيَّة، فبلغت رسائلها مختلف دوَل العالَم وشعوبها النَّازعة نَحْوَ الحقِّ والعدالة، وهذا بطبيعة الحال لا يُمكِن اعتباره مشهدًا عابرًا للضمير الإنساني، بل إنَّه فتح آفاقًا رحبة لِتبنِّي هذه القضيَّة ومشروعيَّتها وعدالتها في العالَم أجمع، وأكَّد أنَّ الاحتلال الصهيوني وداعميه فقَدوا الإنسانيَّة والأخلاق في هذه المعركة وفي كُلِّ المعارك السَّابقة الَّتي استهدف فيها النِّساء والأطفال ودمّر الحرث والنَّسل، وسعى بالفساد والإفساد في الأرض بغير الحقِّ كما ذكرهم الله في القرآن الكريم: «وَقَضَيْنَا إلى ❋ بَنِي إسرائيل فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا» كما أكَّد أنَّ القضيَّة الفلسطينيَّة تَسِير نَحْوَ النصر المؤزَّر والفتح المبَيْنَ بعون الله.
المشاريع السِّياسيَّة الفاشلة الَّتي تحاول واشنطن ولفيفها من الأدوات الغربيَّة والعربيَّة ترجمتها على أرض الواقع مرَّ عَلَيْها هذا الطوفان فساقها نَحْوَ مزبلة التاريخ، بل إنَّ طوفان الأقصى حقَّق نتائج أخرى ليس على صعيد القضيَّة وحدها، بل على أصعدة عدَّة إقليميَّة ودوليَّة، وضرب ملف التطبيع في مقتل، وأحدث فرزًا عالَميًّا بَيْنَ فئات الدَّاعمين والمتآمرين والمُرجِفين؛ فمَنِ انتصر لطوفان الأقصى وقضيَّته العادلة انتصر للحقِّ والمبدأ، ومَنْ حادَ عن نصرة الحقِّ خابت آماله، والأنكى والأكثر خيبة فئة المُرجِفين الَّذين وصفَهم الله في كتابه بقوله: «يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا ❋ إلى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلْأَعَزُّ مِنْها ٱلْأَذَلَّ ❋ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ ❋ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ ٱلْمُنَفِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ» صدق الله العظيم .
السِّياسة الدوليَّة الَّتي ورَّطت اليهود بالهجرة إلى فلسطين لَنْ تستطيعَ توفير الأمن والأمان والاستقرار لَهُمْ على أرض فلسطين وعلى هؤلاء اليهود إعادة التفكير وتقييم المستقبل إن كانوا يحملون همَّ مستقبل وجودهم على أرض فلسطين والحقائق ماثلة أمامهم. ونحن هنا نذكِّرهم بالوعود الإلهيَّة في مختلف الكُتب السماويَّة وفي الأسفار التلموديَّة، ولا يغيب عن الأذهان أنَّ الدوَل اليهوديَّة الَّتي قامت في فلسطين لَمْ تُكمل عَقدَها الثامن ونحن نعيش في هذه المرحلة الزمنيَّة وعَلَيْهم أن يختاروا بَيْنَ العودة إلى أوطانهم الَّتي عاش فيها أجدادهم لاستعادة الأمن أو البقاء في فلسطين وانتظار اليوم الموعود، قال تعالى في سورة الأعراف: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} فالوعد الإلهي بدأ يقترب وإنَّ الله لا يخلف الميعاد ويومئذ يفرح المؤمنين بنصر الله. الله أكبر ولله العزَّة ولرسوله وللمؤمنين.