تاريخ ومزارات

الفينيقيون واليونان والعرب: تاريخ القرصنة منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد

تاريخ القرصنة، التجارة البحرية التي نشطت بين الحضارات القديمة مثل حضارة ما بين النهرين والمصرية والفينيقية ثم اليونانية والرومانية والعربية. كانت تواجه مشكلة خطيرة تتمثل في ظهور قراصنة البحار وانتشار نشاطهم في معظم البحور والمحيطات التي اكتشفها الانسان في عصوره السابقة. وقد ذكرت بعض المصادر التاريخية عن وجود القراصنة. ومن أبرزها ملحمة ” الاوديسة ” للشاعر والمؤرخ والجغرافي اليوناني هوميروس الذي عاش في القرن التاسع قبل الميلاد. فأشار إلى أنها عرقلت التجارة البحرية في شرق البحر المتوسط بشكل خاص.

وكذلك تناول المؤرخ اليوناني بليني الذي عاش في القرن الأول الميلادي في مؤلفه ” التاريخ الطبيعي ” موضوع القراصنة والقرصنة . وبالمثل تطرق الجغرافي سترابو في مؤلفه ” الجغرافيا ” إلى موضوع القراصنة ونشاطاتهم في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الهندي في زمن اليونان. ومثلهما ذكر مؤلف مجهول في كتابه ” الطواف حول البحر الارثري ” ما تعرضت له السفن التجارية من مخاطر القراصنة أثناء رحلاتها من موانيء مصر إلى الهند. موضحاً بالتفصيل المراكز والموانئ والسلع التي نهبها لصوص البحر .

القرصنة في التاريخ القديم

وفي التاريخ العربي القديم. نقل بن خياط العصفري الذي عاش في القرن الثالث الهجري عن نشاط القراصنة الهنود وعن هجماتهم وغاراتهم على السفن الإسلامية في الخليج العربي والمحيط الهندي . ولم يتجاهل البلاذري هذا الموضوع فذكره في مؤلفه “فتوح البلدان” عن قراصنة هنود يسمون ” القراصنة الميد ” وعن اعتداءاتهم على النساء المسلمات اللاتي أرسلهن ملك سيلان إلى الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق وعن امتداد نشاطهم في المحيط الهندي في عهد الدولة الأموية وأثناء الفتوحات الإسلامية في السند والهند .

 

وأشار أيضاً في مؤلفه المذكور إلى هجمات القراصنة ضد البحرية التجارية العباسية والإجراءات القاطعة التي اتخذتها الدولة للقضاء على هذه الآفة . وبنفس الطريقة. تناول المسعودي الذي عاش في القرن الرابع الميلادي في مؤلفه ” التنبيه والاشراف ” موضوع القراصنة في المحيط الهندي والبحر الأحمر والخليج العربي . ويحتوي المؤلف على معلومات قيمة عن أنواع القراصنة وأماكن انتشارهم في المحيط الهندي وفي نهر السند .

وفي كتاب ” الفتحنامه ” لعلي الكوفي ( القرن السابع الهجري ) الذي ألفه بالفارسية وترجم إلى العربية. تحدث المؤلف عن القراصنة ونشاطهم على سواحل الديبل . وهناك مؤرخ فارسي معاصر هو هادي حسن الذي جمع في مؤلفه ” تاريخ الملاحة الفارسية ” معلومات كثيرة ومفصلة عن الملاحة في الخليج العربي من العصور القديمة حتى ازدهارها في العصور الوسطى . ويتضمن الكتاب معلومات قيمة عن نشاط القراصنة في الخليج العربي والمحيط الهندي. كما يحتوي على معلومات عن السفن التجارية التي كانت تستخدم آنذاك . وكان لمؤلف آخر هو درويش النخيلي دوره في الإفصاح عن أنواع السفن التي استخدمها القراصنة وعن السفن الحربية التي كانت تلاحق القراصنة في العصور الوسطى.

الموسوعات الأجنبية ، مثل الموسوعة البريطانية والموسوعة العالمية. تشتق كلمة قراصنة من كلمة ” سراسين ” اليونانية القديمة التي كانت تستخدم منذ العصر الروماني المتأخر للإشارة إلى بعض العرب الرحل الذين كانوا يهاجمون القوافل الرومانية في صحراء الشام . وفي العصور الوسطى ، أصبحت هذه الكلمة توصف المسلمين بشكل عام بظلم .

بداية ظهور القراصنة

لا يوجد تاريخ محدد لبداية ظهور القراصنة . لكن بعض المصادر تذكر أن الفينيقيين كانوا أول من مارس هذه الحرفة منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد . وتذكر هذه المصادر أن القراصنة اليونان تبعوا القراصنة الفينيقيين. وامتدت نشاطاتهم إلى السواحل اليونانية والسواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط . وكانوا يستعملون قوارب خفيفة تحمل من المياه وتختبئ بين الأشجار أثناء هجماتهم على التجار . وكانت هذه القوارب تسع لحوالي ثلاثين شخصاً .

ولم يكن نشاط لصوص البحر الأولى مقتصراً على السفن ، بل شمل نشاطهم المدن والموانيء ، وهاجموها عندما تكون خالية من حراسها . ولم ينخفض نشاط القراصنة في البحر الأبيض المتوسط إلا بعد إنشاء الأسطول البحري العسكري الأثيني في القرن الخامس قبل الميلاد . وقد نجح هذا الأسطول في مطاردة القراصنة حتى ملاجئهم وضمان الأمن للملاحة التجارية في المناطق التابعة لأثينا . وفي رحلته الشرقية.  أخذ الإسكندر معه عدداً من العلماء اليونان ، مثل نيارخوس وباتروكليس اللذين ذكرا في مؤلفاتهم عن نشاط القراصنة ومراكز تجمعهم على الطريق الذي يؤدي إلى الهند وخاصة في جزيرة سقطرى التي تقع في الطريق التجاري الذي يربط البحر الأحمر ببحر العرب والمحيط الهندي .

انتشار نشاط القراصنة

زاد انتعاش التجارة على هذه الطرق البحرية من انتشار نشاط القراصنة فشمل البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي . وتشير مصادر يونانية قديمة إلى زيادة خطر القراصنة المنتشرين من البحر الأحمر حتى الهند ، مما دفع السفن التجارية إلى إضافة رجال مسلحين ومدربين إلى طواقمها . وكان القراصنة يتحصنون في الجزر الموجودة في خليج البنجاب ، مثل جزيرة جوا وايستر وفينجورلا . وكان لصوص البحر هؤلاء يكمنون للسفن العابرة وينهبونها ثم يفرجون عن من فيها من رجال ونساء وأطفال ، وأحياناً كانوا يأسرون أصحاب السفن وركابها ، صغاراً وكباراً ، رجالاً ونساء ، ويبيعونهم في أسواق الرقيق .

لم ينجو التجار العرب من هجمات القراصنة . فالسفن التجارية العربية التي كانت تخرج من البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي في رحلات تجارية إلى الهند وجزيرة سيلان . تعرضت أيضاً لهجمات لصوص البحر . فقد ذكر هادي حسن في كتابه ” تاريخ الملاحة الفارسية ” أن الرحلات الملاحية التجارية الفارسية كانت تواجه كثيراً خطر القراصنة. خاصة قراصنة جزيرة بروديرز وسكان سيام وكمبوديا . ويضيف هادي حسن أن السفن كانت في رحلاتها هذه تدفع ضرائب مرور للقراصنة .

لم ينته تاريخ القراصنة بعد الفتح الإسلامي. رغم سيطرة الدولة الأموية على أهم الموانيْ والمراكز التجارية الساحلية في البحر الأبيض المتوسط وفي الخليج العربي والبحر الأحمر . فقد واصل القراصنة يهاجمون السفن في المحيط الهندي والبحر الأحمر والخليج العربي . وكان هؤلاء اللصوص يأتون من مناطق بعيدة كالهند والحبشة بأعداد كبيرة. مستخدمين سفناً كبيرة ويهاجمون السفن الإسلامية التجارية على السواحل وفي الموانيء. فينهبون البضائع ويسبون أهلها ويعودون إلى مخابئهم في المناطق التي لم تكن خاضعة للدولة الاموية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى