د.م. محمد رقية يكتب: الأبراج الفلكية والتنجيم
على الرغم من مستوى التحضر والتطور التكنولوجي الذي وصل إليه العالم اليوم، فإن بعض الناس يميلون إلى تصديق بعض الترهات التي يتوهمون أنها تنبئهم بأخبار غيبية ترسم مستقبل حياتهم الذي يتوقون إلى معرفته. وإذا كان توق الإنسان إلى معرفة ما يخبئه له الغيب أمراً فطرياً، فإن اعتقاده بصدق ادعاءات الأبراج والمنجمين وقراءة الطالع أمر بعيد كل البعد عن الفطرة والعقل والمنطق.
لا يخفي بعض قراء الأبراج تصديقهم لبعض ما تخبرهم به، في قادم الأيام أو مدى تطابق الصفات التي تدعيها عن شخصياتهم، وتسهم وسائل الإعلام بمختلف وسائطها المتعددة خاصة في ضوء تطور الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي في تكريس هذه الغيبيات الوهمية من خلال تخصيصها صفحات ثابتة حول الأبراج يقرؤها كثيرون ومنهم من تتأثر أمزجتهم بما يرد فيها، وهي غالباً ما تُحذر قارئ البرج بقدوم يوم عصيب تصيبه بكآبة صباحية، ونادراً ما تُبشره بأخبار سارة تجعله يستقبل يومه منشرح الصدر، وهي في كلتا الحالتين تؤثر في نفوس القراء، ومدى إقبالهم على الحياة، والأخطر من ذلك أنها قد تجعل تصرفاتهم وتعاملهم مع الآخرين غير طبيعي وغير لائق بهم .
ولا يتوقف الأمر على ذلك بل، قبل بداية كل عام تتسابق الناس للتعرف على توقعات الأبراج للعام الجديد، وأصبح حالياً كل أسبوع وكل يوم ويتجه الكثير منهم لمن يدعي الخبرة بالتعرف على كل ما هو مرتقب فى المستقبل من خلال تفسيرات الأبراج. وقد يدعي البعض علمهم بما قد يصيب الإنسان فى المستقبل ويرسمون له طريق حياته ولكن علماء الفلك وخبراءه يردون على هؤلاء المدعين .
وهنا يؤكد الدكتور أشرف تادرس رئيس قسم الفلك بالمعهد القومي للبحوث الفلكية في مصر، أن التوقعات السنوية للأبراج وحظوظ البشر لا يعتمد على علم الفلك إطلاقاً وهو يندرج تحت مفهوم التنجيم.
وقال إن التنجيم حرفة وليس علماً لأن العلم ليس به تأويل، مؤكداً أنه لو كان علماً لأتفق جميع المنجمين ومعهم الفلكيون أيضاً على كل ما فيه بل وكان تم صياغته فى صورة علمية على هيئة قوانين ومعادلات.
موضحاً أن التنجيم مثله مثل قراءة الكف والفنجان وضرب الودع وفتح الكوتشينة، مؤكداً أن الأجرام السماوية ليس لها تأثير على مصائر البشر أو نشاطهم اليومي على الأرض.
وقال رئيس الجمعية الفلكية في جدة يجب عدم الخلط بين علم الفلك القائم على النظريات العلمية والدلائل والبراهين واستكشاف الفضاء من أجل مستقبل أفضل وبين ما يسمى التنجيم.
وتاريخياً نرى بأنه نتيجة اختلاط علم النجوم لدى المصريين القدماء بعلم النجوم البابلي في القرن الثاني قبل الميلاد، نشأ ربط بين علم النجوم والكواكب السماوية وبين موعد ولادة الإنسان، وظهر التنجيم باستخدام درجة ارتفاع الدائرة السماوية عند وقت الولادة وعلاقته بالاثني عشر برجا” .
كان هناك ربط أيضاً بين الفلسفة الإغريقية والأبراج الفلكية المنادية بأن الكون مؤلف من أربعة عناصر أساسية ( الماء والهواء والنار والتراب) فأدخلت عليها الرموز المعروفة حتى يومنا هذا .
قام بطليموس في القرن الثاني قبل الميلاد بوصف العلوم الفلكية في كتاب مفصل عنوانه تيترابيبلوس ويرجع التنجيم منذ ذلك العهد إلى هذا الكتاب واستمر حتى القرن السابع عشر، حيث تغيرت المفاهيم بعض الشيء في القرون اللاحقة.
يعد التنجيم ومعتقدات الأبراج من المواضيع الزائفة وفشلت في نيل أي إثبات علمي والتوقعات عن طريق الأبراج لا تتجاوز الصدفة.
ويمكن هنا اعتماد مبدأ عالم النفس برترام فورير ، الذي أنشأ مقياس عام لاختبار صحة أي طريقة تدعي القدرة على تحليل الشخصية أو توقع المستقبل وقد فشل التنجيم في النجاح بهذا المقياس.
ومن المفيد الإشارة إلى أن ماك غريفي قام بدراسة على تواريخ ميلاد ١٦٦٣٤ عالماً و٦٤٧٥ سياسياً ليبرهن أن ما ادعاه المنجمون بأن مواليد برج العذراء ضعيفي الشخصية هو ادعاء باطل .
في عام ٢٠٠٦ قامت مجلة
Personality and individual Deferences
بدراسات شملت ١٥ ألف شخص لتكون نتيجتها أنه لا يوجد أي رابط بين تاريخ الميلاد والصفات الشخصية.
يعتبر البعض التنجيم بشكله النفسي (السايكولوجي) نوعاً من نظرية جديدة لفهم الذات وتحليل الشخصية بمختلف أشكالها، فالتنجيم وفقاً لتلك النظرية هو ضرب من التفكير السحري. وهنا يصبح الأمر أكثر صعوبة.
كتب إيفان كيلي العديد من المقالات ينتقد فيها التنجيم فهو يعتقد أنه ليس للتنجيم صلة مع مدى فهمنا لأنفسنا أو عن موقعنا في هذا الكون، فأنصار التنجيم في عصرنا الحالي لا يدخلون في حساباتهم المضامين التي على أساسها يربطون ما بين التنجيم والشؤون الدنيوية، فليس لديهم تفسير مقبول لمزاعمهم التي يدلون بها كما أنهم لا يساهمون بأي شيء له قيمة معرفية في أي مجال من العلوم الإجتماعية.”
وهذا الحديث هو بدعة نصب جديدة ليس إلا .
لا يحب من يزاول التنجيم أن يطلق عليه وصف “منجم” Astrologer بل يرغب دائماً بأن يوصف بكلمة “فلكي”، ولكن هذا لا يغير من الأمر شيئاً، فعلم الفلك في واد والتنجيم في واد آخر .
والشيء المثير للانتباه هو عندما قام الاتحاد الفلكي الدولي في عام 1928 برسم حدود كل برج في السماء وحدد مواعيد دخول الشمس في كل منها، اكتشف الفلكيون أن ثمة برجاً ثالث عشر قد دخل على التقسيم الجديد للبروج اسمه الحواء، (وهو معروف من أيام البابليين ولكن لم يتم ادخاله في الحساب ) ويقع بين برجي العقرب والقوس وتمكث الشمس فيه 18 يوماً، في حين لا تمكث في برج العقرب سوى سبعة أيام فقط.
وقد أكدت وكالة ناسا الأمريكية على البرج الثالث عشر عام 2011.
وعليه فلم تعد الشهور مقسمة بالتساوي على البروج الاثني عشر، بل تفاوتت أيامها طبقاً لفترة مكوث الشمس فيها. وبهذا فقد تغيرت جميع قواعد اللعبة التي كان التنجيم قائما عليها،
والأدهى من ذلك لم يعد برج الحمل في علم الفلك هو البرج الأول، بل أصبح برج الحوت بسبب حركة محور الأرض نفسه خلال الألفي سنة الأخيرة وهذا يعني أن كل مواليد برج الحمل الحاليين هم مواليد برج الحوت
وهذا يؤكد مرة أخرى على عبثية التنجيم والمنجمين.
وأصبح ترتيب الأبراج وفتراتها الزمنية على النحو التالي:
الحوت: 11 مارس حتى 18 ابريل
الحمل: 18 ابريل حتى 13 مايو
الثور: 13 مايو حتى 21 يونيو
الجوزاء: 21 يونيو حتى 20 يوليو
السرطان: 20 يوليو حتى 10 آغسطس
الأسد: 10 أغسطس حتى 16 سبتمبر
العذراء: 16 سبتمبر حتى 30 اكتوبر
الميزان: 30 اكتوبر حتى 23 نوفمبر
العقرب: 23 نوفمبر حتى 30 نوفمبر
الحواء: 30 توفمبر حتى 18 ديسمبر
القوس: 18 ديسمبر حتى 20 /يناير
الجدي: 20 يناير حتى 16 فبراير
الدلو: 16 فبراير حتى 11 مارس
وأنصح الجميع بعدم متابعة توقعات هذه الأبراج إلا من باب التسلية فقط .
وفي الختام نؤكد على المثل العربي الشهير (كذب المنجمون ولو صدفوا) وليس ولو صدقوا