القاهرة المملوكية.. قلب العالم الإسلامي النابض
أسماء صبحي
القاهرة في العصر المملوكي كانت حاضرة الملك وكعبة العلم ومقصد السفارات والوفود والعلماء والشيوخ. كانت قلب العالم الإسلامى النابض ودرعه وسيفه الذى يدفع عنه الأخطار. كما كانت القاهرة مقر الحكم والسلطان ومنها يحكم مصر والشام والحجاز.
يمكن القول بأن العصر الذهبي للقاهرة هي الفترة التي حكمت فيها دولة المماليك (1260- 1517). ولا سيما بعد ما انتهت الحروب الصليبية في الشام عام 1291 وخف الضغط المغولي عقب انتصار المماليك. ففي أيام السلطان الظاهر بيبرس امتدت القاهرة في اتجاه الشمال خارج الأسوار في حي الحسينية. وشيد الظاهر مسجداً رائعاً في ميدان قرة قوش يعرف اليوم باسم جامع الظاهر وكان اسمه قديماً جامع الصافية.
أهم معالم القاهرة
كما شيد الظاهر في قلعة صلاح الدين عديداً من المباني الجميلة كدار الذهب وأنشأ سوقاً للخيل كما أنشأ جسراً كبيراً يصل بين بركتين كبيرتين بالقاهرة. وأهم من كل ذلك أنه أقام قناطر السباع على الخليج الكبير، بالقرب من مسجد السيدة زينب، وكان هذا الخليج المتصل بالنيل من أهم معالم القاهرة في العصور الوسطى. ولا ننسى أن أمراء الظاهر شاركوه في بناء كثير من العمائر والرباع والخانات والدور والمساجد والحمامات التي أضافت مسحة من الجلال والجمال على تلك المدينة.
اتسعت القاهرة في أيام أسرة قلاوون التي حكمت مصر حوالي المائة سنة، ولا سيما في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون وأمرائه وقادة جيشه. فامتدت المدينة جهة الشمال عبر الصحراء والشمال الغربي والغرب أيضاً شيد فيها جامعة ذا المئذنتين وهو ما زال ناهضاً فيها. وبنى بالقلعة دوراً للأمراء الذين زوجهم لبناته وأجرى إليها المياه العذبة.
من أهم أعمال الناصر محمد حفره الخليج الناصري في غرب القاهرة حتى أوصله إلى سرياقوس. وكان يتصل بالخليج الكبير القديم وذلك لزيادة الماء، فيه وكان هذا الخليج يبدأ من موردة البلاط ويمر بأراضي اللوق وبركة قرموط وباب البحر ثم أرض الطبالة (بالقرب من الفجالة) وعندها يصب في الخليج الكبير.
وقد انتهى حفره في شهرين فقط، ومما نذكره أن أرض الطبالة كانت من أجمل متنزهات القاهرة وكانت تمتد في المنطقة التي على جانب الخليج الغربي. وتغطي اليوم جزءاً من حي الظاهر وجنوب شارع الفجالة وشرقها شارع الخليج المعروف اليوم. وجدير بالذكر أن “الطبالة” هو اسم مغنية الخليفة المستنصر بالله الفاطمي وكان وهبها أراضي تلك المنطقة.
وصف مصر
وفي أيام السلطان الناصر محمد وفد على مصر أمير الرحالين المسلمين ابن بطوطة وكان ذلك في عام 1326. وقد وصف في رحلته البلدان المصرية التي مر بها وخص القاهرة بنصيب الأسد. فقال: “وصلت إلى مدينة مصر (كانت تعرف القاهرة بمصر كما هو الحال اليوم) وقرارة فرعون ذي الأوتاد. ذات الأقاليم العريضة والبلاد المتناهية في كثرة العمارة المتناهية بالحسن والنضارة، مجمع الوارد والصادر. ومحط رحل الضعيف والقادر، وبها ما شئت من عالم وجاهل وجلد وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه وشريف ومشروف، ومنكر ومعروف”.
وتابع: “تموج موج البحر بسكانها، وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها وإمكانها. شبابها يجد على طول العهد وكوكب تعاليها لا يبرح عن منزل السعد. قهرت قاهرتها الأمم وتملكت ملوكها نواصي العرب والعجم، ولها خصوبة النيل التي جل خطرها وأغناها عن أن يستمد القطر قطرها. وأرضها مسيرة شهر لمجد السير. كريمة التربة مؤنسة لذوي الغربة”.
وجدير بالذكر أنه في أثناء حكم المماليك البحرية، وبالتحديد في عام 1364، ولد المؤرخ أحمد بن علي المقريزي الذي قدر له أن يؤلف موسوعة هامة عن خطط مصر وعن القاهرة بوجه خاص. أتاحت لنا التعرف على ما كانت عليه القاهرة ومبانيها منذ أسست حتى القرن الخامس عشر، ووصف مساجدها ومدارسها وحماماتها.. الخ وبعضها باق إلى اليوم يتحدث عن جمال عمارة القاهرة وفنونها البديعة.