المزيد

مؤشرات جديدة لحل الأزمة الأوكرانية

مؤشرات جديدة لحل الأزمة الأوكرانية

 

د. محمد السعيد إدريس

 

 

ألقت قمة حلف شمال الأطلسي التي استضافتها مدينة فيلنيوس الليتوانية للمرة الأولى في تاريخها الشهر الجاري الكثير من الأضواء التي من شأنها الكشف عن معالم المستقبل الغامض للأزمة الأوكرانية. حضر هذه القمة الأطلسية الموسعة الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي كضيف شرف، كما حضر قادة ما يسمى ب «الشركاء الأربعة خارج الحلف» الآسيويون: اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا ونيوزيلندا. حضور هؤلاء القادة حمل هو الآخر ربما ما يفوق الإشارات التي تخص أوكرانيا وعلاقتها المستقبلية بالحلف الأطلسى.

 

 

فإذا كان الحلف معنياً بتحقيق الانتصار الذي يأمله في أوكرانيا، وعندها سيكون قد أحاط إحاطة جغرافية غير مسبوقة بروسيا الاتحادية بعد انضمام فنلندا للحلف وإعلان انضمام السويد لاحقاً، فإنه أضحى معنياً، أكثر من أي وقت مضى بأن يكون له وجوده في منطقة المحيطين الهادي والهندي في جنوب وجنوب شرق آسيا استعداداً للمواجهة المحتملة مع الصين. حضور هؤلاء القادة القمة الأطلسية في فيلنيوس، حيث وصلت الحرب في أوكرانيا ذروتها، حمل إشارة مهمة تقول: «يجب ألا تطغى الحرب في أوكرانيا على مهام الحلف في منطقة آسيا – الهادي، حيث المواجهة باتت محتملة أكثر من أي وقت مضى مع الصين. هل هذا كان يعني أن الحلف الأطلسي أضحى معنياً بإيجاد نهاية لحرب لم يستطع الانتصار فيها في أوكرانيا؟

 

 

الإجابة هي نعم، وبالتحديد بالنسبة للولايات المتحدة وربما بالنسبة لألمانيا أيضاً. نعم هذه انقسم قادة حلف شمال الأطلسي حولها خاصة دول البلطيق الثلاث المجاورة لروسيا (استونيا ولاتفيا وليتوانيا) إضافة إلى فنلندا وبولندا، أي الدول الأكثر قرباً جغرافياً من روسيا وتريد أن تكسر شوكة القوة الروسية والمشروع السياسي الروسي الذي تراه مشروعاً توسعياً على حسابها، باعتبار أن بعضها كان جزءاً سابقاً من الاتحاد السوفييتي والآخر كان عضواً في حلف وارسو باستثناء فنلندا والسويد المحايدتين اللتين روعتا من التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وتريان أنهما تعتبران أهدافاً محتملة لغزو روسي غير مستبعد في أي وقت.

 

هذه الدول، إضافة إلى بريطانيا وفرنسا، دعمت مسعى الرئيس الأوكراني المطالب بإعلان ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي. ففي خطابه أمام قمة الحلف قال الرئيس الأوكراني إن بلاده «ستجعل الحلف أقوى» في حال انضمامها، وقال رئيس ليتوانيا غيتاناس نوسيدا إن«الحلف الأطلسي سيعطي أوكرانيا الأمن وأوكرانيا ستجعل الحلف أقوى». رغم ذلك انتهت القمة بتأجيل إعلان جدول زمني لانضمام أوكرانيا، واكتفت بحشد أقوى دعم عسكري واقتصادي لها. الحلف إذن لم يعلن ضم أوكرانيا فقط، بل ولم يعلن جدولاً زمنياً، أو خريطة طريق لهذا الانضمام في المستقبل، ما يعني أن قضية ضم أوكرانيا إلى الحلف، التي كانت أحد أهم أسباب الحرب الروسية الأوكرانية، باتت شبه مؤجلة إلى أجل غير مسمى، وهذه المسألة رسالة تفاوضية أمريكية مهمة لروسيا ربما تفتح باب التفاوض في وقت غير بعيد لإنهاء الأزمة في أوكرانيا، بعد أن وصل التدخل الأمريكي والأطلسي ذروته في إمداد أوكرانيا بأقصى عتاد، ولم يبق غير التدخل العسكري المباشر، الذي ليس له غير معنى واحد وهو إعلان الحرب المباشرة مع روسيا، وهي حرب من الخطورة لدرجة تجعل الجميع يخشاها ولا يقترب منها، وربما يفسر ذلك خطورة المعضلة التي كان يعيشها الرئيس الأمريكي جو بايدن وهي كيف يحقق التوازن بين تقديم أقصى دعم لأوكرانيا دون أن يقود ذلك إلى قبولها عضواً في حلف شمال الأطلسي، لذلك كان بايدن حريصاً وهو في طريقه إلى ليتوانيا لحضور القمة الأطلسية على أن يعلن أن«أوكرانيا ليست جاهزة بعد للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي».

 

الرسالة الأمريكية الثانية التي تحمل مؤشرات الاستعداد للتفاوض حول أوكرانيا، كانت زيارة هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق والأشهر للصين بعد أقل من عشرة أيام من انعقاد قمة الحلف الأطلسي، وهي حتماً زيارة ما كان لها أن تتم إلا بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية وربما بطلب مباشر من الرئيس بايدن. أجندة كيسنجر تحمل الكثير، لكن أهم ما تحمله هو الطلب من الصين أن تقود مبادرة دبلوماسية لحل الأزمة الأوكرانية.

 

كيف ستتعامل روسيا مع هاتين الرسالتين الأمريكيتين ؟ وهل ستقبل الصين مهمة قيادة الحل الدبلوماسي، ووفق أي تنسيق مع موسكو؟ الأسئلة كثيرة، لكن أهم إشاراتها أن الحرب في أوكرانيا تقترب من نهايتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى