الدكتور محمد دري باشا.. أشهر أطباء الجراحة البارعين في تاريخ مصر
أسماء صبحي
الدكتور محمد دري باشا، سيد الجراحين في زمانة، كما قال عنة الدكتور علي باشا إبراهيم أول نقيب للأطباء. كما يعد أحد أشهر الأطباء في تاريخ مصر براعة في مجال الجراحة بشهادة العديد من الأطباء الذين عاصروة.
نشأة الدكتور محمد دري
ولد محمد دري عبد الرحمن أحمد بالقاهرة عام 1841 م. والتحق والده بالخدمة العسكرية في عهد محمد علي باشا. وعندما بلغ السابعة من عمره التحق بمدرسة المنتديان، غير أنه لم يلبث فيها إلا بضعة أشهر ثم أغلقها عباس الأول والي مصر . فانتقل مع فئة منتخبة من التلامذة إلى المدرسة التجهيزية بالأزبكية، ثم انتقل إلى مدرسة أبي زعبل. حيث أتم دروسه قبل أن يقع عليه الاختيار يه ليصبح تلميذ بمدرسة المهندسخانة ببولاق الذي كان ناظرها علي باشا مبارك.
لاحظ على باشا مبارك ميل الدرى لدراسة الطب فساعده فى ذلك على الرغم من حداثة سنه. ولكن لم تجر الأمور كما أراد، حيث قرر سعيد باشا إغلاق مدرسة الطب وطرد التلاميذ حديثي السن جدًا من المدرسة. وإلحاق متوسطي السن بالشوشخانة السعيدية (أورطة عسكرية)، وإلحاق المتقدمين في السن بالمدرسة العسكرية في طرة.
ولما كان محمد دري من المتوسطين في السن، فقد ألحق بالعسكرية، غير أن دري واصل دراسة الطب من الكتب التي تصل إلى يده. وبعد حين أصدر سعيد باشا أوامره بالعفو عن تلاميذ مدرسة الطب وإلحاقهم بالغمل كتمرجية (ممرضين) بالجيش، وبقي محمد دري تمرجيًا بالجيش، حتى نال رتبة الجاويش.
معالجة مرضى الكوليرا
هاجمت الهيضة (الكوليرا) مصر، فتفرغ الدري في معالجة المرضى، وبدأ منذ ذلك العهد في تأسيس آرائه العلمية في هذا المرض وتدوين مشاهداته حوله. ونشر هذه فيما بعد في رسالة سماها “الإسعافات الصحية في الأمراض الوبائية الطارئة على مصر”.
وعندما أعاد كلوت بك مؤسس المدرسة الطبية المصرية إلى ما كانت عليه، أصدر سعيد باشا، أوامره بإعادة طلبة الطب إلى المدرسة. فعاد دري ورفاقه إليها، وواصل دراسته حتى تخرج وعُين بها مساعدًا ومعيدًا لعلم الجراحة بمرتب شهري قدره ثلاثة جنيهات.
قرر سعيد باشا إرسال فريق من النابغين من المدرسة الطبية المصرية إلى باريس لدراسة الجراحة على أن يعودوا إلى مصر في وقت قريب توفيرًا للنفقات. فكان محمد الدرى أصغر المبعوثين سنًا ورتبة، وبعد أقل من عام توفي سعيد باشا وخلفه إسماعيل باشا الذي قرر عودة الإرسالية لأن مصر في حاجة إلى أطباء، فعادوا جميعًا ما عدا محمد دري لصغر سنه.
بقي الدري بباريس وتتلمذ علي يد جراحين عظام مثل أوغست نيلاتون حيث لازم عيادتة سنتين كاملتين. فلفت نظر أستاذه الذي توقع لة مستقبلاً باهراً إلى أن نال شهادة الطب.
تطلع الدرى إلى اتمام العمل في بقية المستشفيات الفرنسية، ولكنه فوجىء برفض وإصرار وتصميم رئيس الإرسالية بإعادته إلى مصر. وبلغ ذلك الدكتور نيلاتون فكتب إلى رئيس الإرسالية يقول: “يجب الالتفات لدري المصري والعناية بشأنه لأنه قلّ أن يوجد له نظير في الإقبال على العمل والاستفادة بما يشاهده. وإنني منه في غاية الامتنان وأُثني عليه أحسن الثناء”، فاقتنع رئيس الإرسالية بذلك.
وصادف أن وصل الخديو إسماعيل إلى فرنسا، فلقيه الدكتور نيلاتون وأثنى له على محمد دري، وأيده في ذلك أطباء فرنسيون آخرون كانوا في حمامات فيشي. فأمر الخديو بمنح دري عدة كتب وبعض الآلات الجراحية ومبلغًا من المال، فاشترى دري بهذا المال بعض القطع التشريحية، أحضرها معه إلى مصر لدى عودته.
عودته إلى مصر
عاد دري إلى مصر بعد أن قضى في فرنسا نحو سبع سنوات، وعين حكيمباشي قسم العطارين بالإسكندرية. ثم عين حكيمًا ثانيًا لقسم الجراحة بمستشفى الإسكندرية
وبقي به ثم نقل إلى القاهرة وعين معلمًا ثانيًا لعلم التشريح وجراح باشي اسبتالية النساء بالقصر العيني. ثم عين معلمًا أول لعلم التشريح وجراح باشي اسبتالية النساء، ورقي إلى رتبة بكباشي (مقدم). ثم إلى رتبة أميرالاي، وبقي في مستشفى قصر العيني بوظيفة جراح باشي وأستاذ أول الجراحة والإكلينيك الجراحي. ومنح فيه رتبة المتمايز، ثم رتبة الميرميران الرفيعة الشأن.
كان دري باشا شديد الاهتمام بتدوين الملاحظات المرضية، وكان يدونها في دفتر خاص بالمريض مسجل به بالتفصيل اسم المريض ومرضه والعلاج الذي عولج به وتاريخ سير العلة. وقد جمع دري باشا ذلك كله في مجموعة أهداها إلى قصر العيني عندما أحيل إلى المعاش، فحفظت هناك، وكتب عليها “مجموعة محمد دري باشا الحكيم”.
..
نشرت مجلة المقتطف في باب “أخبار الأيام” بعددها الصادر في فبراير 1895 م) هذا الخبر: “أخرج الدكتور محمد درّي بك الجراح الشهير حصاة لعابية من حلق رجل وزنها 25 غرامًا. ويقال إنها أكبر حصاة لعابية أخرجت حتى الآن. ولم يحصل للمريض تقيح ولا التهاب، بل عاد يتكلم ويزدرد الطعام، وكان ذلك عسرًا عليه لكبر الحصاة”.
أُرسل محمد دري باشا مع الجيش المصري الذي شارك في الحرب العثمانية الروسية (1877 ـ 1878) وعين حكيمباشي اسبتالية صوفيا. ومنح نيشان هذه الحرب، كما أنشأ المطبعة الدرية لطباعة مؤلفاته ومؤلفات غيره وكان مقرها حارة السقايين بعابدين.
ظل محمد دري باشا يشغل منصب أستاذ أول للجراحة بالقصر العيني حتى عام 1893 عندما صارت اللغة الإنجليزية هي اللغة المعتمدة للدراسة مع الاستعانه بالكثير من الأساتذة الإنجليز. فأحيل دري باشا إلى المعاش، وتفرغ لأعماله الخاصة حتى توفي بالقاهرة في 30 يوليو 1900م.
…
وتكريماً له أطلق اسمه على أحد شوارع حي العجوزة بالجيزة (شارع الدري). كما سمي باسمه شارع محمد دري باشا بمنطقة لوران بالإسكندرية.