صناعة الحنطور.. مهنة في طريقها للاندثار
دعاء رحيل
صناعة الحنطور.. بجانب عربة الحنطور قديمة تظهر عليها آثار الزمن، يجلس الأسطى محمد رسمي. ورغم ابتسامته البسيطة، إلا أن ملامح وجهه تدل على حزنه وحظه التعس. فمهنته كصانع لعربات الحنطور في محافظة الفيوم مهددة بالانقراض. فهو آخر صانع للحناطير في المحافظة، وهي المهنة التي كان يعمل بها العديد من السائقين والصنايعية في الماضي.
وسيلة انتقال
عربة الحنطور كانت تستخدم كوسيلة انتقال في مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر، وكانت تستخدم من قبل الأثرياء والأمراء وكانت تستورد من الخارج. ولكن بعد بدء التصنيع المحلي لهذه العربات، أصبح استخدامها شائعًا بين عامة الشعب.
ويروي الأسطى محمد قصته مع تصنيع عربات الحنطور في الفيوم، قائلاً: “ولدت ووجدت عربة حنطور في المنزل، فكان والدي وعمي يملكون أفضل عربات الحنطور في الفيوم. وقضيت 45 سنة من عمري الـ60 في هذه المهنة”.
الأسطى محمد رسمي يتحدث عن مهنته كصانع لعربات الحنطور في الفيوم. يقول إنه بدأ العمل في هذه المهنة وهو صغير مع والده، وعندما كبر بدأ يتعلم تصنيع هيكل العربة وفرش الكبوت. وكان يذهب إلى القاهرة للعمل على تصليح الحناطير عندما يضيق الحال في الفيوم. ولكن الآن لا يطلبه أحد، ويقتصر عمله على إصلاح التالف من فرش العربات أو تركيب الحليات المعدنية أو أعمال الطلاء.
ويستطرد محمد قائلاً إن عدد عربات الحنطور في الفيوم قد انخفض إلى 15 عربة فقط، بعد أن كانت المحافظة بها مئات العربات. وكانت بعض العائلات الكبرى تمتلك عربات حنطور للاستخدام الخاص، كما كان مجلس مدينة الفيوم يملك ثلاث عربات لتنقل مهندسي ومديري المجلس.
مراحل تصنيع عربة الحنطور
ويشير الأسطى محمد إلى أن تصنيع عربة الحنطور يتم عبر عدة مراحل، منها تصنيع هيكل العربة من خشب الزان، وتصنيع العجل من خشب السرسوع أو التوت، وإضافة قطع حديدية إلى جوانب العجل. وأما الكبوت فيستخدم فيه جلود يتم استيرادها من مدينة ملوي بالصعيد، ولكن نظرًا لارتفاع تكاليف التصنيع، فإن المشمع يستخدم بدلاً منه. وأخيرًا، يتم تزيين العربة بإكسسوارات من النحاس أو الصفيح.
الأسطى محمد رسمي يتحدث عن تغيرات طرأت على عربات الحنطور، مثل اختفاء الفوانيس التي كانت توجد على جانبي العربة وكانت تعمل بالشمع أو الكيروسين. ويشير إلى أن هناك طرزًا مختلفة لعربات الحنطور، منها الطراز الإيطالي والطراز النمساوي أو الإنجليزي والطراز المصري.
انخفاض الإقبال على استخدام عربات الحنطور
ويستطرد محمد قائلاً إن بدء ترخيص سيارات التاكسي في محافظة الفيوم قبل ثلاثة عقود أدى إلى انخفاض الإقبال على استخدام عربات الحنطور. وكان سائقو الحنطور قد تجمعوا وذهبوا إلى محافظ الفيوم للشكوى من سيارات التاكسي، وطالبوا بأن يعمل التاكسي خارج المدينة فقط، ولكن طلبهم قوبل بالرفض.
وتشير هذه المفارقة إلى ما حدث مع سائقي الحنطور في القاهرة في العشرينات، حيث أضرب جميع سائقي الحناطير في عام 1924 بسبب ظهور سيارات التاكسي. وكانت هذه المظاهرة قد وصفت في كتاب “من واحد لعشرة” للكاتب مصطفى أمين.