المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي يكتب:معنى الرجوعِ إلى الله
اتباعِ شرعتهِ ومنهاجهِ في كتابه المبين، والتمسك بآياته وتطبيق أوامرهِ وطاعتِه
الرجوع إلى الله يعني الرجوع إلى الحق والفضيلةِ والرحمةِ والعدلِ والإحسانِ، وعدمِ الاعتداءِ على أرواحِ الناسِ وحُرُمَاتِهم، ودعوةِ اللهِ للناس للتعاونِ والتكافلِ، وليس ما شوّهه الفقهاءُ وكُتبُ الروّايات، لأن الأوامرَ الإلهية والعظاتِ الربانيةَ واتّباع الأخلاق الفاضلة والقيم القرآنية في القرآن لا تحتاج إلى تفسير وتحوير، فكلماتُ الله واضحةٌ تدعو كلّها لخير الإنسان واستقراره وأمنه، ليعيشَ حياةً كريمةً في أمنٍ وسلامٍ.
ذلك هو الرجوعُ إلى اللهِ وهذا مَعنى قولهِ سبحانَه: «اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ» «الأعراف: 3» فاللهُ سبحانَه يخاطبُ الناسَ بلغةٍ عربيةٍ واضحةٍ وصريحةٍ، أيها الناسُ اتّبعوا كتابَ اللهِ الذي أنزله على رسولهِ الأمينِ .
الهداية إلى طريق الحق
ليهديَكم طريقَ الحقّ والرشادِ ويحقّق لكم الحياة الطيّبة في الدنيا، ويجزيكم بفضله في الآخرة جناتِ النعيمِ، ولا تتبعوا الشيطان وأتباعه وأولياءَه فيضلّوكم عن طريق الحقّ ويستدرجَكم إلى طريقِ الباطلِ فتعيشوا حياتكم في ضَنْكٍ وشقاءٍ، وفي الآخرة جزاؤكم جهنمُ وبئسَ المصير.
فالرجوع إلى الله هو باتباعِ شرعتهِ ومنهاجهِ في كتابه المبين، والتمسك بآياته وتطبيق أوامرهِ وطاعتِه بمجاهدةِ النفس الأمّارة بالسوء وكبحِ جماحِها لتستقيمَ على طَريق الحقِ والخيرِ والرشادِ، حتى يأتيَ أجلُ الإنسان في لحظة لا يملك تأخيرَها فإن فاء إلى اللهِ واستدركَ بإيمانه الرجوعَ الى كتابهِ والعملِ بكل الإخلاص بآياتهِ فقد نجا الإنسان ممّا ينتظره من العقاب والعذاب عند الحساب، ومن فشلَ في طاعةِ اللهِ ولم يتّبع آياتهِ فطريقه إلى النار خالداً فيها.
كيف يكون الرجوع إلى الحق؟
فالرجوع إلى الله، يعني لا طغيان ولا ظلمَ ولا عدوانَ ولا استعلاءَ على الناس وإحسان وتسامح ومع كل إنسان، وإجابة السائلين ومساعدة الفقراء والمساكين وتقديم العون للمظلومين والتعامل بين كل الناس بالرحمة والعدل، وأن يكون الإنسان من المحسنين.
والتزامٌ صادقٌ بأداءِ العبادات من صلاة وزكاة وصيام وحج بيت الله، يؤدّون صدقاتِهم وزكاتِهم للفقراء والمساكين الذين لهم حكق معلوم في أموال الأغنياء كما في شريعة الله في قوله سبحانه: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)) (المعارج: 25- 25).
فهم شركاء مع الأغنياء في أرباحهم بنسبة عشرين في المائةِ من الأَرباح كما شرع الله في كتابه بقوله سبحانه: (وَاعلَموا أَنَّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسولِ وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينِ وَابنِ السَّبيلِ إِن كُنتُم آمَنتُم بِاللَّـهِ) (الأنفال: 41).
السعي في سبيل الخير
فَعَلى المسلمين جميعاً السعيُ في سبيل الخير، يتراحمونَ فيما بينَهم، يساعد كُلٌّ أخاه بِمدِّ يدِ العونِ لكلّ محتاج، يحترمون حقّ الحياة المقدّس لكل إنسان، يحترمون حرية العقيدة، فلا وصاية على العباد لأحدٍ من خلقه، ولا يتبعون فقيهًا أو شيخًا، فكلّهم يؤثّر فيهم الهوى والنفس الإمارة بالسوء، بل اتباع كتاب الله الذي أنزله قرانًا عربيًا على رسوله الأمين، لا ألغازَ فيه ولا كلماتٍ مبهمةً حتى تحتاجَ إلى تفسير.
ولكن أعداء الإسلام اتخذوا من الروايات وتفاسير القرآن وسيلةُ خبيثةً ليشككوا في كتاب الله، وليتحقّق لهم هجْرُ المسلمينَ للقرآن، وبذلك يفسح المجالُ للمتآمرين على الإسلام بواسطة التفاسير المتناقضة المسمومة والروايات الملغومة المنسوبة للرسول ظلمًا وبهتانًا لكي تنافس القرآن للابتعاد عن كتاب الله وهجْر قرآنهِ.
تفرُّق المسلمين إلى شيع وطوائف
وكانت النتيجةُ ابتعادَ المسلمينَ عن الذكر الحكيمِ واتباعِ أولياءِ الشيطانِ الذينَ تسبّبت أفكارهم ودعواتهُم في تشرذم المسلمين وتفرّقهم إلى فرقٍ وطوائفَ وأحزابٍ، كلُّ حِزبٍ بمَا لديهم فَرِحُونَ، فأصابتهم الفتنُ ونشب الصراعُ بينهَم واستعرت الحروبُ التي أدّت إلى سفك الدماء وإلى تدمير المدن وانتشار الفزع والخوف والتوحّش في التعامل بين المسلمين، يقاتلون بعضَهم البعض، فانتشرت بينهم الكراهية والأحقاد منذ أربعة عشر قرنًا حتى اليوم، لأنهّم عصوا أوامرَ الله التي بلّغها لهم رسوله عليه السلام، واتّبعوا أقوال أتباع الشيطان، ليهجروا القرآنَ ويسهل احتلالُهم وسرقةُ ثرواتِهم واستعبادهُم.
والله يخاطبهم ويدعوهم للوحدة في قوله سبحانه: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ» (آل عمران: 103)، لِتقوى شوكتُهم وليؤازرَ بعضُهم بعضاً حمايةً لأمنِهم كي تكون لهم القدرة على صدَ الأعداء وهزيمتِهم فلم يطيعوا الله فيما يصلح أمورَهم ويحقّقَ لهم العزةَ والمَنَعَةَ بالوحدةِ والاعتصام بكتابِ اللهِ المبينِ.
تحذير من الله سبحانه وتعالى
إنهم لم يكونوا يبالونَ بتحذير الله لهم بقوله: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ» (الأنفال: 46)، وطاعة الرسول المكلف بتبليغ آيات الله وتبيان مقاصدها لخير الانسان وصلاحه لتحصنه من ارتكاب المعاصي والذنوب في الحياة الدنيا فصّموا آذانهم عن دعوة الله لهم، بالتعاون على البرّ والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان وسلكوا طريقاً مغايراً لمرادِ اللهِ لهم، لينصرَهم على أعدائهم وعصَوا اللهِ حين ارتكبوا المعاصيَ والمحرّماتِ، ونقضوا عهدَ الله بالالتزام بشرعتِه ومنهاجه في القرآن الكريم فأرسل الله عليهم من يسومهم سوءَ العذابِ، ويحتل أراضيهم، وينهب ثرواتهم، ويستعبد أبناءَهم.
إنه نداء للمسلمين: ارجعوا إلى الله لينصرَكم وليرحمَكم، وتوبوا عَمّا َأجرمتُم في حقّ الله ورسوله من افتراءات وأكاذيب والله حذر المفترين بقوله سبحانه (فمن أظلم ممن افترى على الله كذباأو كذب بآياته انه لايفلح المجرمون ) يونس (17) فالله سبحانه يأمر رسوله بأنيدعوكم للتمسك بكتابه ليهديَكم الطريقَ المستقيمَ، وتعودوا إلى رشدِكم، فكَم من الأممِ السابقةِ تكبّروا على آيات اللهُ، فأنزل اللهِ عليهم العذابَ وشتّت شملَهم ومزّقهم شرَّ ممزَّق، وأذلّهم بما ارتكبوا من الجرائمِ والذنوبِ فحقّت كلمة الله عليهم فأذاقَهم شَر أعمالِهم من العذابِ الأليمِ.
الفساد في الأرض
وحين استفاقُوا على الخَراب وأَصبحوا إلى زوال لأنّهم ظَلَموا واستكبروا في الأرض، وغرّتهم قوتُهم وفسدوا فيها واستعلَوْا على الناس بأموالِهم وبقوتهم وجبروتهم وبغيِهم وظلمِهم فجاءَهم أمرُ اللهِ من حيثُ لا يحتسبونَ، وحينما يَذكرُ القرآنُ العقابَ الإلهيَّ على الأمم الظالمةِ، فذلك لِيعتبَر الناسُ بأنَّ قدرةَ اللهِ فوقَ قدرتهم، وعقاَبهَ لا يَرحمُ الظالمينَ، حيث يقول سبحانَه: «وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا» (الكهف: 59).
فاللهُ يُمهل عبادَه لعلهم يرجعون، ويتجنّبون عذابَه ويستغفرون ربّهم ليتوبَ عليهم ليرفع عنهم غضبه فقد حذّر وأنذرَ، والله سبحانَه يخاطبُ رسولهَ الأمينَ بقولهِ: «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ «214» وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)» (الشعراء)، وهكذا تغيّرت أحوالُ قومِ الرسولِ وأصحابهِ بعد وفاتهِ عليه السلامُ ونسوا تعليماتهِ وما بلّغهم به من آياتِ الكتابِ المبين.
هجر القرآن
فلقد كان الصحابةُ يجلسون حولَ الرسولِ الأمينِ يتلو عليهم آياتِ اللهِ ويعلّمهم أحكامَه ويبيّن لهم ما فيها من الحكمة ويعرّفهم بالتشريعاتِ الإلهيةِ والقيمِ الأخلاقيةِ، وما يدعو إليه كتابُ اللهِ الناسَ باتباعِ ما أنزله اللهُ في كتابِه يبيّن لهم مبادئَ الرحمةِ والعدلِ والسَّلامِ والإحسان.
كانوا رحماءَ بينهَم في حياة رسول الله كالطلبةِ أمامَ المعلمِ الأعظمِ محمد بنِ عبدِ الله ورسوله الكريم، وكانوا يقفون معه جنباً الى جنبٍ ضدّ أعداءِ رسالة الإسلامِ وأرواحِهم على أكفّهم رخيصةً في سبيلِ الذّودِ عن رسالة الإسلام وحماية الرسول عليه السلام، من أن ينال منهم أعداءُ اللهِ.
وعندما توفى اللهُ رسولَه هجروا القرآن وتخلّوا عن صفاتِ الرحمةِ والعدلِ والإحسانِ، وانتشرت بينَهم الفتنُ وسالت بينهَم الدماءُ لأنّهم تنازعوا على السلطانِ ودخلَ بينهم الشيطانُ، فانتشر بينهَم الباطلُ والبهتانُ، فشبَّ الصراع بينهَم وسقط منهم الكثيرُ من القتلى من أصحاب رسول الله غارقين في دمائهم دون ومبرر، وارتوت صحراء الجزيرة بدمائهم، يقتلون بعضهم باسم الردّةِ تارةً وباسم استرداد حق سلطة الخلافة تارةً وباسم حماية رسالة الإسلام تارةً أخرى بالرغم من أمر الله لهم: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» (آل عمران: 103)، وعدم استجابتهِم لتحذير الخالقِ سبحانهَ في قوله: «وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ » (الأنفال: 46).
انتشار الفتن بين أهل البيت
وكانت ضحايا تلكً الفتنِ كثير من أهل بيت الرسول وأقربائه، وعدد كبير من أصحابه المقرّبين، ليبيّن لنا اللهُ سبحانَه بأنهّم بشر مثلنا، وليسو معصومين من الأخطاء وليسوا مقدسين ومميزّين عن بقية خلقه، تختلج في نفوسهم كلّ مغريات الحياة وشرورها، من الطمع في السلطة والأنانية لديهم حب الدنيا وقساوة القلوب، يحبون ويكرهون، ينزغ بينهم الشيطان، ليوقع بينهَم العداوةَ والبغضاءَ، لأنهم ليسو ملائكةً، فحساب كلّ البشر جميعًا عندَ الله يوم القيامة، على قاعدةٍ أزليةٍ في قوله سبحانه وتعالى: « فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(8)» (الزلزلة: 7-8).
يتم حساب الناس في يوم مشهود يصفه الله سبحانه في قرآنه بقوله: «وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» (الزمر: 69).
قاعدة العدل الإلهي
ويقضي اللهُ بحكمهِ على خلقه على أساس قاعدة العدل الإلهي في قوله سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدثر: 38)، ثم يوضح القرآنُ تلك اللحظة التي يسعى كل انسان ليقدمَ حسابه، ويجادلَ عن نفسه فيما قدّم من عمل في حياته، وما ارتكب من معاصي حين تحصى سيئاتُه ويُصوّر القرآنُ موقفَه فيقول الله سبحانهَ: (يَومَ تَأتي كُلُّ نَفسٍ تُجادِلُ عَن نَفسِها وَتُوَفّى كُلُّ نَفسٍ ما عَمِلَت وَهُم لا يُظلَمونَ) (النحل: 111).
وبعد صدور الحكم الإلهي حين يُلْقَى الكافِرونَ والظالمونَ والطغاةُ في نار جهنّم ويرَى المؤمنون أهلَ النارِ بعدَ تنفيذِ الحكمِ عليهم، فترى المؤمنين يتساءلون عما حلّ بالمغضوبِ عليهم، الذين ساقتهم الملائكة إلى جهنم كما قال الله سبحانهَ: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴿38﴾ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ ﴿39﴾ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ ﴿40﴾ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ﴿41﴾ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴿42﴾ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴿43﴾ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ﴿44﴾ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴿45﴾ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴿46﴾ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ﴿47﴾) (المدثر: 38-47).
التكليف الإلهي للرسول
ثم يخاطبُ اللهُ رسولَه عليه السلام، ليبيّنَ للناس إنّما هو رسولُ اللهِ بَشَرٌ مثلُهم كلّفه اللهُ وأرسله للناس ليبيّن لهم طريقَ الحقّ وأن يبلّغهم بلسانهِ عن آياتهِ وما ينطقُ به من القرآنِ فإنّما هو لا ينطقُ عن الهوى حين يتلو عليهم آياته عندما يطبّق تكليفَ اللهِ له بتلاوةِ القرآنِ على الناسِ يعلّمهم مقاصدَ الآياتِ وحِكمتَها لما ينفعهم في الحياة الدنيا، وما ينتظر من يسيرُ على هُداه في الآخرة من جناتِ النعيم.
ففي تلك الحالة رسول الله يبلغ ما أمره الله للناس من البينّات والهدى ويشرح لهم ما تتضمنّه من رحمة وعدل وإحسان، لينقذَهم من طرق الضلال ويتحقّق لهم الحياة الطيبة اذا اتّبعوا ما أنزل الله على رسول من الوحي الإلهيّ من آياتِ الذكرِ الحكيمِ فيأمر الله رسوله الأمين بقوله سبحانه: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا» (الكهف: 110).
لا ينطق عن الهوى
لذلك يبيّن القرآن الكريم للناس بأنَّ كل ما ينطق به رسولُ الله من آيات الذكر الحكيم إنما هو وَحْيٌ من الله وليس كلاماً بشرياً لأنه في تلك الحالة لا ينطق عن الهوى كما قالَ اللهُ سبحانهَ: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴿3﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴿4﴾) (النجم: 304).
وقد عرّف الرسولُ نفسَه عليه السلام عن بشرّيته ولكن الله سبحانه اختاره ليبلّغ رسالته، وينزّلَ عليه كتابهَ كما قال اللهُ سبحانهَ مخاطباً رسولهَ عليه السلام: (كِتابٌ أُنزِلَ إِلَيكَ فَلا يَكُن في صَدرِكَ حَرَجٌ مِنهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ) (الأعراف: 2)، تُعرّف الآيةُ الكريمةُ المذكورة للنّاس طريقَ الحقَ والإيمان بوحدانية اللهِ وتبيّن لهم من يريد لقاء ربه في الآخرة فليعمل عملاً صالحاً تطبيقاً لشرعةِ اللهِ ومنهاجه وعدم الشرك بالله فهو سبحانه القيّوم على خلقِه وكونهِ رَبَّ السماوات والأرض، واللجوء إلى الله دائماً في كلّ الأوقات وفي كلّ مكانٍ، فالله مع الإنسان أينما يكون كما قال سبحانه: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق: 16).
الرسول يبلغ الناس بآيات الله
فإذا كان الله سبحانهَ يأمرُ رسولهَ بأن يبلّغ الناسَ بأنّه بشر، مثل بقية خَلقِه، لكي لا يتخذوه وسيطاً عند الله، أو شفيعاً ليبالغ الناس في تقديسه وينسوا ذكرَ الله لِيَحُلَّ الرسول محلَّ المُرسلِ، كما أشاعت بعض الروايات المزوّرة عليه (بأنّ أعمالَ الناس تُعرضُ على الرسولِ كلَّ يوم في قبره)، علماً بأنّ ذلك الاختصاص حَقٌّ لله وحدَه الذي يحاسب الأنبياءَ والرَّسّلَ، وكلَّ خَلقه، وتلك الفريةُ لا يحتملها عقلٌ ولا منطقٌ ولا إيمانٌ صادقٌ بالِله سبحانهَ.
فذلك يعتبر عُدوانًا وظلمًا لحَق اللهِ في أن لا نقِدّسَ غيرَه، وأنّ الانتسابَ للرسول لا يقدّم شيئاً أو يؤخّرِ للإنسان يومَ الحِساب، ولن يكون لأقرباء الرسول ميزةٌ على بقيّة خلقه يومَ القيامةِ، إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم يومَ القيامةِ وعملَ صَالحاً، والكلّ يومَ القيامة متساوونَ أمامَ اللهِ، عندَ الحسابِ كما قال سبحانهَ يصفُ ذلك اليومَ: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (الزمر: 69).
مكانة الرسول عليه الصلاة والسلام
ولقد بيَّن اللهُ للناس مكانةَ الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (الأحزاب:40).
ولم يشرك أحدٌ من أهل بيتهِ فى رسالته للناس وسيكون حسابُ الناسِ يومَ القيامة على أساس العمل فى الدنيا كما يقول سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدثر:38).
وقوله سبحانه يصف ذلك المشهدَ الرهيب: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿34﴾ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴿35﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴿36﴾ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴿37﴾) (عبس: 34- 37).
روايات الكاذبين
فلا يصدّق الناسُ بعضَ العلماء وشيوخ الدين وروايات الكَاذِبينَ، وما غررّوا به الجُهلاءَ، الذين رفعوا أهلَ البيت مكانةً وتقديساً يتوسّلون بهم، ويبتغونَ عندَهم العَونَ في الحياةِ الدنيا والشفاعةَ يومَ الحِساب، يذهبونَ إلى قبورِهم يدعونَهم ويتوسّلون إِليهم ليستجيبوا دعاءَهُم فيجيبُهم الله سبحانهَ بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ «194» أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۗ قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (الأعراف: 195- 196).
إن الله سبحانهَ يبيّن للناس أن يتفكّروا فيما يتلقونه من دَعوات الباطلِ، ويمحّصوها بعقولِهم، والآياتُ السابقةُ تحاور العقولُ بالمنطق، وبواقع الأموات الذين لا يستطيعون لأنفسهم ضَراً ولا نفعًا، فكيف يستطيعون مساعدةَ الآخرين في الدنيا والآخرة، واللهُ سبحانهَ يخاطب رسولهَ الكريم بقوله سبحانه وتعالى: (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) (النمل: 80).
بماذا خاطب الله سبحانه عيسى عليه السلام؟
كما يبيّن اللهُ للناس أيضًا في كتابه المبين بأنَّ عيسى عليه السلام مثلُ آدمَ خلقَه من تُرابٍ، ليعرفَ أتباعُ المسيحِ أنّه يجب عليهم تقديسُ اللهِ الواحدٍ الأحد خالقِ السمواتِ والأرضِ، الذي خلق عيسى بدلًا من تأليه عيسى عبدِ اللهِ ورسولهِ، حيث يقول سبحانه: «إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ» (آل عمران: 59).
والله يخاطب عيسى عليه السلامُ بقوله: «وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)» (المائدة).
قاعدة إلهية تنطبق على كل الأنبياء والرسل
وإنّما هي قاعدة إلهيةٌ تنطبق على كل الأنبياء والرسل كلّهم الذين أُرسلوا للناس في مختلف العصور ليعبدوا الله وحدَه، ويوحدوه، وليدعوا الناسَ للطريق المستقيم، ليتحقق لهم العدلُ والسلامُ ويحيوا حياة طيبة بالتعامل بالإحسان والتعامل بين الناس بالمعروف واحترام حقوق الإنسان بغضّ النظر عن عقيدتهِ ودينهِ وهويتهِ ولونهِ، وأنهم جميعًا اخوة في الانسانية خُلقوا من ترابٍ، ينطبق عليهم قانون الموت على كل خلقه دون استثناء لأحد، فيخاطبُ رسوله الكريمَ بقوله سبحانه: «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ» (الزمر: 30).
ويُبعثون جميعًا يوم القيامة عند الحساب، فإذا كان الرسولُ عليه الصلاة والسلام يخاطبُ الناسَ بأنّه بشرٌ اختاره الله لتبليغ رسالتِه في خطابِ اللهِ لهَ سبحانهَ: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا» (الكهف: 110).
روايات مفتريات على الله ورسوله
فَمن المستحيلِ أَن يطلبَ الرسولُ مِن الناس تقديساً وترويجاً لأساطير ومعجزاتٍ ابتدعوها، ما أنزل الله بها من سلطان، ومَا نُسبَ إليه من روايات مفترياتٍ في «علمهِ بالغيبِ والشفاعةِ، وشفاء المرضى، وحنينِ جذعِ الشجرةِ، وبُكاءِ النخلةِ على الرسول، واهتزازِ جبلِ أُحُد تحت قدميه، وكلامهِ مع الأشجارِ» جاءَ القرآن ليخاطب العقل والمنطق وليتفكّر الإنسانُ في خلقِ السماواتِ والأرضِ ليسخّرَ كنوزَها وعناصرَها لخدمةِ الإنسان.
تغييب العقول
إنَّ كلَّ تلك الأساطير ليس لها مكانٌ من الحقيقة، وتتناقضُ كليًا مع الآية الكريمة التي يخاطب الله رسوله بها بمعناها الصريح؛ بلّغ الناس بأنك بشرٌ مثلُهم ومِيزتك الوحيدة أنك مكلَّف برسالة من الله تبلّغها للناس، وتعلّمهم ما فيها من حكمةٍ وسُبل الخيرِ لما ينفع الإنسان فى حياته الدنيا والآخرة.
وما أكثر ما ألَّفه كثيرٌ مِن دعاة الإسلام ممن يستهدفونَ تغييبَ العقولِ للناس ليعيشَ الناسُ في الوهم وأحلام اليَقَظة لتعطيل وظيفة العقلِ المنحةِ الالهيةِ للإنسان، والتي كرمّه اللهُ بها على الحيوان حتى يسوقوا الناسَ كالأنعامِ ينفذون أوامرَهم في ما يدعونهم إليه، من طرق الشرِ والباطلِ وإلقاء الناس في العصيانِ والذنوبِ يدفعونهم للتهلكة والتجنّي على المهمّة الإلهية المقدسة للرسول بحمل رسالة الإسلام وإبلاغِها للناس لتخرجهم من ظلماتِ الظلمِ والبغي والطغيانِ الى النورِ الإلهيِ الذي يضيئُ للناسِ طريقَ التعارفِ والتعاونِ والخيرِ والسلامِ لكلِ الشعوب.