حوارات و تقارير

ثقافة الاحتفال بالاعياد كما تتجلى في الطقوس الشعبية العربية

ثقافة الاحتفال بالاعياد كما تتجلى في الطقوس الشعبية العربية

تعني كلمة الاعياد  الى ما يعود من الشوق والبهجة. وتعني أيضاً الاحتفال بذكرى، أو حدث. وتتنوع الأعياد بتنوع النسيج الثقافي للشعوب، وباختلاف تراثها من منطقة إلى أخرى. تتشابه وتتلاقى طقوس الاحتفال بها في بعض جوانبها، بينما يختلف بعضها الآخر. تستند بعض هذه الطقوس إلى خلفية دينية، بينما يستند بعضها الآخر إلى أسطورة فحسب توارثتها الأجيال وباتت جزءاً أصيلاً من تراث شعبي، يحرص الناس على إحيائه عاماً بعد عام.

الحلوى… الرقص والموسيقى

الباحث وهاب وهاب، مدير مختبر قضايا الأدب والثقافة الشعبية والترجمة وعميد كلية الآداب والفنون في جامعة عاشور زيان في الجلفة – الجزائر، يؤكد تنوع طقوس الاحتفال بالأعياد في الجزائر كنتيجة لتعدد اللهجات والقبائل، واختلاف العادات والتقاليد في ما بينها. حلويات العيد في الجزائر (وسائل التواصل)
وعلى الرغم من تلك الاختلافات، يتشارك الجزائريون بعض طقوس الاحتفال بالعيد، ومنها –على حد قوله- تخضيب أيادي الأطفال بالحناء ليلة عيد الفطر، وتحضير الحلوى الجزائرية التقليدية مثل البقلاوة، والتشاراك وهي حلوى محشوة باللوز على شكل هلال والقطائف، وتبادل هذه الأطباق بين الجيران والأقارب والأصدقاء، واجتماع كل أفراد العائلة، المتزوج منهم والأعزب، على مائدة غداء الوالد، وكذلك تناول طبق “الكسكسي”، في عشاء يوم العيد، إضافة إلى”مهيبة العيد”، التي يوضح أنها هدية يقدمها الخطيب -عن طريق أهله- إلى خطيبته.

ويشير وهاب إلى واحدة من العادات التي اندثرت، وهي عادة تكريم ربات البيوت بتقديم هدية رمزية لهن، تقديراً لجهدهن طوال شهر رمضان. أما زيارة القبور بعد صلاة العيد مباشرة، فهي العادة الأهم من منظور وهاب، التي تجمع كل الشعوب العربية لارتباطها بفكرة التذكر والحنين.
من اجواء عيد الفطر (وسائل التواصل)
وفي ما يتصل بالطقوس التي تختلف من قبيلة إلى أخرى في الجزائر، يذكر منها ارتباط احتفال بعض القبائل بالموسيقى، لا سيما في منطقة البليدة، التي اشتهرت بآلة الغيطة ورقصة الزار، وكذلك حرص بعض العائلات على وجود أصناف من الحلوى الأوروبية، تأثراً بالثقافة الفرنسية، الذي يصفه بأنه تأثر محدود.

أساطير الأمازيغ

ويحكي وهاب عن أغرب عادات القبائل الجزائرية في الاحتفال بالعيد، قائلاً: “يحتكر الأمازيغ بعض العادات ذات الطابع الأسطوري في احتفالاتهم بالعيد، لا سيما في عيد الأضحى. فيقومون بتخضيب حاجب الفتيات بدماء الأضحية بـ”السكين المستخدم في الذبح”. ويرجع هذه العادة إلى الأسطورة الأمازيغية القديمة، التي تُسمّى بـ”سكسعاكنت تشركا”، وتعني إزالة الشرك والحفاظ على إيمان الفتيات، اللاتي يُعَاقبن في حال رفضهن القيام بهذه العادة”.
نساء من كردستان في العيد (وسائل التواصل)
ويكمل: “يحرص الأمازيغ كذلك على ألّا يتسبب أحد في بكاء الأطفال خلال ليلة عيد الأضحى وفي يومه، ويمنعون توجيه كلام سيّء إلى الأجداد. ولا يُسمح للفتيات بتناول “رأس الخروف” لاعتقادهم أن أكل الفتاة للعين يجعلها مُراقَبة وأن أكلها للأنف يسبب لها العبوس، ما يتنافى مع ضرورة أن يظل وجهها دائماً باشاً”.

ويردف: “توزّع العائلات الأمازيغية الأضحية، إلا الكتف اليمنى وبعض الرقبة. ويحتفظون به لاعتقادهم بضرورة تناولهم هذا الجزء من الأضحية”.

يحتفل الجزائريون بأعياد أخرى يصطبغ أكثرها بصبغة دينية، من بينها أعياد الأولياء الصالحين، التي يُطلَق عليها –وفقاً للباحث وهاب- “وعدة”، كما الحال في وعدة سيدي عبد العزيز، التي يحتفل بها سكان الجلفة كل عام بالرقص والخيول ويمتلكون اعتقاداً راسخاً بكراماته وكرامات كل الأولياء الصالحين.

التنوع العراقي

في العراق، تتنوع التركيبة السكانية، الأمر الذي أثرى بدوره المكون الثقافي والتراث الشعبي، لا سيما في ما يتصل بأنواع الأعياد وبطقوس الاحتفال بها.
ازياء الرجال الأكراد في العيد (وزارة الثقافة العراقية)
يقول المصور العراقي حيدر إبراهيم: “اعتاد العراقيون بعد صلاة عيد الفطر، تناول طعام الكاهي (نوع من المعجنات)، والقيمر (كريمة الحليب شديدة الدسم). وبعدها يتزاورون، ويجتمعون للغداء في بيت العائلة على مائدة قد يصل عدد أفرادها إلى خمسين فرداً”.

ويضيف: ” يتناول العراقيون في جنوب البلاد “المسموطة” في أول أيام العيد، وهي أكلة سومرية يتمسكون بها حتى الآن، يتم تجهيزها عبر تجفيف الأسماك بالملح في الهواء الطلق، ثم طهوه ووضعه على موائد في الشوارع والأحياء العراقية، فيُتَاح لكل من يشتهي تناوله”.

أما الأكراد الذين يقطنون المناطق الجبلية في شمال العراق، فيمارسون عاداتهم -وفقاً لحيدر- بتناول الكباب والكفتة في إفطار يوم العيد. وترتدي نساؤهم ملابس ذات ألوان زاهية (كفة وكراس) تشبه الطبيعة الخلابة لجبال كردستان، بينما يرتدي الرجال الزي الكردي التقليدي. وبعد الغداء، يقيمون حفلات لرقص الدبكة الكردية، التي تضم كل أفراد العائلة، رجالاً ونساء، ويرقصون مجتمعين.
زيارة الأضرحة في العيد (وسائل التواصل)
ويواصل: “في مناطق الوسط والفرات الأوسط، يذهب العراقيون إلى المراقد المقدسة وأضرحة أهل البيت للصلاة فيها والتبرك بها. ثم يتوجهون لزيارة المقابر”.

حق الملح

يشير حيدر إلى اختفاء عادة حق الملح أثناء الحصار الاقتصادي وبعد الغزو الأميركي للعراق، بسبب الفقر، الذي عانى منه الشعب لعقود طويلة.

ويؤكد كذلك رجوع هذه العادة إلى الظهور مجدداً مع تحسن الأوضاع الاقتصادية، بحيث يقدم الزوج لزوجته قطعة من الذهب، كهدية في صباح يوم العيد، تقديراً لما تكبدته من مشقة رعاية الأسرة خلال شهر رمضان.

الحناء والكندورة

من الإمارات، يصف الإعلامي يوسف الحداد طقوس الاحتفال بالعيد، قائلاً: “يحرص الإماراتيون على بعض العادات في احتفالهم بالعيد ومنها تخضيب أيدي الصغار بالحناء وتبادل الهدايا، وكذلك ارتداء الزي التقليدي الإماراتي “الكندورة أو الدشداشة”.
عيد الفطر في الإمارات (موقع التراث الإماراتي)
ويشير إلى حرص شيوخ القبائل على حفظ التراث الإماراتي، الذي يتمثل بعض منه في عقد المجالس لدى الشيوخ ليرتادها الشباب. وتُقدَم خلال هذه المجالس القهوة العربية والتمور والفواكه.

ويذكر الحداد بعض أصناف المأكولات الشعبية الإماراتية، التي يرتبط إعدادها بالاحتفال بالعيد، ومنها “البلاليط ” وهو طبق حلو من الشعرية والزعفران والسكر، “العرسية ” وهي دجاج مع السمن المحلى و”الهريس “لحم مفروم مع قمح مجروش والعصيدة، وغيرها من الأكلات الشعبية الإماراتية، التي تحرص النساء على إعدادها للاحتفال بالعيد وتزيّن بها “الفوّالة”، التي يعرّفها حداد قائلاً: “هي المائدة الزاخرة بأنواع الطعام الشعبي، التي يجتمع عليها الإماراتيون، تعبيراً عن فرحتهم بالعيد”.

سخط الحماة

المواسم التي يرددها المصريون عند حديثهم عن الأعياد لا يُقصد بها فصول السنة، كما قد يتبادر إلى الذهن، وإنما تكتسب معنى آخر، فتُطلَق على الهدية التي يقدمها الأب إلى ابنته المتزوجة يوم العيد والتي تحتوي في العادة على اللحوم والخضروات والفواكه والحبوب والكعك، كما يشرح خالد أبو الليل، أستاذ الأدب الشعبي في كلية الآداب، جامعة القاهرة.
من الإحتفالات المصرية بالعيد (وسائل التواصل)
ويؤكد أن السيدات دائماً ينتظرن هذه “المواسم” للتفاخر أمام أهل الزوج، وحين لا تحصل إحداهن عليها، تتعرّض لسخط الحماة وسخرية الجيران.

ويتطرق أبو الليل إلى طقس زيارة القبور صباح يوم العيد، باعتباره طقساً أساسياً عند كثيرين من المصريين. ويرجع تاريخ هذه العادة إلى الحضارة المصرية القديمة، ويعزوها إلى ارتباط المصري القديم بالحياة التي تعقب الموت، واعتقاده بالبعث والخلود، وهو ما يظهر- كما يؤكد أبو الليل- في بناء الأهرامات من أجل دفن الملوك فيها.

ويفسر استمرار عادات الاحتفال بالأعياد عند المصريين، وغيرهم من الشعوب من دون أن ينال منها الزمن ولا مستحدثات التكنولوجيا، بارتباطها بالتقاليد التي يسميها أهل الصعيد في مصر بـ”الحجر”، ما يدل على صمودها واستحالة كسرها، أو التخلي عنها.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى