حوارات و تقارير

متى عرف المصري القديم الطماطم ولماذا عرفت بأنها ثمار سيئة السمعة؟

سيطرت أحاديث الدقة التاريخية على عدد من المسلسلات التي تعرض حاليا بالموسم الرمضاني، والتي كان لمسلسل “سره الباتع” نصيب الأسد منها. حيث وجهت إليه انتقادات بشأن دقة بعض التفاصيل التاريخية المتعلقة بفترة دخول الحملة العسكرية الفرنسية إلى مصر في أواخر القرن الثامن عشر.

وكان من أبرز الانتقادات اللافتة التي وجهت إلى المسلسل الذي أخرجه خالد يوسف وكتب له السيناريو والحوار عن قصة للكاتب الكبير يوسف إدريس. هي ظهور ثمار الطماطم على موائد المصريين في أحد مشاهد المسلسل. حيث علق كثير من مستخدمي الشبكات الاجتماعية على هذا المشهد بالقول إن مصر لم تكن تعرف هذه الثمرة في زمن الحملة الفرنسية!

ولكن المدهش بحق، هو تباين التواريخ التي افترضها منتقدو المسلسل بشأن تاريخ دخولها إلى مصر. فقد أشار البعض إلى أن مصر لم تعرف الطماطم إلا منذ قرابة 100 عام وبالتحديد بعد الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م). وقال آخرون بأنها زرعت في مصر مطلع القرن العشرين، بينما كان أقصى تاريخ وصلت إليه هذه الآراء هو القول بأن المصريين أكلوا الطماطم في نهاية القرن التاسع عشر.

وبرغم الثقة التي أبداها أصحاب هذه الآراء في التواريخ التي استندوا إليها. إلا أن مسألة تحديد التاريخ الدقيق لدخول الطماطم إلى مصر، تبدو فعليا أعقد من ذلك بكثير، كونها مسألة يحيط بها الكثير من الغموض. وهو ما حاولنا بحثه في التقرير التالي، الذي يسعى للإجابة على سؤال: متى عرف المصريون الطماطم؟ متتبعين في ذلك تاريخ ظهورها عالميا وانتشارها في عدد من الدول، قبل أن تصل إلى وادي النيل، وتحتل هذه المكانة الاستثنائية على موائدنا. مع التأكيد على أن غرضنا من ذلك ليس الدفاع عن المسلسل، ولكن الوصول إلى معلومة تاريخية دقيقة.

ثمار برية في جبال الإنديز

تقول الموسوعة البريطانية، إن ثمار الطماطم تعد من فصيلة “الباذنجانيات”، وتزرع على نطاق واسع بمختلف دول العالم كونها صالحة للأكل. حيث تؤكل عادة نيئة في السلطات أو تقدم كخضروات مطبوخة، وتعد مصدرا جيدا لفيتامين (C).

وتشير مختلف الدراسات إلى أن الطماطم ظهرت لأول مرة في أمريكا الوسطى والجنوبية، وبالتحديد في المنطقة التي تعرف حاليا بدولة بيرو. حيث عثر الباحثون على الطماطم البرية -أي التي لم تزرع عن عمد- في جبال الإنديز. وبحلول عام 700 ميلاديا كان سكان حضارة الأزتك يأكلونها بكثرة، وقد اكتسبت اسمها الذي تعرف به حاليا في الإنجليزية، من الاسم الذي أطلقوه عليها بلغتهم “الناواتل”. حيث كانوا يسمونها “Tomatl”، والذي تطور لاحقا وأصبح “Tomato”.

وفي الوقت الذي وصل فيه الغزاة الأوروبيون إلى أمريكا الوسطى والجنوبية بحلول القرن الخامس عشر. كانت تزرع على نطاق واسع هناك، وعن طريق الغزاة الإسبان العائدين من البعثات الاستكشافية في المكسيك وأجزاء أخرى من أمريكا الوسطى. انتقلت إلى جنوب أوروبا في أوائل القرن السادس عشر.

كان الإسبان والإيطاليون هم أول من استخدموا ثمار الطماطم كغذاء في أوروبا. أما في فرنسا وشمال القارة، فقد تمت زراعة الطماطم لاستخدامها في الزينة فقط. حيث كان يخشى كثير من الأرستقراطيين من تناولها لاعتقادهم أنها سامة وتؤدي إلى الوفاة. وهو السبب الذي أخر زراعتها في بريطانيا حتى تسعينيات القرن التاسع عشر. ومع ظهور البيتزا في نابولي حوالي عام 1880، انتشرت على نطاق واسع في القارة العجوز، وباتت حاضرة بشكل دائم على موائد الأوروبيين.

ثمار سيئة السمعة!

بالرغم من أن الظهور الأول للطماطم كان في الجارة الجنوبية لأمريكا الشمالية. إلا أنها وصلت إلى الولايات المتحدة وكندا قادمة من أوروبا وليس المكسيك. بعدما تعرفت عليها أمريكا عن طريق المستكشفين الذين بدأوا زراعتها في عدد من الولايات.

وقد عانت الطماطم في بداية زراعتها بأمريكا من سمعة سيئة. حيث كان يصعب على كثير من الأمريكيين التفرقة بينها وبين نباتات أخرى من نفس الفصيلة (الباذنجانية) شديدة السمية. بالرغم من أن الفصيلة ذاتها تضم الكثير من النباتات التي نستخدمها اليوم ضمن طعامنا، مثل البطاطس والفلفل الحار والباذنجان.

ولكن في النهاية، نجحت الطماطم في فرض نفسها كغذاء على الأمريكيين. ويقول البعض إن الفضل في ذلك يرجع إلى “توماس جيفرسون” -الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأمريكية- الذي قام بزراعتها في مدينة مونتايسلو بولاية آيوا عام 1781. وقامت بناته وحفيداته باستخدامها في الكثير من الوصفات بما في ذلك حساء البامية. كما قامت نساء جيفرسون أيضا بتخليلها، وكن سببا رئيسيا في الترويج لها في الطهي.

وخلال القرن التاسع عشر، حققت الطماطم تقدما ثابتا بين الأمريكيين. وبحلول سبعينيات وثمانينيات القرن ذاته، كانت هناك عدة أنواع معروفة في أمريكا. وبنهاية القرن، تأكدت مكانتها في المطبخ الأمريكي.

فاكهة أم خضار؟

من أشهر المسائل المنتشرة حول الطماطم، هو الخلاف حول تصنيفها فاكهة أم خضار، وهو خلاف قد يظن البعض أنه غير ذي تأثير. فما الذي سيتغير في طعم الطماطم سواء تناولتها باعتبارها فاكهة أو تناولتها باعتبارها خضار؟ إلا أن الأمر كان أعقد من ذلك في الماضي.

ففي عام 1887 فرضت قوانين التعريفة الجمركية في أمريكا الشمالية رسوما بنسبة 10% على الخضروات المستوردة. في الوقت الذي لم تفرض فيه أي رسوم على الفاكهة، ولأن الحكومة الأمريكية كانت تعتبر الطماطم خضارا. فقد فرضت عليها الرسوم المقررة.

إلا أن أحد كبار مستورديها في أمريكا، ويدعى “جون نيكس” قام بمقاضاة سلطات الجمارك في ميناء نيويورك مطالبا إعفاءها من الجمارك لكونها فاكهة. إلا أن المحكمة العليا الأمريكية قضت في عام 1893 بأن الطماطم خضار، وبالتالي تخضع للتعريفة الجمركية، وكانت حجة المحكمة في ذلك. هو طريقة تعامل الجمهور معها، حيث كانوا يعاملونها كما يعامل الخيار والكوسة والبازلاء، ويتناولونها مطبوخة في كثير من الأحيان.

وبالرغم من النظرة الحكومية للطماطم في بعض البلدان بوصفها خضار للاعتبارات السابقة وغيرها. إلا أن المجتمعات العلمية تميل لاعتبارها فاكهة، لكونها في الأصل ثمار حلوة تؤكل نيئة.

الطماطم المصرية

بحسب إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة، فقد بلغ الإنتاج العالمي من الطماطم عام 2021، قرابة 189 مليون طن. وقد جاءت مصر في الترتيب السادس عالميا في الإنتاج بهذا العام بـ6.24 مليون طن، بعد كل من الصين والهند والاتحاد الأوروبي وتركيا وأمريكا على الترتيب. فيما بلغ متوسط مساحة الأراضي المصرية المزروعة بالطماطم في عام 2019، قرابة 185 ألف فدان بحسب وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية.

ولكن بالرغم من المرتبة المتقدمة التي تحتلها مصر عالميا في إنتاج الطماطم حاليا. إلا أن تاريخ دخول هذه الثمار إلى مصر، لايزال يحيط به الكثير من الغموض.

فالراجح أن المصريين القدماء لم يعرفوا الطماطم ولم يتناولونها ولم يزرعوها. حيث تقول الباحثة منة الله الدوري، المتخصصة في التحليل الآثاري، وتدرس الطريقة التي كان يعد الناس بها طعامهم في مصر القديمة. إن هناك بعض الفواكه والخضروات التي يعرفها المصريون حاليا، لم تكن معروفة لدى المصريين القدماء ولم تزرع في مصر القديمة. وأضافت في تصريحات سابقة لها أن من بين هذه النباتات الفلفل والبرتقال والمانجو والطماطم والبطاطس والذرة والأرز والباذنجان، التي وصلت إلى مصر في عصور لاحقة.

كما لم يشر مؤرخو مصر في العصر الإسلامي إلى أن المصريين كانوا يتناولون هذا النوع من الثمار، وبالرغم من أن هناك كلمات كثيرة في اللغة العربية قريبة في النطق من كلمة “طماطم” التي نعرفها اليوم. إلا أيا من هذه الكلمات لم يكن يطلق على أي نوع من أنواع النباتات أو الخضروات.

فبحسب معجم “تاج العروس” للزبيدي، نجد كلمات مثل “الطَّمْطَمَةُ” ويقصد بها العجمة. أي الكلام غير العربي، ويقال رجل “طُمَاطِمٌ” بمعنى أنه أعجمي لا يجيد الحديث باللغة العربية. وهناك أيضا كلمة “الطِّمْطِمُ” وهي نوع من أنواع “الضأن” -الماعز- كان يعيش باليمن، كما أن كلمة “قوطة” -التي تطلق في بعض الأحيان على الطماطم- لم تكن تستخدم في تلك الفترة في أي معنى قريب.

علماء الحلمة الفرنسية

فيما يظل أوضح دليل على معرفة المصريين بالطماطم، هي قائمة النباتات التي كتبها عالم النبات الفرنسي أليررافينو ديليل، الذي كان واحدا من العلماء الذين رافقوا الحملة الفرنسية العسكرية على مصر (1798-1801م). وهي القائمة التي ضمنها أسماء كافة النباتات المزروعة في مصر، باللغتين اللاتينية والعربية.

فقد عثرنا في الجزء 32 الخاص بالنبات من كتاب “وصف مصر” -طبعة مكتبة الأسرة- على قائمة “نباتات مصر المرسومة” التي أعدها ديليل. والتي أورد فيها بشكل واضح اسم ثمار الطماطم من بين المزروعات التي كانت تزرع في مصر خلال تلك الفترة. حيث حملت الطماطم رقم 249 في القائمة، وقد أشار إليها ديليل باسميها العلمي “سولانوم ليكوبيرسيكوم” والعربي “طماطم”، وذلك ضمن الرتبة الخامسة من القائمة.

مع العلم الجزء السابق من كتاب “وصف مصر” نشر لأول مرة عام 1813 في باريس، كنتيجة للبحوث والدراسات التي قام بها ديليل وزملاؤه من علماء النبات الذين رافقوا الحملة. ما يعني أن الطماطم كانت معروفة للمجتمع المصري بشكل واضح من قبل قدوم الحملة الفرنسية!

عادات المصريين المحدثين

ولكن بالرغم من وجود هذا الدليل على معرفة المصريين بالطماطم في زمن الحملة الفرنسية. إلا أننا نرجح بأن الطماطم لم تكن حاضرة بقوة على موائد المصريين في تلك الفترة. كما هي حاليا، والسبب يرجع في ذلك إلى ما كتبه المستشرق الإنجليزي إدوارد وليم لين.

فبالبحث في كتابه “عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم”، الذي يرصد حياة المصريين خلال الفترة ما بين 1832 و1835 -في ظل حكم محمد علي باشا- وجدنا أن لين ذكر طبيعة طعام المصريين وما كانوا يتناولونه خلال الوجبات الثلاثة. الإفطار والغداء والعشاء بشيء من التفصيل، ووصفات ذلك الطعام وما كان يحتويه من خضروات أو لحوم وخلافه. وفي بعض الأحيان ذكر طرق تحضير الطعام، إلا أنه لم يشر إلى أن المصريين كانوا يأكلون الطماطم في هذا الوقت. بالرغم من إشارته إلى أنهم كانوا يأكلون البصل والبامية والثوم والبقدونس والكرنب والسبانخ والحمص والعدس وغيرها من المزروعات.

أي أنه، حتى بعد مرور قرابة 30 عام على الحملة الفرنسية وصدور قائمة نباتات مصر، إلا أنه ظلت للطماطم مكانة محدودة بين الطعام المصري. قياسا على غيرها من المزروعات التي كانت بمثابة عنصر أساسي في مختلف الوجبات. مثل البصل على سبيل المثال، ولم تتطور هذه المكانة. وتبدأ في الظهور بالشكل الذي نعرفه اليوم، إلا في منتصف القرن التاسع عشر، بفعل التأثير العثماني -التركي- على أكلات المصريين.

تأثير المطبخ العثماني

وهو ما تؤكده الباحثة آن ماري جول، في دراستها التي أشرنا إليها سابقا. حيث تقول إن أكلات المطبخ العثماني هيمنت على ثقافة الطهي المصرية في عصر أسرة محمد علي، وهي التي ساعدت الطماطم على الدخول إلى كثير من أكلات المصريين التي عرفوها عن طريق العثمانيين. مشيرة إلى أن الطماطم انضمت إلى كتب الطهي العثمانية في عام 1844. حيث ظهرت في أحد الكتب الذي ترجم لاحقا إلى العربية على يد المترجم المصري محمد أفندي صدقي عام 1878، وقد طبع هذا الكتاب أكثر من مرة في مصر، كان آخرها تقريبا في عام 1915.

وتضيف أنه في العقود الأولى من القرن العشرين، أصبحت الطماطم شائعة بشكل متزايد في مصر. وذلك على الرغم من أن أغلب الإنتاج الزراعي المصري من الطماطم كان يتم تصديره. وفي الستينيات أصبحت مصر واحدة من أكبر عشرة منتجين للطماطم في العالم. وبحلول نهاية القرن العشرين، تغيرت مكانة الطماطم في مصر بشكل جذري. حيث تجاوز إنتاج الطماطم المصرية 6 ملايين طن لأول مرة عام 1999. بعد أن تضاعف أكثر من سبعة أضعاف في العقود الأربعة السابقة على ذلك التاريخ. كما أصبحت الطماطم من بين المحاصيل العشرة الأولى في بلاد النيل.

الخلاصة أن المصريين عرفوا الطماطم في وقت ما خلال القرن السابع عشر على الأقل، وربما قبل ذلك أيضا. حيث لا نستبعد أن تكون قد وصلت إلى مصر عن طريق التجار أو الرحالة الأوروبيون. أي أن دخولها إلى مصر كان في وقت أبكر من كل التواريخ التي أشار إليها منتقدو مسلسل “سره الباتع”. إلا أنها لم تنتشر وتدخل في أكلات المصريين بكثافة إلا في وقت ما من منتصف القرن التاسع عشر. لتواصل حضورها الطاغي على المطبخ المصري حتى اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى