تاريخ ومزارات

القبطية.. اللغة الأولى في مصر حتى العهد الناصري وهذه القرية الوحيدة التي تتحدث بها حتى الآن

أسماء صبحي

اللغة القبطية هي آخر مرحلة تطور في اللغة المصرية الأصلية الذي تحدث بها أجدادنا منذ فجر التاريخ. وسجلوا بها كل علومهم وأخبارهم وتاريخهم وتفاصيل حياتهم، فماضينا كله تم تسجيله بلغتنا المصرية الأصلية.

تاريخ انحدار اللغة القبطية

خلال عهد الأمويين كان تعلم اللغة العربية مهم للوصول لمناصب عليا في الدولة، وظهر ما يُسمى اللغة القبطو-عربية، وهي خليط بين العربية والقبطية. وكانت منتشرة في الاسكندرية والفسطاط فقط، وكان يتكلمها طبقة رجال الدولة من المصريين فقط. وباقي المصريين سواء مسلمين أو مسيحيين يتكلموا القبطية فقط.

أمر الإصبغ عبدالعزيز بن مروان، أحد الشماسين المصريين بترجمة برديات قبطية عديدة. والتي كان منها برديات كيميائية مهمة جداً استخدمها علماء العصر العباسي في بغداد.

منذ القرن الحادي عشر الميلادي، وباتت اللغة القبطية تنحدر ببطء بسبب سياسات الإخشيديين والفاطميين والمماليك والعثمانيين. والتي أدت لتدهور كبير في اللغة أشهرها كان منع تحدث اللغة القبطية في عهد الفاطميين.

وفي عهد المماليك والأيوبيين انتشرت اللهجة المصرية بقوة في كل مدن مصر، وأثرت على اللغة العربية نفسها. وأصبحت اللغة القبطية في وضع صعب جداً وتوقف تطورها أو إضافة مفردات جديدة لها.

ثم جاء العهد العثماني وأنهى وجود القبطية في معظم مصر باستثناء بعض القرى البعيدة في الصعيد. والتي كانت في فترة محمد علي باشا قد وصلت لهم اللهجة المصرية الحديثة بقوة، ولكن قصة اللغة القبطية لا تنتهي هنا.

قرية الزينية

في عام 1937، جاء عالِم اللغة القبطية “فيرنر فيسيشل” لمدينة الأقصر وتحديداً قرية الزينية. واكتشف وقتها انه القبطية لم تنقرض بعد. حيث وجد أن كل أهالي قرية الزينية يتكلموا اللغة القبطية كلغة أولى. على عكس باقي المصريين الذين يتكلموا اللهجة المصرية الحديثة.

وبدأ فيرنر يتكلم مع السكان، وكتب بعض مقابلاته معهم مثل “خليل ابوبسادة” الذي قال إنه تعلم اللغة القبطية من والدته المتوفية سنة 1886. ولم تكن والدته تتكلم غير اللغة القبطية، و “يسع” قال إن والده وكل أهل القرية كانوا يتكلموا القبطية فقط.

ومن بين ملاحظات فيرنر فيسيشل، أن أهالي القرية سواء مسلمين أو مسيحيين كانوا يطلقوا على قريتهم إسم “بسولسال” وبتتكتب ⲡⲥⲟⲗⲥⲉⲗ ومعناها الزخرفة باللغة القبطية.

وقرية الزينية كان الجزء القبلي منها كله مسلمين والجزء البحري مسيحيين، وكلهم كانوا يتكلموا القبطية فقط. وعدد قليل جداً وقتها هم من كانوا يعلموا اللهجة المصرية مثل خليل أو يسع.

بعد ذلك، سافر فيرنر للواحات الخارجة ووجد غالبية السكان من المسلمين. ومع ذلك لا زالوا يسمون أولادهم بأسامي قبطية ويتكلموا اللغة القبطية بطلاقة وسجل بعض العبارات التي كانوا يستخدمونها.

ومع بداية العهد الناصري واستقلال مصر الكامل حدث تحسن كبير في انتشار التعليم والمدارس. وبالتالي زاد احتكاك سكان قرية الزينية باللهجة المصرية عن طريق المدارس. وأصبحت اللهجة المصرية لغتهم الأولى والقبطية اللغة الثانوية.

وزار فيرنر الأقصر مرة أخرى في الستينات، ووجد نحو 600 شخص لا يزال يمكنهم القراءة والكتابة بالقبطية إلا أنهم لا يستطيعون التحدث بها، ومع مرور الوقت اختفت هذه الظاهرة.

وحتى اليوم، لا يزال سكان قرية الزينية يتكلموا اللغة القبطية بطلاقة كلغة ثانوية. يتعلموها من البيت ويتوارثها الأجيال. وهي المكان الوحيد في مصر الذي لا يزال يجيد التحدث القبطية.

ويجب الإشارة إلى أن اللغة القبطية ليست لغة دينية، إنما هي مجرد مرحلة في تطور اللغة المصرية الأصلية. وحتى الثلاثينات كان هناك مصريين يتكلموا بها كلغة أولى سواء مسلمين أو مسيحيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى