تواجه الانقراض.. صناعة القفاص مهنة متوارثة من عهد الفراعنة
يوجد في إحدى الورش الصغيرة بمنطقة حي قبلي شارع زغلول بمدينة رشيد، محمود خضر، القرفصاء ممسكا بين أصابع قدميه عود صغير مجفف من جريد النخل، ليبدأ في تشكيله وتحويله لأقفاص متعددة الاستخدام سواء الطيور أو الفواكه، فيما يكن خضر الكثير من الاعتزاز بمهنته «قفاص» التي يرى أنها انقرضت بفعل الأشياء الحديثة، إلا أنه مازال يعمل بها وسيظل رغم كل ما يعانيه، لأنه لا يعرف غيرها وورثها عن جده.
فخر واعتزاز
فيما تحدث محمود خضر عن مدينته باعتزاز وفخر، إذ يعد نفسه ذاكرة حية لمدينته، ويحكي عن صنعته التي تعلمها وكان شاهدا عليها، كيف نشأت وازدهرت حتى انحسرت، فيقول: “جميع الدكاكين الموجودة بجوارنا هي ملك «سيدي» والتي يعود تاريخ بناءها لأكثر من مائتي عام أو يزيد، وذلك عندما امتهن سيدي الأكبر تلك المهنة، وحينها بدأنا في الازدهار، ليس في رشيد فقط، لكن في كافة أنحاء مصر، فقد ذاع سيطنا وكان التجار يأتون إلينا من جميع الأماكن رغبة منهم في التحصل على ما ننتجه من أقفاص”.
وأضاف خضر: أعمل في الوقت الحالي داخل دكاني على صنع أقفاص الحمام والفراخ، وكذلك أقفاص الخضروات والفواكه، كما أن الصناعة نفسها معقدة، تبدأ بتجفيف الجريد قليلًا حتى نستطيع أن نشكله من خلال استخدام بعض الأدوات البدائية، مثل الهلال (قطعة مقوسة من الحديد)، وسكين كبير، وماسورة كبيرة، وماسورة صغيرة، وخشبة مربعة ثقيلة، ومن ثم نقوم بصناعة الأقفاص حسب الحاجة ونشكلها من خلال ثقبها لفتحات صغيرة إلى أن نجمع في النهاية تلك الأعواد، فالأمر يحتاج إلى وقت وصبر، لأن الأدوات التي نستخدمها هي مواد تقليدية، فنحن لا نستخدم الآلات أو الماكينات، لكن نعتمد على الشغل اليدوي فقط.
مهنة أثرية
كما أكد محمود خضر أن مهنته هذه أثرية، فيقول: نحن هنا في رشيد نمتهن تلك المهنة منذ عهد الفراعنة. وإذا ذهبت إلى المتحف المصري بالتحرير فستجد هناك مجسمات معروضة تبرهن على أثرية المهنة منذ آلاف السنين – على حد قوله.
كما تابع خضر: نحن نندثر الآن، ولا سبيل لتلك المهنة من الاستمرار إلا من خلال تقديم دعم لنا من جانب الحكومة لحماية تلك المهنة، وتطويرها لتشجيع الناس على القدوم هنا واستمرار العمل فيها. ويتذكر أنه في إحدى المرات منذ ما يزيد عن العشرين سنة جاءهم بعض الأفراد الذين وعدوهم بتسجيل تلك الصنعة على قائمة الصناعات التراثية برشيد ودعمهم، لكنهم لم يأتوا إليهم مرة أخرى، وبعدها أغلقت الكثير من الدكاكين بسبب موت أصحابها أو بسبب تغيير النشاط ككل.