الصعيد تقدم كتابها ونقادها لمصر وللعالم الشاعر فتحي عبدالسميع في كتابات نقاد مصر
كتب – حاتم عبدالهادي السيد
أن يكتب عنك ناقد فهذا شيء رائع؛ اما أن يكتب عنك أكبر نقاد مصر والوطن العربي فهذا هو التميز< وشاعرنا فتحي عبدالسميع – كما أقول مناقد – هو واحد من أهم شعراء العصر الحديث في مصر الأن؛ لما لتجربته الشعرية من خصوصية وتمايز وتحالف تجعل الكتابة عنده حالة ذاتية خاصة؛ وعامة في آنٍ واحد؛ وهو من أهم شعراء مصر المعاصريين .
كما يعد الشاعر والباحث فتحي عبدالسميع أحد أهم كتاب مصر الحاليين؛ فقد كتب الشعر والمقال الأدبي؛ وتمرس في مجال النقد والكتابة في الموروث الشعبي الصعيدي؛ ويعد كتابه الأخير عن الثأر في الصعيد الصادر عن الدار المصرية اللبنانية من الكتب التي تعالج أهم مشاكل الصعيد؛ كما قدم العديد من الكتب في مجال الفنون التراثية والنقد؛ وقام بتقديم كثير من أدباء وشعراء الصعيد للساحة المصرية؛ كما تألق في تجسيد صوت الصعيد ومصر في كافة المحافل الأدبية والثقافية .
وعن دور الشاعر فتحي عبد السميع، وتأثير تجربته في الشعر العربي الحديث، يكتب الناقد المغربي “صالح لبريني” في مجلة الهلال خاتما دراسته المطولة عن الشاعر قائلا: “التجربة الشعرية، للشاعر المصري فتحي عبد السميع، جديرة بالحياة لكونها كتابا مفتوحا على عالم الواقع ومحتفيا بالعوالم السفلى له، وأيضا بالقراءة الممعنة والمتأملة لخطاب شعري ينفرد بفرادة الرؤى والتصور العميق للعملية الإبداعية برمتها، وصفوة القول إن التجربة الشعرية تحتفي بتفاصيل الذات كتاريخ فردي بلبوس جماعي، هذه الذات التي جسدت الصراع الأبدي بين الأنا الباحثة عن الكينونة والآخر، الذي يسعى جاهدا إلى تغييب هذه الكينونة. كما أنها تجربة تحتفي بهشاشة الكائن والعالم احتفاء تراجيديا دراميا وسّع من الأفق الشعري للشعرية العربية” {1}
الشاعر فتحي عبد السميع حارس من حراس الروح وقصيدته في قبضته نار مقدسة كما يقول الناقد العراقي ناظم القريشي ـ فهو “كبروميثيوس سارق النار في الأسطورة الإغريقية, تتحد روحه مع لحظته الشعرية حيث يبدأ الإبداع في تشكيل ميثولوجيا حية، في حين يتمنى أن يكون خروجه من تلك اللحظة منتصرا، وفي قبضته قصيدة هي النار المقدسة التي يحمل بها أرواح الأشياء ويعيدها الى النور؛ بعد ما اتحدت روحه مع كلماته وعاش زمنها المطلق، وتحدى اللغة، وجعلها تتكلم خارج منطوقها المألوف، وجعل من الشعر حارسا للروح؛ وكأن الخلق و الأبتكار تمكن من أعماقه الداخلية فجسد الرؤيا جمالا, إذ منح كلماته مزيدا من الحرية والدلالة، و جعلها تتكفّل بالتعبير عن هذه الرؤيا؛ لبلوغ الانفعال الأكثر أصالة, لذا تجتهد كلماته دوما أن تنشئ فينا القوة الروحية” {2}
إن المعاناة هي مفتاح تجربة فتحي عبد السميع وهي تتجاوز الإجراءات البلاغية المعروفة كما يقول الناقد محمد عبد المريد في دراسته المطولة عن الشاعر في مجلة فصول: “حيث تظهر شعرية المعاناة التي تنطلق إلى المأساة وتجلياتها المتنوعة، بالارتكاز على مجاز الواقع، وهو مجاز مغاير لمجاز البلاغة؛ يستمد أشكاله التعبيرية من مواقف حياتية وصور واقعية؛ مما يشكل انحرافًا عن المفاهيم الشعرية والبلاغية المتواضع عليها وهذا يعد انفتاحًا على العالم الشعري وتوسيعًا لعالمه، وهذا التوسيع وظيفته الرئيسة، أن يشمل الواقع كله بمواقفه الحياتية ومفرداته اللغوية الخاصة، ويعد تصحيحًا لمسار خطاب الحداثة الشعري، الذي خلق انفصالا بين الشعر والواقع، من خلال الانغماس في الصور الشعرية المركبة، التي انصاعت للحداثة شكلا ومضمونًا ؛ لذا تعتمد على تعددية التأويل؛ وكل هذا بدوره يحيلنا إلى السياق اللغوي الملتبس ؛ ومن ثم فقدان التلقي والاتصال. {3}
من أهم أدوار تجربة الشاعر فتحي عبد السميع هي المساهمة القوية في تحويل دفة الشعر الحداثي إلى الكتابة البسيطة الشفافة بدلا من الكتابة الغامضة المعقدة كما ظهرت عند أدونيس وشعراء السبعينات، واعتبرها البعض ضربة قاضية لجمهور الشعر. وهو ما يؤكده الناقد الأدبي الأكاديمي الدكتور عايدي علي جمعة في مجلة “البيان” الكويتية قائلا: “يتميز الشاعر فتحي عبد السميع بأن العقد الذى بينه وبين القارئ لم يتعرض لعنف كبير يؤدى إلى تهشيمه، أو اختلال ملامحه اختلالا كبيرا. والعقد الذى بين المبدع والمتلقي هو عقد اللغة، فلم تتعرض العلاقات بين المفردات على مستوى الجملة إلى عنف كبير يؤدى إلى مشكلة في الدلالة والفهم، وإنما جاءت العلاقات في الغالب في الحيز المقبول لدى ما تعتاده الذائقة التي تعودت على نوع من التلقي يحافظ على دلالة مقبولة فى العقل. وهو يمنح قارئه القدرة على التذكر، من خلال المعنى المكتمل، وهو ما يغيب في الشعر الحديث، حيث لم يأخذ الاهتمام بالمعنى المكتمل حيزا كبيرا عند تيار من الشعراء على نحو ما نجد في الكثير من شعر أدونيس وفيلق من شعراء السبعينيات .
ومع ذلك فإن الشاعر فتحي عبد السميع يجد المتلقي بعد قراءته أن لديه القدرة على التذكر رغم أن هذا الديوان لم يعط الاهتمام الكبير للناحية الموسيقية فى صورتها التقليدية التي تساعد بطريقة حاسمة في عملية التذكر .وترجع القدرة على التذكر إلى اكتمالات المعنى، عن طريق اتخاذ السرد المحكم الذى له بداية ونهاية نمطا معتمدا، مما ساعد المتلقي على أن يجد لديه القدرة على تذكر موضوعات قصائده وحركة سير المعنى فيه” {4}
يوصف شعر فتحي عبد السميع بالمطرقة الهامسة، والعبارة تعبر عن القوة مع الهمس الفني في الوقت نفسه، قوة الحالة الشعرية ورقَّة التعبير عنها أو كشفها، والتعبير للروائي أشرف الخمايسي الذي كتب في مجلة الثقافة الجديدة يقول “يجيد هذا الشاعر، اصطياد فلسفته داخل نصه، كما أنه يجيد، بشكل أكثر إلفاتًا، اصطياد قارئه بتلك الدهشة المفاجئة، فقد يصل القارئ لنصه، فى لحظة ما، إلى أنه لا يقرأ جديدًا، في نفس تلك اللحظة تباغته حكمة الشطرة، حكمة هامسة جدًا، لكنها تضرب كالمطرقة.” {5}
ويتميز الشاعر بتفرده في تشكيل الصور الشعرية، يكتب “أشرف قاسم” في جريدة الدستور الأردنية: “يعتمد فتحي عبدالسميع بشكل لافت في هذا الديوان على بكارة تشكيل الصورة الشعرية، غير المعادة، تلك الصورة التي تشير بوضوح إلى خصوصية نصه الشعري، وجماليات طرحه بعيدًا عن سطوة التكرار والاجترار، بثرائها وتنوعها الدال، مما يسهم في صنع سياق جمالي متفرد لنصه الشعري لا يشبه أحدًا سواه”
الشاعر كما يؤكد الناقد “لا ينساق وراء الصور الجاهزة والأكليشيهات المجانية، بل تتقاطع لغته مع صورته الشعرية مع إيقاعات النص الداخلية لتكون معًا في النهاية لحنًا متسقًا دلاليًا دون نفور، في شكل من أشكال الانسجام الكامل بين دلالة اللغة ودلالة الصورة والإيقاع، بعيدًا عن الإطناب والتداعي المجاني” {6}
تتعدد أسباب التفرد في تجربة فتحي عبد السميع لكن من أبرزها الاشتباك بعين الطفل مع التراث الجنوبي، وقد كتب الناقد جمال القصاص في جريدة الشرق الأوسط يقول: “على عكس شعراء كثيرين يعيشون في بيئات محلية ذات طبيعة خاصة، قلما نجد صدى لها في شعرهم، ينفتح الشاعر فتحي عبد السميع على مفردات البيئة المحلية، في صعيد مصر مسقط رأسه ومقر إقامته. وبعين طفل يشتبك مع إرثها الاجتماعي، ومحمولاتها التراثية، محاورا ما تنطوي عليه من رموز ودلالات شعبية خصبة، لا تزال تحتفظ بامتدادها الخاص في الزمان والمكان.
واللافت أن الشاعر لا يكتفي بالملامسة العابرة لهذه البيئة، وإنما يعايشها بحميمية، محتفيا بجغرافيتها وتاريخها وناسها، ويدفعها إلى اكتساب حيوات جديدة تساهم في إنتاج شعرية النص، وتوسع منابعه التصويرية وطاقته التعبيرية معا، وفي الوقت نفسه، تشكل نقطة تمايزه بعمق على مستويي الرؤية والعلاقات الجمالية.” {7}
ومن أسباب تفرد فتحي عبد السميع يأتي الغوص في الهامش بشكل عميق، و بطريقة يسهل تلقيها، لأنها تخلو من الغموض، وتعتمد على لغة شفافة ومنفتحة تقوم باستخراج الغريب من رحم العادي، وقد كتب الناقد طارق إمام في جريدة “عمان” يقول: “يغوص «فتحي عبد السميع» في الهامش، بلا مواربة، وبشموليةٍ لا تقف عند إحدى جزئياته أو تفصيلاته، بل تقارب الوجوه المختلفة لتجليات ذلك الهامش، (لغوياً ورؤيوياً وثقافياً) بغية تدشينه أفقاً كاملاً للتجربة الشعرية.
وتتحقق قصيدة النثر هنا عبر لغة تواصلية، لا يصعب التعاطي معها، ولا تبني حائطاً صلباً من دوالها يضبب العالم القابع خلفها. اللغة تشف، كاشفة عن مفارقاتها، ومتكئة، بلاغياً، على التشبيهات والكنايات غير المستغلقة. بالتالي، فقصيدة «عبد السميع» تخاصم القصيدة المغلقة على عالمها، أو تلك التي لا تشير لما يقع خارجها. العالم الشعري في «تمثال رملي» يتوتر بين الداخل والخارج، ويتحقق في انفتاحه على الخبرة الحسية بالواقع.
كذلك يتصل عالم الشاعر بعمل دائب يسعى لنزع المألوفية عن المألوف الاتفاقي، والخروج بالغريب من رحم العادي حتى يبدو في نهاية المطاف مفارقاً. في هذا السياق، نجد أنفسنا أحياناً أمام عالم فوق واقعي، ينطلق من الماثل والخبرة اليومية لكنه لا يكتفي برصده. المخيلة هنا مفتاح جوهري، وهي تُطور قدرتها على «التوهم»، ما أراه خصيصة أصيلة في تجربة هذه المجموعة، حيث نواجه توهمات متلاحقة، تبدأ من تقمص أرواح الأشياء، وتمر بتقمص الوعي النشاذ للذوات الإنسانية الخارجة على الاتفاق (المجاذيب)، وتنتهي بتوهم الذات نفسها لنفسها، سواء بالقفز لمستقبلها أو النكوص لماضيها” {8}
فتحي عبدالسميع راهب أدرك حقيقة الشعر كما كتب الناقد الأدبي الأكاديمي الدكتور أحمد الصغير في مجلة الدوحة القطرية معتبرا إياه “من الشعراء المخلصين في المعنى والمبنى، لأنه شاعر / بنَّاء ماهر في لحظة انفصال العالم عن أرواح الآخرين، وبقايا مراياهم المقعَّرة. حيث إنه اعتكف في محراب القصيدة أشبه براهب أدرك حقيقة الشعر الغائبة في اللحظة الراهنة، لا يخرج إلى العالم إلا متأمّلاً في حقيقة الوصل بالحياة المحيطة به، مفكِّراً بالشعر وللشعر، مغموساً بعرق الجنيَّات في الجنوب” {9}
لم يكن فتحي عبد السميع شاعرا وهو يكتب الشعر فقط، بل كانت سيرة حياته كلها سيرة للشعر، وهو ما يظهر في عنوان الملف الذي قدمته مجلة الشعر المصرية عن تجربته الشعرية، والذي احتوى على ست دراسات نقدية حول أعماله، وحوار معه، ومختارات من نصوصه، وذلك في عددها رقم 150 صيف 2013، وكان عنوان الملف هو ” العائش في الشعر”.
مصادر:
1ـ صالح لبريني ـ مجلة الهلال ـ العدد رقم 148- أغسطس 2016
2ـ ناصر ناظم القريشي ـ جريدة الصباح الجديد ـ العراق ـ 25/3/2017.
3ـ محمد سيد عبد المريد ـ مجلة فصول ـ العدد 95 ـ خريف 2015.
4ـ د عايدي على جمعة ـ مجلة البيان ـ الكويت ـ عدد أغسطس 2014
5ـ أشرف الخمايسي ـ مجلة الثقافة الجديدة العدد 281 ـ فبراير 2014
6ـ أشرف قاسم ـ جريدة الدستور الأردنية ـ الجمعة 6 تموز (يوليو) 2018.
7ـ جمال القصاص ـ جريدة الشرق الأوسط ـ العدد 13412ـ الثلاثاء 18 أغسطس 2015.
8ـ طارق إمام ـ جريدة عمان ـ سلطنة عمان ـ الجمعة 14/10/2016.
9ـ د/ أحمد الصغير ـ مجلة الدوحة العدد 78 ـ أبريل .
10- حاتم عبدالهادي السيد؛ جريدة صوت الأمة العربية؛ مصر 2023م .
11- حاتم عبدالهادي السيد ؛ جريدة صوت القبائل العربية؛ مصر؛ 2023م .