من أسوان “فن الكف”.. عندما يختلط الرقص مع الأحزان
“الدنيا غرورة، والناس على العيشة مجبورة، ياما خلايق معذورة، وشاربة مرار الكاس”؛ إحدى الأبيات الشعرية التي يرددها فنانو “الكف” في حفلاتهم الفنية بصعيد مصر، إذ يحظى هذا الفن الارتجالي بشهرة كبيرة، لأنه يعكس معاناة الناس اليومية وآمالهم وآلامهم ومشاعرهم المختلفة.
يقول الدكتور محمود أحمد فضل، مؤرخ في التراث والمأثورات الشعبية وعضو اتحاد كتاب مصر، والحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في الدراسات الاجتماعية، أن “الكف العربي” أحد الفنون التلقائية المنتشرة في حفلات الزفاف في جنوب الصعيد والمناطق البدوية، ولكن بمسميات مختلفة وهو تصفيق بالأيدي يتخلله رقصة الحجالة على مشط القدم.
الكفافة
وأضاف أن الكف العربي يطلق عليه في محافظتي أسوان وقنا اسم “الكفافة”، ويصطف خلاله مجموعة من الشباب يطلق فيما يسمى بصف الكفافة ويردوا على المنشد بالأغاني والأناشيد أو العكس فقد يبدأ صف الكفافة بأغنية معينة أو بيت شعر معين ثم يرد عليهم المنشد ببيت شعر على نفس السياق والقافية.
وأوضح فضل أن صف الكفافة يؤدي رقصات مختلفة وينحني بظهره للأمام ويصفق بيديه طوال أداء المنشد للبيت الشعري، ثم يرتفع لأعلى عقب انتهاء المنشد من أداء البيت الشعري، ويرددوا جملة معينة تتناسب مع ما يؤديه المنشد تكون بمثابة “لازمة” أساسية تتكرر باستمرار طوال هذه الفقرة الفنية.
راقصة الكفافة
وأشار الدكتور فضل إلى أن ليالي الكف يتم تنظيمها في حفلات الزفاف بالصعيد وأحيانا تتضمن قيام إحدى أقارب أسرة العريس مثل والدته أو شقيقته بالرقص في وسط الشابا وتسمي “راقصة الكفافة”، للتعبير عن فرحتها بتمام الزفاف، ويصطف الشباب حولها بشكل دائري وأحيانا يصفقون بشدة وأحيانا أخرى يصفقون بشكل بطيء حسب البيت الشعري.
وقال إن ليالي الكف كانت تشهد مشاكل عديدة بسبب أولوية مشاركة الشباب في الغناء والرقص الذين كانوا يتوافدون من كل البلاد للمشاركة في هذه الليالي خاصة حينما يكون منشد الحفل مشهور، لذلك تم تنظيم هذه الليالي بحيث يكون لكل بلد دور محدد في الرقص لمدة ربع ساعة تقريبا يليه دور شباب بلدة أخرى وهكذا حتي يشارك شباب كل القرى الموجودين في الحفل.
رشاد عبدالعال
وأكد الدكتور محمود فضل أن الراحل رشاد عبدالعال كان أشهر فناني الكف في محافظة أسوان، وكان فنان مبدع بطبعه وله العديد من الأغاني المنتشرة في مختلف أرجاء المحافظة، وكان في بعض الأحيان يدخل في منافسات وصراعات فنية مع باقي الفنانين بأسوان أثناء وجودهم معا في مكان واحد بالموالد مثلا، إذ ينتقد كل فنان الآخر بأبيات الشعر ويتصادما ويتصارعا فنيا وسط دراما شعبية جذابة ووسط حضور مكثف من الجمهور، الذي يسمع لهما وكأنه مسرح شعبي، وفي نهاية الحفل يتصالح الفنانان مع بعضهما في جو من البهجة.
فن ارتجالي
يقول سيد الطاهر، طبال بإحدى فرق الكف في أسوان، إن الفرقة تؤدي فن شعبي، وتتكون من أربعة أفراد هم الفنان وعازف العود والدف والإيقاع، وهو فن ارتجالي، إذ ينشد أو يغني الفنان بشكل تلقائي غير مرتب وفقا لما يطلبه صف الكفافة أثناء الحفل، مشيرا إلى أن الأغاني التي يؤديها الفنان خلال ليلة الكفافة تتنوع بين الفرح والحزن والحب والغرام أو مشكلة مثارة في البلدة بألحان جذابة لإسعاد الحضور.
القافية
يقول الفنان أشرف الزناتي، مطرب بفرقة كف بأسوان، إن هذا الفن يبنى على ما يسمي بخان الجرجاوي المتلوت، موضحا أنه عبارة عن 3 جمل تنتهي بكلمات لها قافية واحدة، مثل كلمات ذاتك، ما عوزاتك، معزتك، وهكذا، وهناك فن “الرباعي” وهو عبارة عن جمل تنتهي بنفس القافية مثل “الدنيا غرورة، والناس على العيشة مجبورة، ياما خلايق معذورة، وشاربة مرار الكاس.
وأشار إلى فن السباعي في “الكف” عبارة عن جملتين جملتين، والجملة السابعة تكون بنفس قافية الجملة الأولى وهكذا، ويشترط أن تكون أبيات الأغنية متماشية مع ما يطلبه صف الكفافة، الذي يعتبر مفتاح الفنان، وأحيانا يحدث حوارا بين الفنان و”صف الكفافة” للوصول للمعني من الأغنية.
الحبيب الخاين
وأضاف الزناتي أن “فن الكف” مشهور في أسوان وقنا ويعبر عن الفلكلور الصعيدي، ويتناول موضوعات عن الصاحب في الدنيا، أو الحبيب الخاين، ويلعب “صف الكفافة” دور كبير في اقتراح الأغاني، أو الأناشيد أثناء الحفل، ومعظم ما يردده الفنان يكون بشكل تلقائي، غير محفوظ مسبقًا، ولكن هذا لا يمنع من ترديد كوبليه قصير لكبار المطربين المشهورين مثل عبدالحليم حافظ، أو نجاة الصغيرة خلال الحفل.