تاريخ ومزارات

بردية موسـكو الرياضـيّة

بردية موسـكو الرياضـيّة، هي برديّة مصـريّة من أقدم إن لم تكُن أقدم الأدلّة الأركيولوچيّة المعروفة بالعالم التي تتحدّث عن العلوم الرياضيّة؛ مثل الجبر والهندسة وحساب المثلثات، ويبلغ طولها 5.5 متراً، وعـرض 8 سم، وتـرجع أقدَميّة بردية موسكو هذه إلى كونها مؤرّخة إلى فترة زمنيّة مُحدّدة بدقة، على عكس بعض الأدلّة التي يتمّ تأريـخها بعِدّة قرون كفارق زمني تقريبي غير دقيق ومُحدّد.
بردية موسكو تحتوي على 25 تمرين في العلوم الرياضيّة، بنظريّات مُختلفـة، ومن بينهما تمرين لحساب حـجم الهرم الناقص، وهو تمرين شائع اليوم بصيغ عديدة في الهندسة الرياضيّة تمّ اقتباسه من العلوم الرياضيّة المصريّة.
يرجع تاريخ هذه البرديّة إلى عام 1850-1800 قبل الميلاد، ولكن أصول عِلم الهندسة ترجع إلى قبل ذلك العهد بحوالي أكثر من 7 قرون، حيث أنّ أقدم مُهندس ذُكر ومعروف في التاريخ، هو المُهندس إمحوتب، مُشيّد هرم الملك زوسر في حوالي عام 2620 قبل الميلاد، أقـدم بنـاء حجـري هندسي معروف في التاريخ.
يذكُر العديد من المؤرّخيـن الأوائل في بـلاد الإغريق وروما، أمثال إيسُقراط، وإيكلمندس السكندري، ويامبليخوس، على أنّ الرياضيّاتي الشهير فيثـاغورس انـطلق من بلدة ساموس إلى مصر بعد أن نصحه طاليس عالم الفلك والرياضيّاتي في اليونان، وذلك للتعلّم والدراسة بها، وخضع فيثاغورس بمصر للخِتان (الطهارة: العـادة التي لم يمارسها غير المصريّين في ذلك العصر) ليتمّ قبوله للدراسة على أيدي الكهنة المصريّين في مدارس (معابد) منف، طيـبة، هليوبوليس، هرموبوليس، كما ذكر أفلاطون وبلوتارخ أنّ فيثاغورس تأثّر كثيراً بالعلوم الدينيّة المصريّة، وفلسفتهم في الحياة والموت، والتي نقلها لاحقاً إلى بلاده.
ذكر المؤرّخين أنّ فيثاغورس ظلّ يتعلم في مصر لمدة 22 سنة تقريباً، ودرس الفلسفة والفلك والرياضيّات على أيدي كهنة مصر، قبل أن يغزو الفُرس الأراضي المصريّة، وقاموا بأسر مُعظم الكهنة المصريّين ومعـهم فيثـاغورس إلى بابل، حيث اختلطوا بمجـوس (كهـنة) المديـنة التـابعين للفُـرس، لمدة تقارب 12 سنة تقريباً، قبل أن يتحرّر فيثاغورس من أسره، ويعود إلى بلاده ليؤسّس مدرسته الخاصّة المُقتبسة نظاميّاً من المعابد المصـريّة التي كان قد درس بها، ويذكـر أيضاً الكاتب الاغريقي أنتيفون Antiphon of Rhamnus، من القرن الخامس قبل الميلاد على أنّ فيثاغورس كان الأجنبي الوحيد الذي سُمح له بتعلّم اللغة المصريّة والعلوم المصريّة على أيدي كهنة مصر في ذلك العصر، فالشائع والمعروف انّ المصريّين القدماء كانوا يتعلّمون جميـع لغات الشعوب التي تتعامل معهم، وتعلّم ثقافتهم وعلومهم، لكن لم يـسمح كهنة مصر أن يتعلّم أحد اللغـة والكتـابة المصريّة، الّا لمن يخضع للخِتان والإيمان بمعتقدات وثقافة المصريّين القدماء، وذلك لاعتقادهم أنّ لُغتهم وكتاباتهم مُقدّسة، وخاصّة بهم فقط.
كما أنّ هناك «ألواح أخميم الخشبية»، التي ترجع إلى حوالي عام 2000-1950 قبل الميلاد، وهي ألواح تحتوي على عدّة عمليّات حسابيّة، وتُحفـظ حالياً بالمتحف المصري بالتحرير.
ولا يُمكننا تجاهل برديّة –يكـاد يجهلـها البعض–وهي بـرديّة كاهون (1878-1814 قبل الميلاد)، فالبرديّة مشهورة للناس على أنّها برديّة طبيّة لأمراض النساء فقط، ولكن في حقيقة الأمر، أنّ البرديّة تنقسم إلى 3 أقسام، قسم لأمراض النساء، وقسم للطب البيطري، وقسم للتـمارين الحـسابيّة، بالإضافة إلى بردية ريند، أو برديّة أحمس، المؤرّخة لسنة 1550 قبل الميلاد، من السنة الـ33 لحـكم أبيبي ملك الهـكـسوس، ومن السنة الـ11 لحكم الملك أحمـس حاكم طيبة، حَـسب اعتقاد مُعظم العلماء، وقد عُثـر على هـذه البردية في مـدينة طيبة، بصعيد مصر، وهي العاصمة المصريّة في عهد الملك أحمس.
تمّ توضيح ذلك فقط لأنّ البعض يدّعي زوراً –عن عمد– أنّ هذه البردية ترجع للهكسوس، وتُحفظ حالياً تحت كود رقم: EA10058، بالمتحف البريطاني، وناسخ وكاتب هذه البردية (بردية ريند الحسابية)، والذي يُدعى أحمس، ذكر في سطور البرديّة أنّـه نسخ محـتواها من برديـة أقدم تـرجع إلى عصر الملك المعماري أمنمحات الثالث (1860-1814 قبل الميلاد)، وعلى الأرجـح، يجـهل البعـض أنّ أرقـى الوظـائف فـي مصر القديمة التي كان يحصل عليها المصريّين هي وظيفة ومهنة الكاتب، أو مهنة الناسخ، كانت مهنتهم كتابة أو نسخ برديات معينة، وتـوثيقها ان كانت منسـوخة من بـردية أقدم.
«أشهد أنّ هـذه الوثـيقة (البرديّة) قد نُسخت في العـام الثالث والثلاثين، في الشـهر الرابع من فصل الفيـضان، في عهد ملك مصر العليا والسُفلى عاو سر رع (أبيبي)، نقلاً عن وثيقة أقدم تمّ تدويـنها أيّام ني معـات رع (إمنمحـات الثالث) مـلك مـصر العليا والسُفلى، وكاتب هذه النُسخـة الكـاتب أحمس» – هكذا افتتح أحمس سطور البرديّة ولم ينسبها زوراً لنفسه.
أمّا برديّة موسكو من القرن التاسع عشر قبل الميلاد، فتُحفظ تحت كود رقم: E4676، بمـتحف بوشـكين للفـنون، موسـكو، روسيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى