تاريخ ومزارات

الطعام في الأمثال الشعبية.. وعشق المصريين منذ أيام الفراعنة

تزخر الثقافة الشعبية بالعديد من الأمثال التي ترتبط بالمواقف الحياتية، وتعد تجسيدا لمعتقدات وعادات وتقاليد الشعب، فهي عصارة تجربة الشخصية المصرية التي انتقلت إلينا من جيل إلى جيل كونها أحد أهم أنواع الأدب الشعبي.

واجتهد اللغويون العرب في جمع الأمثال الشعبية مثل”مجمع الأمثال” للميداني، و”العقد الفريد ” لابن عبد ربه الأندلسي، و”الأدب الكبير” لابن المقفع، كما جمعها المحدثون مثل “معجم الأمثال” لأحمد تيمور.

وتظهر الأمثال الشعبية وقوة تغلغلها في الثقافة الشعبية حيث يمكنها أن تشكل بعض أنماط واتجاهات وسلوكيات المجتمع رغم أنها بقايا سلوكية وقولية أنتجتها أجيال من الأسلاف، كما أنها تتضمن بعض المعايير الأخلاقية والاعتقادات المثيولوجية، وتناولت الأمثال الشعبية قطاع الحرفيين والمهن المختلفة.

تعريف المثل

تجمع غالبية المعاجم العربية القديمة مثل لسان العرب والقاموس المحيط، أنّ لفظ “المثل” يحمل العيد من المعاني التي تتشابه فيما بينها، فيوصف بأنه النظير، والصفة، والشبه، والمقدار المماثل، والتسوية، والنمط، والقالب.

ويرد المثل في واقعة لمناسبة اقتضت ذكره فيها، ثمّ يتم تداوله علي ألسنة الناس في وقائع عديدة تشابه الواقعة التي قيل فيها، وذلك دون تغيير لكلماته أو دلالاته مع الالتزام بإيجازه وتكثيفه وحمولته الدلالية والتعبيرية ودقته التصويرية، ومن اللافت أن سمة الانتشار والتداول على الألسنة تتداخل في مفهوم المثل.

وعرف أبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي المثل بقوله: “المثلُ ما تراضاه العامّة والخاصّة في لفظه ومعناه، حتّى ابتذلوه فيما بينهم وفاهوا به في السّراء والضّراء”، واستهل الميداني كتابه “مجمع الأمثال” بذكر رأي المبرد قائلا: “المثل مأخوذٌ من المِثال، وهو قول سائر يشبه به حال الثّاني بالأّول والأصل فيه التشبيه”.

وقال إبراهيم النظّام: يجتمع في المثل أربعةٌ لا تجتمع في غيره من الكلام، إيجاز اللّفظ وإصابة المعنى وحسن التّشبيه وجودة الكناية، فهو نهاية البلاغة.

عشق المصريين للطعام

يشكل الطعام أهمية كبرى في حياة شعوب دول حوض البحر الأبيض المتوسط، واهتم المصريين منذ عهد الفراعنة بالطعام، وساعد على ذلك أن المصريين عرفوا زراعة الكثير من الخضراوات والفواكه منذ آلاف السنين حيث تربة أرض مصر الخصبة وماء نهر النيل الوفير، وكان لفترة ليست بعيدة أنواع أطعمة تميز طبقات المجتمع المصري فطعام الفقراء والفلاحين كان يختلف عن طعام الطبقة الوسطي، والطبقة العليا من المجتمع، وقد تناولت الأمثال الشعبية الطعام في مصر في العديد من الأمثال.

أهمية الخبز أو “العيش”

بسبب أهمية الخبز يسميه المصريين دون غيرهم من شعوب الأرض بـ”العيش” كونه يعد عنصرا أساسيا في طعام المصريين منذ بداية الحضارة المصرية وقبل الميلاد، وتناولت العديد من الأمثال “العيش” وأن وجوده ضروري، وقد يغني أحيانا عن أي شيء آخر مثل “الغموس”، فهو يعد سترة للمنزل وأهله عن السؤال والحاجة، ومن هذه الأمثال ما يلي:

أعزم وأكل العيش نصيب
اللي ياكل الرغيف ماهواش ضعيف
أن حضر العيش يبقا المش شبرقة
الجعان يحلم بسوق العيش
الرغيف المقمر للصاحب اللي يدور
إديني رغيف ويكون نظيف
رغيف من تفالي يعدل حالي
العيش أن اتفتش ما يتكلش
العيش مخبوز والمايه في الكوز
العيش زي العيش والدناوة ليش
كل عيش حبيبك تسره وكل عيش عدوك تضره
مالقوش عيش يتعشوا جابوا فجل يدشوا
ما يضحكش حتى للرغيف السخن
الطباخ الشاطر
تناولت بعض الأمثال حرفة الطبخ وأهمية المهارة في الطبيخ، وذلك سواء كان الطبخ مهنة أو طبيخ ربة المنزل، ومن هذه الأمثلة:

الطباخة الشاطرة تكفي الفرح بوزة
مش كل من نفخ طبخ
كثر الطباخين حرق الطبخة
اللي ما لوش غرض يعجن يفضل ست أيام ينخل
اللي واخد على أكلك لما يشوفك يتلمض
ما يكب الملوخية إلا الزبادي العوج
داق الطعمية وباع الطاقية
اللي يلاقي اللي يطبخ له ليه يحرق صوابعه
أطبخي يا جارية كلف يا سيدي
علشان شوية ملح تفسد الطبخة
دخانك عماني وطعامك ما جاني
من عاشر الزبداني فاحت عليه روايحه
صباح الفوال ولا صباح العطار
الجوع
وإذا كنا نتحدث عن الطبخ والطعام فيجب أن نذكر المقابل له وهو الجوع، فقد ورد الجوع في العديد من الأمثال تارة تصف الجوع وقسوته، وتارة للحث على الاقتصاد وعدم الإسراف عن طريق الجوع كي يستطيع الفرد جمع المال، وتارة أخرى تصف التغير في طباع وسلوكيات من شبعوا بعد أن كانوا جوعى أي تحولوا للغني بعد الفقر، ومن الأمثلة التي تتناول الجوع ما يلي:

اللي يشبع بعد جوعه أدعوله بثبات العقل
الجعان يمدغ الظلط
بعد ما أَكل وِاتّكى قل: ده رِيحته مستكى
جوع سنة تغتني العمر
بعد الجوع والقلة بقالك حمار وبغله
الجوع كافر
جوعه على جوعه خلت للعويل رسمال
لقمة في بطن جائع خير من ُبنا جامع
قالوا للجعان واحد في واحد بكام؟ قال برغيف
شبعة بعد جوعه
الشبعان يفت للجعان فت بطيئ
اللي ياكلك الفتة يطلع الصاري
التندر بالبخل في الطعام
هناك العديد من الأمثال تقال للتندر بتباهي البعض بأشياء أو طعام قد يكون بسيطًا للغاية ولكنهم لبخلهم يرونه عظيمًا فهو لم يعتد على تقديم شيء أو طعام، وعندما يقدم شيء يكون شحيحًا للغاية ومن تلك الأمثلة ما يلي:

جارية وزبدية على بدنجانة مقلية
طبق وجارية على صحن بسارية
الفشر والنشر والعشا خبيزة
نايبك في الدست والمغرفة تايهه
المحدث يوم ما يطبخ يسرخ
مكسور ما تاكلي.. وصحيح ما تكسري.. وكلي يا مرات أبني لما تشبعي
ملوخية وعيش لين.. يا خرابك يا مزين
قال ضعيف وياكل مية رغيف
لا يفوته فايت ولا طبيخ بايت
البطيخة القرعة لبها كثير
الضيف المتعشي تقله ع الأرض
وجع بطني ولا كب طبيخي
القناعة والنفس العزيزة
“قدح من الماء يروي الغلة” وردت هذه النصيحة ضمن تعاليم دنيوية للمصري القديم، وجاءت في برديات شخص يدعى “كاجمني”، وهي تدل على أن الشخص يكون قنوعا ولا يشتهي طعام غيره، واستمرارا على ذلك تؤكد الأمثال الشعبية على أهمية القناعة في الأكل، فيقال النفس القنوعة لها الجنة، وتحث بعض الأمثال على عدم الاهتمام بالطعام على حساب المظهر الخارجي، وتؤكد على أهمية أن طعام الشخص وإن كان بسيطا أفضل من سؤال الناس ومن هذه الأمثال:

آكل شعير ولا قمح العويل
الحس مسني وابات متهني
اللي ياكل بلاش ميشبعش
عدي على عدوك جيعان ولا تعدي عليه عريان
اللي قطم قطمه يلطم لطمة
اللي ياكل بالخمسة يلطم بالعشرة
بصلة المحب خروف
اللي ياكل حلوها يتحمل مرها
دبر غداك تلقى عشاك
من حف غموسه ياكل عيشه حاف
من وفر غداه لعشاه ما شمتت فيه عداه
بيضة النهارده أحسن من فرخة بكرة
بدال اللحمة والبدنجان هاتلك قميص يا عريان
بدال لحمتك وقلقاسك هاتلك شدة على راسك
اللي ياكل قد الزبيبة لا يصيبه عيا ولا نصيبة
لقمة جاري ما تشبعني وعارها متبعني
اللي يكرهك يقولك كل من قدماك
اللقمة الكبيرة تقف في الزور
اللي يريحك من التوم قلة أكله
كل قرصك وألزم خصك
آكل فول وأخرج قفاي عرض وطول ولا آكل كباب والديانة واقفة وراء الباب
الكرم والبشاشة
ويوجد أيضًا أمثله تحث على الكرم والبشاشة عند تقديم الطعام أو دخول الضيف للمنزل أو من يطعمك طعامه ومن هذه الأمثلة ما يلي:

اطعم مطعوم ولا تطعم محروم
اللي يفتح بابنا ياكل لبابنا
تاكله يروح تفرقه يفوح
غدينى ولا تعشينى
على لساني ولا تنساني
كل لقمة تنادي أكالها
اللقمة الهنية تكفي مية
المبشة ولا أكل العيش
لاقيني ولا اتغديني
اللقم تمنع النقم
كل ما يعجبك وألبس ما يعجب الناس
اللى تاكله بشوق يجوع
إن رخصت اللحمة رخصت الكروش
كل لقمة بتنادي أكالها
استنادا لما ذكر يتبين أن الطعام حظي باهتمام كبير في حياة المصريين، والأمثلة السابقة جزء قليل من الأمثلة التي تناولت الطعام في حياة المصريين، وكما قلنا أن الأمثال الشعبية تشكل بعض أنماط واتجاهات وسلوكيات المجتمع، فلا عجب أو اندهاش عندما يطالعنا تقرير صادر عن دراسة إحصائية للمركز المصري للتعبئة والإحصاء تقول أن قيمة ما ينفقه المصريون على بند الغذاء خلال عام كامل يبلغ نحو 200 مليار جنيه، وينفقون يوميا نحو مليار ونصف خلال شهر رمضان على نفس البند.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى