باحث في الآثار يكشف أهمية نهر النيل عند المصري القديم
أسماء صبحي
“هو الذي يأتي في وقته ويذهب في وقته، هو الذي يحضر المأكل والمؤن، هو الذي يأتي بالأفراح، المحبوب جداً، رب الماء الذي يجلب الخضرة، يتفانى الناس في خدمته وتحترمه الألهة”.. هذا النص جاء يصف ظاهرة جغرافية تعد بالغة الأهمية والتأثير في أفكار المصريين القدماء، وهي من أهم العوامل المؤثرة في نشأة عقيدة المصريين القدامى في البعث.
ومن خلال نظرتهم لـ نهر النيل ، اكتشفوا أن له أهمية بالغة في تكوين مصر وتطورها عبر التاريخ. فهي مرتبطة به في جميع مظاهرها البشرية والحيوانية والنباتية (فمصر هبة النيل).
نهر النيل مصدر الحياة
ومن جهته، قال طلعت الشواف، الباحث في الآثار المصرية القديمة، إن نهر النيل يعد مصدرًا جلياً للحياة في مصر القديمة. وله دورة ميلاد وموت سنوية مثل الشمس تماماً، ففي الصيف ينخفض منسوب المياه فيه مما يؤثر ذلك على الحقول الزراعية. وبعد ذلك تبدأ المياه بالإرتفاع إلى أن تغمر مساحات كبيرة جداً. حيث تقوم كمية الطمي المحمولة إلى الأرض بإعادة خصوبتها لها.
وتابع: “مثل ماتعودنا من المصريين القدماء بصفة عامة، والملوك المصريين بصفة خاصة. فقد بذلوا جهدًا كبيرًا جداً لكي يعرفوا منابع النيل الحقيقية ولكن لم يستطيعوا”.
وأشار الباحث في الآثار المصرية القديمة، إلى أن الحملة الأولى كانت بأمر من الملك رمسيس الثاني، ولكن لم يفلح فيما خطط له. والحملة الثانية كانت بأمر من الملك بسماتيك الذي حكم مصر من عام 664 ق.م إلى سنة 610 ق.م. وأمدها بكل ما تحتاجه من مؤن وأغراض، وعلى الرغم من ذلك لم تفلح أيضاً في معرفة المنابع. مع أنهم نجحوا في اكتشافات في غاية الأهمية بالنسبة للمناطق الإستوائية.
وأوضح الشواف، أن المحاولة الثالثة كانت بأمر من قمبيز والإسكندر الأكبر. ولكنهم لم يفلحوا أيضاً حيث قال عنه يوليوس قيصر “إن النيل يخفي رأسه عن الأنظار كحسناء لا تبرح عن دلالها مهما أطال إليها المتشوق الضراعة والإستعطاف.”
تقديس المصريين
وقال الشواف، إن المصريين القدماء قاموا بتقديس نهر النيل اعترافًا بفضله وتمجيدًا له ولهيبته. ورمزوا له بالنتر (حابي – HaPi) ومثلوه بهيئة رجل ضخم البنية ذو شعر طويل. وله ثديان بارزان وبطن ضخمة رمزاً لإخصابه، وبهذا يكون خنثي الجنس يحمل صفات الأنثى والذكر. وقد اعتاد المصريون القدماء على تقديم القرابين له وتأليف الأناشيد لتمجيده ولقبوه في بعض هذه الأناشيد.
أبي الالهة
(ابي الألهة)، من المحتمل أن يكون هذا اللقب قد استعير من النتر (نون) إله المياه الأزلية. وسبب ذلك أنه ذكر في بعض النصوص الدينية أن النيل ينبع من المياه الأزلية. وفي اعتقاد المصريون القدماء أن فيضان النيل السنوي الذي يبعث الحياه والخضرة في أرض مصر يشبه زواج اوزريس من ايزيس الذي أثمر عن وجود (حورس). حيث جاء في نص كتابي (كل من يري النيل في فيضانه تدب الرعشة في اوصاله أما الحقول فهي تضحك، والشواطئ تكسوها الخضرة، وتعلوا الفرحة وجوه البشر، وأما قلوب الألهه فتخفق من السعادة).
ومما يتصف بالنتر (حابي) أنه المزاج الغير مستقر. فتارة يرضى فيأتي فيضانه بإرتفاع مناسب، وتارة أخرى يغضب فيبعث فيضان مرتفع جداً يهدد الأرض بالغرق أو منخفض جداً يهدد الناس بالمجاعة. لهذا فيلزم إرضائه وتقديم الهدايا والزبائح والقرابين له.