في دورته التاسعة: «شجرة البرلس تطرح سمك» ..تفاصيل مثيرة
دعاء رحيل
على ضفاف بحيرة البرلس بشمال الدلتا وبالتحديد في محافظة كفر الشيخ. اجتمع نحو 25 فنانا وفنانة من خارج مصر وداخلها في ملتقى البرلس خلال دورته التاسعة. هذه الدورة مختلفة عن سابقيها فقد أضاف الملتقى الأسماك الخشبية هذا العام. حيث تم جلب الأشجار المختلفة للفنانين ومطالبتهم بتشكيلها على هيئة أسماك والرسم عليها، ونستعرض خلال السطور التالية تفاصيل الملتقى.
رسالة للعالم
يقول الفنان التشكيلي عبدالوهاب عبدالمحسن، مؤسس مهرجان البرلس ورئيس الملتقى: “الدورة التاسعة من الملتقى تستضيف 25 فنانا وفنانة من الهند وصربيا وإيطاليا وبولندا وهولندا والنرويج وتونس والأردن والسعودية. هذا بجانب الفنانين المصريين. وبالتزامن مع استضافة مصر مؤتمر المناخ جاءت هذه الدورة مختلفة جدا. إذ تعرف البرلس بطابعها البيئي المميز، وتأثرت كثيرا بالتغيرات المناخية. لذا استحدثنا هذا العام بجانب تلوين الحوائط والرسم على المراكب، تشكيل الأسماك الخشبية. حيث وضع كل فنان بصمته وأسلوبه الخاص عليها. فقط حولنا الأخشاب المهملة التي قد تحرق وتضر البيئة، إلى لوحات فنية تنطق بالحياة”.
وتابع: من خلال الملتقى نحاول نشر طاقة إيجابية وبهجة وفن وسط الأهالي وكل من يرى أعمالنا الفنية. كما نريد أن نرسل رسالة للعالم، أن مصر بخير وأمان واستقرار، وأننا مستعدون لاستقبال الجميع. كما نحاول التعريف بالمكان من خلال الفن وتسليط الضوء على منطقة البرلس وبحيرتها الساحرة، في محاولة لجذب السائحين لزيارة المكان، الذي يجمع العديد من مقومات الإلهام للفنانين والزائرين على حد سواء.
حدث كبير وتحدي دائم
يقول الفنان التشكيلي زكريا أحمد حافظ، الأستاذ المتفرغ بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا: “أشارك في الملتقى للمرة الثانية، فالحديث عن الفن رحلة مستمرة وأجمل ما فيها الجمال الذي يعد لغة الرقي والمحبة على مر العصور، ويمثل ملتقى البرلس حدثا كبيرا لي كما أنه يترك أثرا كبيرا في نفسي”.
وتابع: الملتقى نقطة تلاقي الرؤى الفنية والثقافات المختلفة من شتى بقاع الأرض. فهو بالفعل حدث فني غير عادي، بالرغم من تجربتي الفنية الممتدة لأكثر من 25 عامًا، لأول مرة أرسم وسط الأهالي في الشارع هنا في البرلس، نساء ورجال وأطفال، هذا المشهد جدير بأن يخلق حوار ثقافي وفني وإنساني كبير لا يتاح للفنان كثيرًا.
وأردف، تجربة هذا العام جديدة، فأنا فنان تصوير ورسم، والعمل على سطح خشبي وجعله في حالة وحدة وترابط كان بالنسبة لي تحديا كبيرا. وفي المرة الأولى استلهمت الجو الشعبي الذي أتميز به في أعمالي وأحبه، واستخدمت التيمة الشعبية العروسة، ورسمت على الحائط التنورة الشعبية.
بينما في هذه الدورة رسمت على الحائط الباليتشو والأراجوز، لأن الرسم على الحوائط له طابع خاص ولابد أن يكون مبهجًا يجذب أنظار المارة في الشارع، ويبث فيهم السعادة، والطاقة والإيجابية. وأكثر ما أسعدني ولفت انتباهي، سعادة أطفال القرية ومتابعتهم لنا، فور خروجهم من المدرسة يهرعون إلينا ليروا ماذا أضفنا جديد على الحائط. حيث يحاط الفنان بما يقرب من 40 طفلا من 3 سنوات لما فوق ينظرون بسعادة ولهفة.
تجربة مختلفة
للمرة الثالثة تشارك الفنانة التشكيلية سماء يحيى في ملتقى البرلس، وتقول: “بالطبع أنا سعيدة جدا بمشاركتي هذا العام، في المرة السابقة رسمت على حائط أحد المنازل المطل على البحر سيدة تنظر إلى البحر من بلكونة منزلها في حالة انتظار، فنحن نحاول رسم أشياء قريبة من جو المنطقة وطابعها. أما هذا العام فرسمت نبات الصبار في محاولة لتغيير تلك الفكرة، واستحداث أشياء وعناصر مختلفة وجديدة على المنطقة. لذا اخترت نبات الصبار، لكن استخدمت الألوان المختلفة من أحمر وأصفر وغيرها لتكون مبهجة ومليئة بالفرحة لإسعاد الأطفال”.
وتابعت، الجديد أيضا هذا العام بجانب الحوائط والمراكب كانت السمكة الخشبية، حيث وفر لنا الفنان عبدالوهاب مجموعة من الأخشاب على هيئة سمكة، وكانت بالفعل تجربة ملهمة حركت خيالنا كفنانين. فكل فنان تعامل مع السطح حسب رؤيته. وكانت تجربة إعادة تدوير تلك الأخشاب المهملة التي كان مصيرها الحرق وتحويله لأعمال فنية رائعة، تجربة هامة، ولاسيما وأنها تتزامن مع مؤتمر المناخ.
وأضافت، تعامل بعض الفنانين مع الأسماك على أنها تمثال، والبعض على أنها لوحة، حسب تخصص كل فنان ورؤيته، بالنسبة لي وأنا أعشق التراكيب الفنية، ولأن المنطقة تشتهر بصناعة المراكب. فقد ركزت على هذا الجانب و استخدمت المعدن وقمت بإضافة المسامير القديمة للمراكب لتصميم السمكة الخاصة بي، في إشارة لطبيعة المكان ونشاط السكان.
طاقة جديدة
تتحدث نيفين فرغلي، أستاذ بكلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان عن مشاركتها الأولى بالملتقى، وتقول: “أعتقد أنها تجربة لطيفة للغاية، وكنت سعيدة هذا العام بفكرة السمك، حيث إن طبيعة الخشب تفرض على كل فنان البحث عن حلول مختلفة، لذا جاءت النتائج مختلفة ومتنوعة من الأعمال الفنية، وأظهرت شخصيات الفنانين”.
وتابعت: أعمل دائما بخامة المعدن، وهذه أول مرة أعمل على الخشب. لذا جاءت السمكة الخاصة بي عبارة عن دمج ما بين المعدن والخشب، وكنت سعيدة بتلك التجربة. حتى أنني أفكر في تكرارها في أعمال فنية أخرى فيما بعد.
وأضافت، عندما تمت دعوتي لحضور الملتقى، كنت أخطط أنني لن أشارك في رسم الجداريات، فهذا بعيد عن تخصصي تماما. لكن عندما حضرت وشاهدت الحالة الرائعة التي كانت موجودة والروح الرائعة ما بين الفنانين وتفاعل الأهالي. قررت عيش التجربة معهم، والشعور برد فعل الجمهور أثناء إنتاج العمل الفني في نفس اللحظة. لذلك أشهد أن هذه التجربة منحتني طاقة جديدة ومختلفة، وأتمنى تكرارها في أماكن أخرى في مصر.
شجرة البرلس تطرح سمك
تشارك الفنانة التشكيلية عبير السيد، لأول مرة هي الأخرى في ملتقى البرلس. وحول مشاركتها تقول: “هذه أول مرة أعمل على محيط مجسم، بالإضافة للرسم على الجداريات، وحاولت أن أدمج بين الألوان المبهجة وبحيرة البرلس الساحلية ومياهها بأسلوبي الخاص”.
وأردفت: أتأثر كثيرًا في أعمالي بالرموز الفرعونية مثل القط على سبيل المثال. وتلك المرة أضفت السمك، ورسمت على جدار شجرة تطرح سمك وأسميتها “شجرة البرلس تطرح سمك”، هذا بالنسبة للحائط.
أما النسبة للسمكة الخشبية المجسمة، كانت بالنسبة لي مفاجأة، فلن أرسم هذا العام على المركب، ولكن على مجسم يشبه السمكة. وتعاملت أنا معها على أنها عمل ومجسم نحتي. فقد كانت قطعة ثرية للغاية. فهي قطعة خشب حقيقية من شجرة السنط، وحاولت أن أوظف ألواني مع خطوط وألوان الخشب نفسه دون أن تطغى على لون الخشب الأصلي.
وتابعت، تصميمي للسمكة رأيتها عبارة عن ملكة ترتدي فستان أبيض ينتهي بجزء يشبه ذيل لسمكة، وكأنها عروسة البحر، واستخدمت الألوان الأحمر والأسود والأبيض والذهبي بجانب لون الخشب الطبيعي، وتعاملت مع السطحين. وأتمنى تكرار التجربة مرة أخرى، في تحويل الأشياء المهملة في الطبيعة إلى أعمال فنية.
تجربة مثيرة وملهمة
أما الفنان الكبير محمد عبلة يقول عن مشاركته في ملتقى البرلس هذا العام: ” أرى أنها تجربة مثيرة وملهمة للغاية. حيث يجتمع مجموعة كبيرة من الفنانين المصريين والأجانب في تعايش تام مدة أسبوعين بقرية البرلس. يتشاركون ويحتكون ويتفاعلون مع الناس من أهالي المنطقة، يرسمون ويلونون الجدران، وسط تفاعل ومشاركات الأهالي. هذا بجانب استمتاع الفنان بالطبيعة الساحرة من حوله بعيدا عن المراسم المغلقة، وبالطبع كل عام يكون لها طعم مختلف”.
وتابع: كل عام من ملتقى البرلس تختلف القرية، فهناك منازل اختفت، وهناك منازل جديدة على سبيل المثال. كما أن لدى القرية الآن وعلى مدار الأعوام السابقة من الملتقى العديد من ذكريات الفنانين وبصماتهم متبقية على حوائط القرية. بجانب تلوين ورسم المراكب التي تشتهر بها المنطقة. وهذا العام تم إدخال عنصر فني جديد وهو الأسماك الخشبية. حيث التزم كل فنان بوضع لمساته الفنية على الأسماك الخشبية، تلك الأخشاب المحلية التي جاءت من المنطقة.
واختتم حديثه: “استمتعت كثيرًا بالتجربة ومشاركة الفنانين، ورسمت على ثلاث سمكات. فهي تجربة مثيرة العمل على سطح خشبي غير محدد الملامح. وأرى أن تجربة البرلس من التجارب الهامة والملهمة، والتي لفتت الأنظار لتلك المنطقة. كما أصبح العديد من شباب بلطيم والبرلس والذين كانوا أطفالًا عندما بدأ الملتقى يدرسون الفنون في الكليات المختلفة. فقد كان تأثير رؤية الفنانين والفن من حولهم كبيرًا وملهمًا. وأتمنى أن يكون هناك الكثير من التجارب تلك في العديد من القرى المصرية”.