المزيدفنون و ادب
أخر الأخبار

الشعر السعودي المعاصر رؤى وقضايا ثقافية

 

كتب – حاتم عبدالهادي السيد

هل كان الشاعر السعودى / محمد السقاف فى ديوانه ( وحيداً معى ) ينشد الوحدة مع الذات ، أم أنه كان يعزف على وتر ربابته أغنيات الوجع الشَهى ووحدته اللامتناهية ؟ أم تراه استعذب الوحدة ، وأراد أن تشتبك الذات مع العالم لديه ، مفترضاً عزلة زمانية ومكانية فى العالم الذاتى ، الذى قرر فيه أن يكون وحيداً مع نفسه ؟!! .
ولنا أن نتسائل عن السمت الجوهرى أو العميق لهذه الوحدة ؟ ما دوافعها ؟ وكيف له أن يحيا وحيداً مع ذاته ؟ وهل تراها وحدة مؤقتة ، أم هى مباغتة منه لاشراكنا فى هذه اللعبة الذاتية التى أحكم نسجها ببراعة اختياره للعنوان الدال والمثير للدهشة وللشعور بالعزلة ، أو برغبته فى الوحدة التى لايدعو أحداً للتشارك معه فيها ؟ أم تراه – بخيلاء الذات – يقصى الآخرين من عالمه ، ليدلّل الى نفوره من شىء ما ، فى الكون ، والعالم والمجتمع ، جعله يقنع وينزع الى الوحدة والعزلة : أهى محبوبة فقدها ، وساقته الأقدار الى الوحدة ؟ أم تراه قد تعرّض لحادثة مريرة ، ووجد أن الوحدة هى خير صديق للافضاء ، ولمراجعة الذات بالحديث اليها والتّشرنق عبر خوالجها الدفينة ؟! .
ان سيمولوجيا العنوان تجعلنا نقف فى حيرة من أمر الكاتب ، لنتخيل لماذا جنح الراوى الى هذه العزلة الاختيارية ؟! .
ان مفارقة العنوان ودلالاته الرامزة ، تحيلنا الى توقّع العديد من المفاهيم الأولية حول هذه الشخصية الاستعلائية ، أوالمقروحة ، المجروحة ، الانطوائية ، التى آثرت الوحدة بديلاً عن العالم ، وأسئلته ، وصخبه ، وتموّجاته المتنامية ، اذ نراه يؤطّر للذات مساحة على حساب الشّعرية ، فلربما دخل الى بؤرة الذات ليستنطقها ويشكو اليها ! … ، وربما ، هو عازف غير مبال ، أو مغنى رمته أقدار الزمن فى أثر العزف منفرداً على ربابة الوحدة ، ليخرج لحنه منفرداً لا يشاركه فيه أى انسان ؟ ، أو هو نوع من النكوص داخل الذات لاستنباط خوافيها ، والكشف عن أشياء لا يريد أن يظهرها على العالم ، لكنها تمثّل ذكريات ، وخصوصيات ، تمنعه من الافضاء الا الى الذات فقط !! .
ان العنوان القلق ، والمقلق ، يحيلنا الى دال أول ، لشاعر يستنطق الذات المفردة ، ليكتشف عالمها / عالمه ، وربما يباغتنا بعد ذلك بالولوج الى ذواتنا كذلك .
ان الأسئلة تطرح افتراضاتها من أجل فك شيفرة العنوان الملغزة ، والتى تشى بعالم للذات عبر تقوقعاتها وعوالمها الخاصة .
اننا اذن أمام نص ذاتى منذ البداية – كما تدلل سيموطيقا العنوان ، فهو العلامة الأولى ، أو العتبة السيموطيقية التى نلج منها الى عالم الشاعر ، أوالراوى العليم ، أو المخاطب ، الذى يقف فى برّية السكون ، ويدعو العالم والبشر الى الابتعاد ، أو ليخبرهم بأنه يفضّل ذلك ، وعلى الآخرين ألا يقوموا بازعاجه ، لأنه سينفرد بالذات ، والتى تمثّل ( المعادل الأنوى الموضوعى ) لسيميّاء النفس المفردة ، أو الذات المتفرّدة كذلك .
هذا ويمثّل الخطاب الشعرى العلاماتى مدخلاً أولياً مهمّاً لاستكناه ماورائيات المعنى الدال ، دون حاجة منا الى اضافة الغاز ، يستتبعه اغلاق فى المفاهيمية التى يتبسّط فيها الشاعر فى ايراد دلالة خطابه الشعرى ، ببساطة ، وهدوء شديدين أيضاً .
وبداية فان الشاعر يقدّم لنا فى هذا الديوان مائة قصيدة تدلّل الى أحوال الذات ، والوحدة ، وتلك لعمرى حالة أراها تمثّل فرادة أولى ، فى الشّعرية العربية ، لاستكناه بواطن الذات وأحوالها ، وما تشعر به ، وكأنها الأيام المائة فى أحوال هذا الفيلسوف ، وهى سنوات عشر- كما سيجىء – يمثل كل عام فيها عشرة أحوال / قصائد ليحيلنا عبر الخطاب الذاتى الى الغوص معه فى بحر ذاته المتلاطمة من أجل الكشف عن الماهية المتبدّاة خلف هذه الذات الهائمة فى هيولى الكون ، ذا السديم اللامتناه ، واللامحدّ أيضاً ، والذى يجمع أجزاء الأنساق المتساوقة ليدلل الى الاغتراب والفقد ومرار بعاد المحبوبة عنه ، لذا نراه يهيم فى برّية العالم ليبحث عن خلاص للذات المجروحة بفعل ابتعاد الحبيبة وصدَها عنه ، ولا مبالاتها اللامتناهية ، وكأنها زاهدة فيه ، وهو يتطلع اليها كصوفىّ فى محراب الكون ، أو كعاشق يستمتع بالصّد ويستسيغه ، آملاً أن يتغير حال المعشوقة فيتحول حزنه المقيم الى فرح كونى يسع العالم وماوائياته الشاهقة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى