باحثة في الآثار تكشف أسرارًا جديدة عن فترة حكم رمسيس الثالث وبداية الانهيار
أسماء صبحي
منذ انتهاء حكم “رمسيس الثاني”، والبلاط يسير رويداً نحو الإنحطاط. وفتحت غزوات المصريين البلاط الملكي للأجانب الذين كانوا في البداية مجرد سفراء لبلادهم. ولكنهم بعدها أصبحوا مستشارين وأسسوا سلالات من الأعيان. وهكذا بدأ “رمسيس الثالث” حكمه وسط الأطماع الخارجية وتسرب الأغراب لأرض الدلتا.
فترة حكم “رمسيس الثالث”
قالت رودينه نويصر، الباحثة في علم الآثار المصرية، إن رمسيس الثالث حكم حوالي ثلاثون عاماً تقريباً. وكان عليه وضع حد للفوضى التي طالت البلاد، فاتخذ بعض الإجراءات الداخلية في نظام الحكم. حيث أعاد تنظيم الإدارة والعبادة على الطريق الصحيح. والتقسيم الإداري والذي كان عبارة عن طبقات وهم: مسئولون البلاط، مسئولون المحافظات، العسكريون، العمال.
السياسة الخارجية
وأضافت رودينه، أن صاحب الحياة الخالدة ركز على استعادة الهيمنة المصرية التي فقدتها في الوقت الذي اختفت في الامبراطورية الحيثية والكيانات السياسية الأخرى والموقف المعقد مع آسيا. فكان يجب رد قوي من الجهة المصرية في الوقت التي سيطرت فيه شعوب البحر على المملكة الحيثية. واحتلال قبرص ونارينا والغارات المستمرة على كنعان التي كانت من المقاطعات المصرية آنذاك.
وتابعت رودينه، إنه في السنوات الأولى من حكمه حدث زيادة في المهاجرين للدلتا وخاصة الشعوب الهندواوروبية. وفي العام الثامن من حكمه واجه شعوب البحر في آسيا، وحدثت معركة عند مصب النيل وتم تدمير أسطول العدو. واستطاع تعزيز الحدود الفلسطينية التي حمت مصر من الغزو الخارجي. وبعدها تشجع لاستعادة السيطرة على الاستعمار الآسيوي وتم استرداد سوريا جزئياً و٤ مدن محصنة من ضمنهم الفرات. ولكن لم يستمر النصر طويلاً حيث فقدت كنعان.
وأشارت إلى أنه في العام الحادي عشر، حرص الجيش الليبي على الاستقرار في الأراضي المصرية. واتجهوا لممفيس وهناك وقعت المعركة التي انتصر بها رمسيس الثالث. وحكم رمسيس الثالث كان بمثابة فترة شروق وسط عهدين مظلمين. ولكن جميع جهوده أثمرت في البداية وعندما تقدم به السن فلتت زمام الأمور من يده.
وأوضحت، أنه في عهده أصبح لكهنة آمون الهيمنة، وتم إغداق أغلب الثروات عليهم. ولم تكن هذه المسألة الشاذة الوحيدة، بل استعان في حكمه بالأجانب وتولوا مناصب عظيمة في الدولة حتى صار بين الأحد عشر أميناً في القصر خمسة غير مصريين. وملأوا القصر بالفتيات الجميلات سواء من أسرى شعوب البحر أو الآسيويات أو المصريات. وكان يقضي رمسيس أوقاته بينهن وظهر ذلك في الصرح الأمامي أمام معبد مدينة هابو رسوماً له. وهو يداعب فتياته ويلاعبهن لعبة الداما وغيرها من ألعاب التسلية. وهكذا انصرف “رمسيس الثالث” عن تقوية مملكته وأكثر من الجنود المرتزقة ليكونوا عوناً له ضد المصريين الذين أخذوا يأنون من الأوضاع الإقتصادية.
إضراب دير المدينة (الثورة العمالية)
وأكدت الباحثة في الآثار، أن العمال في الجبانة أضربوا عن العمل لأن مقرراتهم لم تصرف لهم لمدة شهرين. وذلك في العام التاسع وعشرين من حكم الملك، وحاولوا أن يلفتوا نظر رؤسائهم ولكن دون جدوى. وفي اليوم التالي هاجموا معبد الرامسيوم فنرى هنا ما وصلت إليه البلاد من فوضى. كما نري قسوة الكهنة الذين كانت مخازنهم مليئة بالحبوب والذهب ولم يقدموا التعاطف للعمال. لدرجة أنه عندما تجمع المتظاهرون خلف معبد مرنبتاح، وقام عمدة المدينة بصرف خمسين غرارة حبوب من معبد الرمسيوم إلى أن يتم دفع مستحقاتهم. وصفوه كهنة آمون بأن ما فعله جريمة كبرى وهكذا سارت الأيام الأخيرة في عهد رمسيس الثالث الكهنة يكدسون الأموال. والأجانب يتحكمون بالبلاد والملك منغمس في ملذاته.
نهاية رمسيس الثالث وبداية انهيار الحضارة
ولفتت إلى أنع بعد كل هذه الاضطرابات، لا دهشة في قيام ثورة من أحد الوزراء في “أتريب” ولكن لم تنجح. وبالرغم من ذلك لم يتعظ رمسيس وبدأت المؤامرات حوله. وعرفنا تفاصيل هذه المؤامرة من بردية هاريس، دبرتها زوجته الملكة “تتي” لأن رمسيس أبعد ابنها عن العرش. وكان يعاونها اثنان من كبار موظفي القصر ولم نعرف مدى نجاح المؤامرة ولكن بعد قتل الملك قبض على المتآمرين. وهم: الملكة تتي، الأمير بنتاؤرر ابن رمسيس، عشرة من الموظفين، ست نساء كانوا حلقة الوصل بين الملكة ومعاونيها.
وتابعت: “ظهر في التحقيقات أن من بين الأربعة عشر موظف من المحكمة، أربعة أجانب. وظهر أثناء النظر في القضية ثلاث قضاة وضابطان شرطة في بيت أحد المتهمين والنتيجة أزيحوا من منصبهم وبرئ أحد القضاة. اما الآخران وضباط الشرطة حكم عليهَ بجدع الأنف وصلم الأذنين فانتحر أحد القضاة بعد سماع الحكم. وحكم على الأمير بنتاؤور بالإعدام هو وثلاث متآمرين. أما الملكة تتي فلم يُعرف مصيرها.
وهكذا انتهت حياة الملك رمسيس الثالث وانتهت معه هيبة ملوك مصر القديمة، ولنكون منصفين فقد كان أول خمس وعشرون عاماً من حكمه مجداً لمصر وحافظ على الإمبراطورية، وتوالى بعده الملوك رمسيس الرابع إلى الحادي عشر إلى الملك نختنبو الثاني آخر الملوك من السلالة الملكية. وكانت أحوال مصر في تلك الفترات من سيئ لأسوء.