تاريخ ومزارات

بوتو مدينة تاريخية حافظت على مكانتها السياسية بعد توحيد القطرين..اعرف حكايتها

دعاء رحيل

في شمال الدلتا بقرية إبطو، الواقعة بالقرب من مدينة دسوق، التابعة لمحافظة كفر الشيخ، تقع مدينة “بوتو” التي يطلق عليها حاليا اسم “تل الفراعين”، التي تعد أول عاصمة سياسية في مصر السفلى في عصر ما قبل الأسرات قبل قيام مملكة الجنوب وتوحيد القطرين.

المدينة المقدسة

تقع “بوتو” أو “تل الفراعين” على بعد 24 كم، إلى الشمال الغربي، من مدينة كفر الشيخ، وهي عبارة عن مجموعة من التلال الأثرية، فكانت رمزا للشمال، وهي من المدن المقدسة حيث كانت تعتبر المصدر الوحيد لإضفاء شرعية الحكم لملوك مصر، حيث كان عليهم الذهاب إلى “بوتو” لتقديم القرابين للإلهة “واجت” ربة تل الفراعين ورمز القوة والسلطة، إذ كانت يشد لها الرحال فهي من مدن الحج مثل “أبيدوس” التي ولد وتوّج بها حورس.

الأهمية الدينية

ترجع الأهمية الكبيرة لمدينة “بوتو- تل الفراعين” بارتباطها باثنين من أهم الآلهة في العقيدة المصرية القديمة وهم “حورس” و “وادجيت” مما أدى إلى وضع بوتو في مكانة دينية هامة في مصر القديمة، حيث كان يقصدها الحجاج من الملوك والأفراد في حياتهم وبعد مماتهم، لذا احتفظت “بوتو” بمكانتها وأهميتها الكبيرة طوال العصور المصرية القديمة، رغم انتقال عواصم مصر الموحدة من مدينة بوتو إلى مدن أخرى في صعيد مصر، الأمر الذي يجعل للشمال “الدلتا” ثقلا سياسيا ودينيا في عصور ما قبل التاريخ.
عاصرت “بوتو” مدينة “نخن” عاصمة الوجه القبلي الواقعة شمالي إدفو، فكانت “بوتو” عاصمة الوجه البحري وأقدم عواصم الدلتا، ومقرا لحكام الشمال ولمملكتهم الشمالية الموحدة قبل قيام الملك “نارمر” بتوحيد القطرين، ارتبطت مدينة “بوتو” بتاج الشمال الأحمر، كما انها احتفظت بمكانتها بعد توحيد القطرين فظلت الربة “واجيت” حامية البلاد تعتلي جباه الحكام طوال تاريخ مصر القديمة، حسبما ذكر مجدى شاكر، كبير الأثريين بوزارة الآثار.

التسمية قديما

ويشير “شاكر” إلى أن “بوتو” أو “إبطو” كانت تسمى في المصرية القديمة “بر واجيت” بمعنى بيت واجيت، كما كانت تسمى “به” أو “بي” بمعنى المقر أو العرش “عرش حور” والتي نطقوها في القبطية واليونانية “بوتو” وتحورت إلى “إبطو” الحالية، توج ملوكها بالتاج الأحمر، واتخذو من النحلة رمزا لها، ونبات البردى شعارا، كما تشير الوثائق المصرية القديمة إلي أن مدينة بوتو كانت عاصـمة لمصر السفلي.
“واجيت” كانت تصور على هيئة امرأة برأس ثعبان أو كثعبان الكوبرا المصرية، وأحيانا كانت تصور كامرأة مع رأس مزدوج على هيئة ثعبانيين، أو كثعبان برأس امرأة، كانت “بوتو” يأتى لها الملوك ليستمدوا منها شرعية الحكم وظلت الحية “واجيت” ربه مدينة “بوتو” شعارا على تاج حكام مصر السفلى، حيث تزين جبهة ملوك مصر طوال العصور التاريخية لتكسبهم الشرعية وتحميهم من كل سوء.

حاضنة “حورس”

ويوضح “شاكر” أن مصادر العصور التاريخية اختصت مدينة “بوتو” بحضانة الطفل “حورس” الذي وضعته أمه إيزيس بمدينة “بوتو” أو بتلك الجزيرة المجاورة “أخبيت” في أحراش الدلتا ليكون تحت رعاية وحماية الآلهه “واجيت” ربه مدينة “بوتو” وليكون بعيدا عن بطش عمه “ست”.
ويتابع كبير الأثريين بأن “حور” خرج من مسقط رأسه “أخبيت” ليسترد عرش أبيه “أوزير” المفقود، عندما اشتد ساعد الإله، وكان سكان مدينة “بوتو” أول من أيدوه وتوجوه ملكا على البلاد وساروا تحت لوائه إلى أن حكمت له محكمة الأرباب بأحقيته في إرث عرش أبيه المفقود، وأعلنته إلها لعالم الأحياء، وأعلنت أبيه “أوزوريس” إلها للعالم السفلي، فأصبح ملوك مصر القديمة المناصرين لعبادته هم خلفائه وورثته على عرش البلاد.
يقول “شاكر” إنه بوتو لم تفقد أهميتها حتى بعد أن نجح ملوك الجنوب في تحقيق الوحدة للمرة الثانية لمصر حوالي 3200 قبل الميلاد، فإن بوتو بقيت مكانا مقدسا لدى المصريين يحرص الملك الجديد على أن يتوج بها لكسب شرعية الحكم، كما كان أهل الملك المتوفى يحرصون على السفر بجثمانه إلي هناك لكي يضمن رضا آلهته عنه.

ويشير “شاكر” إلى أن بوتو تعرضت عبر التاريخ للتدمير والتخريب على يد الهكسوس في الدولة الوسطى وفي الدولة الحديثة في عهد الملك “رمسيس الثالث” أثناء حربه من شعوب البحر، كما كانت لمدينة “بوتو” دورا هاما في مساعدة الملك بسماتيك الأول والدليل على ذلك وجود اسم “بوتو” بعد اسم “ساو” العاصمة في هذا الوقت ولكنها ازدهرت في عصر الأسرتين 29 و30 والنصف الأول من عصر البطالمة.
ويوضح كبير الأثاريين أنه تم اكتشاف واحد من أروع التماثيل التي تم اكتشفاها بمصر وهو تمثال حورس الصقر بـ”تل الفراعين”، وتمثالين على هيئة أبو الهول من البازلت يعودان إلى الأسرة 29، وواحدة من اللوحات الهامة لدراسة العقيدة في الدولة الحديثة، وهي لوحة “هبات” التي تعود لعصر الملك “تحتمس الثالث” يظهر أعلى اللوحة منظر يمثل الملك راكعا وهو يسكب الماء المقدس ويقدم القرابين، كما تم اكتشاف تمثال مزدوج من الجرانيت الوردي للملك “رمسيس الثاني” والإله “سخمت”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى