قبائل و عائلات

“الغساسنة” قبيلة عربية سكنت الشام وتحالفت مع الإمبراطورية الرومانية.. وهكذا سقطت

أسماء صبحي

الغساسنة هم قبيلة عربية من أزد اليمن، خرجت قبل تصدّع سدّ مأرب. بقيادة زعيمهم عمرو بن عامر إلى سوريا الجنوبية بعد أن أقاموا في يثرب مدة من الزمن. وسمّوا الغساسنة نسبة إلى ماء يقال له غسان في تهامة. وقد نزلوا على هذا الماء بعد خروجهم من اليمن ولم يعرف سبب خروجهم من تهامة وتفرقهم في البلاد. حيث نزل آل جفنة عمرو بن عامر الشام، ونزل الأوس والخزرج يثرب، ونزلت خزاعة الظهران. ونزلت أزد السراةِ السراةَ، ونزل أزد عمان عمانَ، وعندما وصل آل جفنة لبلاد الشام نزلوا في حوران والجولان. ومنهم من نزل الأردن، وليس هناك تحديد للتاريخ الذي استوطن فيه الغساسنة الشام.

عاصمة الغساسنة

اتّخذ الغساسنة في البداية من بصرى عاصمةً لهم، وبعد سقوط مملكة الأنباط. تحوّل الازدهار التجاري والسياسيّ من البتراء عاصمة الأنباط إلى بصرى عاصمة الغساسنة الأولى. وبعد ذلك نقل الغساسنة عاصمتهم إلى مدينة الجابية، ولهذه المدينة موقع استراتيجي تاريخيّ في سورية. واسمها في الوقت الحالي تلّ الجابية، وتقع الجابية في سهل حوران في جنوب سوريا.

في الغرب من مدينة نوى، وفي هذه المدينة التي عَدّها الغساسنة عاصمتهم. عقد الخليفة الراشدي الثالث عمر بن الخطاب مؤتمر الجابية بعد الانتصار العظيم للمسلمين في معركة اليرموك. وتعود أهمية موقع الجابية؛ لأنّه على الطريق الذي يصل بين الجنوب السوري ودمشق، وتحديدًا بين نوى وجاسم.

تاريخ الغساسنة

بعد استقرار الغساسنة في بلاد الشام أصبحت دولتهم حليفة للإمبراطورية الرومانية. وكانوا يقاتلون معهم في حروبهم ضد الساسانيين الفارسيين ومن حالفهم من العرب من سلالة المناذرة. فكانت بذلك أراضي الغساسنة بمثابة منطقة دفاع عن أراضي الرومان ضد أراضي الرومان ضد أي غارات عليها.

قد كان الغساسنة سلالة حاكمة في قبائل التنوخيين الذين استوطنوا جنوب سوريا والأردن “مملكة الأنباط”. واتخذ الغساسنة بصرى عاصمة لهم، ثم تحولوا لاحقًا إلى عاصمتهم الجديدة الجابية. وامتدت مناطق حكمهم لتضم كلًّا من: الأردن والجولان وحوران وغوطة دمشق وجنوب سوريا. ووصلوا في حروبهم حتّى خيبر، وقد اعتمد الرومان على الغساسنة في صراعهم مع الفرس الساسانيين. وقامت دولتهم لمدت أربعمئة وثماني عشر سنة، وامتد حكم الغساسنة على قسم كبير من بلاد الشام. مثل: تدمر والرصافة في وسط سوري، والبلقاء والكرك في الأردن. وقام الغساسنة ببناء القصور والأبراج والقناطر والكنائس، وبعضها ما زال قائمًا في بصرى ومنطقة حوران ومناطق من الأردن.

اهتمّ الغساسنة بالزراعة لصلاح موقع بلادهم لهذا النوع من العمل. فاستغلوا مياه حوران وعمروا القرى والضياع والسدود لجمع المياه والاقنية لتنظيم المياه المخزّنة في الحاجات المختلفة. كما اهتمّوا بالتجارة فغدت بصرى مركزًا تجاريًا، وسوقًا نشطًا للبيع والشراء. وانتقل النشاط التجاري إلى مدينتهم بصرى عقب سقوط الأنباط على أيدي الرومان. فرثت البتراء اقتصاديًا وسياسيًا، وأصبح لديهم جيشًا قويًا منظمًا متمرسًا. فيه الفرسان وفيه راكبوا الإبل والمحاربون بالسيوف والطاعنون بالرماح. والرماة وغيرهم.

كما احتضن الغساسنة الشعراء والادباء فكانوا يقدمون العطايا والهبات لهم. فكان لهم حضورهم في أشعار العرب كالنابغة الذبياني وحسان بن ثابت. كل ذلك دلّ على النمو الاقتصادي والازدهار التجاري والرخاء الذي وصلة إليه مملكة الغساسنة.

آخر ملوكهم

حكم ملوك الغساسنة لسنوات طوال، وكان أول ملوكهم جفنة بن عمرو. وامتد سلطانهم وتوالى ملوكهم تباعًا حتى آل الحكم للملك جبلة بن الأيهم. وقد أوكل إليه الرومان أمر سوريا ومحاربة الفرس وطردهم، فظلّ كذلك حتّى جاء المسلمون واخترقوا حدود الشام غازين. ولما سمع هرقل بقدوم المسلمين بعث جيشًا من لخم وجذام وفي مقدمته جبلة بن الأيهم الغساني لمقاتلة المسلمين. غير أنّ جبلة بن الأيهم انحاز في القتال إلى الأنصار وأظهر الإسلام.

ذكر أن خالد بن الوليد لما سار إلى مرج الصفر لقي قوم غسان وعليهم الحارث بن الايهم ولم يشر إلى جبلة. وكتب جبلة إلى الخليفة عمر بن الخطاب يستأذنه في الحضور إليه. سرّ الخليفة عمر والمسلمون لذلك سرورًا عظيمًا ، وكتب إلى جبلة مُرحّبًا به. فأقبل جبلة للمدينة المنورة ومعه خمسمئة فارس من قومه. ولما اقترب من المدينة ارتدى لباسًا مذهبًا، ووضع على رأسه تاجًا مرصعًا. وأبس جنوده أفخر الثياب، ولما دخل المدينة خرج أهلها ينظرون إليه، ورحّب به الخليفة عمر وخرج معه.

في يوم وبينما جبلة يطوف بالبيت قام رجل فقير ووطئ إزار جبلة، فغضب جبلة ولطم الفقير وأذاه. فاشتكاه الفقير إلى عمر بن الخطاب، فدعاه عمر وأراد أن يقتصَّ للرجل الفقير. فغضب جبلة بأن كيف يقتص للفقير منه وهو الملك، ولكن عمر ردّ عليه بأن هذا هو الإسلام. لا فرق فيه بين ملك وفقير في الحق، فقال جبلة حينها: “إذن اتنصّر”. فاخبره عمر بن الخطاب بن الخطاب أن هذه ردة وعقابها القتل. فطلب جبلة من عمر أن يأخره للغدّ، فقبل عمر ولمّا جاء الليل خرج جبلة هاربًا إلى القسطنطينية وتنصّر.

بذلك فقد كان جبلة بن الأيهم هو آخر ملوك الغساسنة في الشام. وقد زال ملكه وملك الرومان في آن واحد. وذلك على أيدي الجيوش الإسلاميّة التي سيطرت على الشام والعراق وآسية الصغرى في مطلع القرن الهجري الاول وأوائل القرن السابع الميلادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى