“المناذرة” أقوى مملكة حكمت العراق قبل الاسلام.. وهذا أصلها ونسبها
أسماء صبحي
المناذرة هم سلالة عربية حكمت العراق قبل الإسلام، ويعود نسبهم إلى بني لخم من تنوخ. القبيلة التي هاجرت من مأرب في اليمن، بعد خراب سد مأرب بعد وقوع “السيل العرم”. وقد هاجروا إلى العراق واتخذوا الحيرة عاصمة، وكوّنوا لهم مملكة قوية في العراق. حتى اعتبرت من أقوى الممالك العربية قبل الإسلام، التي امتد سلطانها من العراق ومشارف الشام شمالًا حتى عمان جنوبًا. ومعها البحرين وهجر وساحل الخليج العربي. وقد استمرت مملكة المناذرة طوال الفترة من 266م- 633م، أي أنها حكمت لـ367 سنة.
تاريخ المناذرة
احتل الفرس مملكة المناذرة في مهدها، فكانت شبه مستقلة وتابعة للفرس. إلا أنها أكملت وجودها في الحيرة وازدهرت وقويت هناك، وكانت المملكة ذات دور تجاري وديني بارز بين الممالك العربية. وذلك من خلال صلاتها مع تدمر، والحضر، والأنباط، والقرشيين. فآلهة هذه الممالك كانت نفسها موجودة في الحيرة منها اللات والعزى وهبل. ويؤكد ذلك صلات جذيمة الأبرش بالملكة زنوبيا ملكة تدمر، وعلاقة ملوك الحيرة بملوك الحضر. حتى أنّ بعض المؤرخين نسبوا السلالة الحاكمة بنو لخم في مملكة المناذرة إلى ملوك الحضر في العراق.
من الناحية التجارية، فقد كان للمملكة سوق مشهور من أشهر أسواق العرب القديمة يقام في الحيرة وفي دومة الجندل. لتبادل البضائع والشعر والخطب والأدب، وقد لقّب ملوك المناذرة أنفسهم “بملوك العرب”. ودليله النقش الموجود على قبر الملك إمرئ القيس الأول مكتوب فيه: “هذا قبر امرؤ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم”. كما عمل هذا الملك على تكوين أسطول بحري في البحرين. هاجم فيه مدنًا فارسية وأخضعها إلى سيطرتِه في العراق حتى نجران.
ديانة المناذرة
كانت الكتابة على شاهد قبر الملك امرئ القيس من أقدم الكتابات التي عثر عليها بالخط العربي الحالي. وهذا ما جعل العلماء ومن البلاذري يعتقدون أن الحيرة كانت مهد الخط العربي. أما الديانة السائدة في مملكة المناذرة فكان الدين المسيحي. مذهب المسيحية النسطورية التي ازدهرت وسهلت ترحيب الأكاسرة الساسانيين بهذه الطائفة التي تعاديها المسيحية الأرثوذكسية عقيدة أعدائهم البيزنطيين.
قد كان للأرثوذكس آنذاك أسقفيتان عربيتان، هما: أسقفية الحيرة وأسقفية عاقولا. وقد احتل المناذرة مناصب في الخلافة الإسلامية. فكان منهم من ملوك الطوائف بنو عباد الين مرّ ذكرهم في تاريخ الأندلس وبنو الورد حكام بنزرت في تونس.
لقد كانت الحيرة التي حكمها المناذرة قاعدة عسكرية. ساند فيها الملك المنذر بن قابوس الجيش الفارسي في حربهم ضد الرومان في معركة سمّيت “بكالينيكوم” قريب الرها في تركيا. كما يذكر ابن قتيبة هذه الحرب بين المناذرة والغساسنة في “يوم حليمة” بقوله “وما يوم حليمة بسر” على شهرتها.
الأوضاع السياسية في المملكة
بعد انتهاء حكم مملكة تدمر العربية في منطقة غرب الفرات. أخذ جذيمة الأبرش يحاول حكم تلك المنطقة، وهي آنذاك عدو شديد للفرس. وكانت الحيرة فيها مركز ملك جذيمة الذي ضم إليها هيت وعانة وبقة والأنبار. وبعد جذيمة استلم الحكم عمرو بن عدي أول ملوك المناذرة والذي شهد قيام الإمبراطورية الساسانية. وكان للمناذرة ففي ذلك الوقت جيش كبير.
تكون جيش المناذرة من خمس كتائب هي: الأشاهب ودوسر والرهائن والوضائع والصنائع. كانت “الأشاهب” من الفرس المسخرين لخدمة ملوك الحيرة. وكانت “الدوسر” مجموعة عربية مسخرة لخدمة ملوك الحيرة وكانت كتيبة قوية، ذات بأس وبطش شديد. حتى ضرب المثل فيها، فقيل “أبطش من دوسر”. وكانت الأشاهب والدوسر هما الفرقتان الرئيستين في الجيش. أما الفرق الثلاث الأخرى، فكانت “الرهائن” التي تتكون من خمس مئة رجل رهائن لقبائل العرب. ويعملون على خدمة ملوك الحيرة ثم يحل محلهم ألف آخرين في فصل الربيع.
الفرقة الكتيبة الثانية وهي “الصنائع” وهم من خواص الملك من بني قيس وبني تيم اللات ابني ثعلبة الذين نذروا أنفسهم للحرب. أما كتيبة “الوضائع” فهي كتيبة مكونة من ألف مقاتل من الفرس. يتركهم ملك فارس في الحيرة لمساعدة ملوك الحيرة ونجدتهم. وكانوا يرابطون سنة ثم يستبدلون بألف آخرين مكانهم، كما كانت هذه الكتائب تقيم في حصون يقال لها “المسالح”.
اشتهرت الحيرة عاصمة المناذرة بصناعة الأسلحة البيضاء، كالسيوف، ونصال الروماح، والسهام. كما صنعوا المنجنيقات والقنابل الحارقة. ولأن المناذرة كانوا يسعون لتوسيع رقعة حكمهم على العرب، ضموا إلى مملكتهم شرق الجزيرة العربية. وأجزاء من نجد إلى جانب العراق، وهذا ما جعلها تخوض نزاعات مستمر مع الحميريين. لبسط النفوذ على الجزيرة العربية، وقد خاض المناذرة نزاعاتٍ مستمرة مع الحميريين. لبسط النفوذ على الجزيرة العربية، كما خاض المناذرة معارك ذائعة الصيت في تاريخ العصر الجاهلي. ومنها:
معركة “يوم حليمة” 554م
وقعت المعركة بين المناذرة والغساسنة وانتصر الغساسنة بها. وانتقاما من المناذرة لهزيمتهم في معركة قادها حاكم المناذرة المنذر الثالث. ثم تمكن فيها من أسر واحد من أبناء الحارث الغساني وقدمه قربانا للعزى. وتمثلت نتائج المعركة في خروج قنسرين والبيضا من تحت حكم المناذرة.
حروب الشام
كما خاض المناذرة حروب الشام عام 563م قادها عمرو بن هند. وأرسل إلى أخيه قابوس لمواصلتها عام 566م. وجاءت هذه الحروب لتأديب الروم الذين أساؤوا إلى رسوله. عندما ذهب إلى قسطنطينية لمفاوضة قيصر الروم على دفع الإتاوة.
يوم السلان ويوم طفخة
من حروب المناذرة أيضاً “يوم السلان” و”يوم طفخة” التي وقعت بين المناذرة والعرب. وفيها اشترك المناذرة مع الفرس الساسانيين لمساندتهم. فقد ساند المنذر الأول بن النعمان الفرس وقدم لهم مساعدة قيمة في حروبهم التي ظلت مستمرة حتى الصلح الأول.
في عام 519م، خاض المنذر الثالث بن ماء السماء بدور معركة أسر فيها قائدان بيزنطيان هما “ديموستراتوس” و”يوحنا”. فأرسل البيزنطيون وفدًا من “شمعون الأرشامي” و”نص غير منسقأبراهام” والد المؤرخ نونوس. و”سرجيوس” أسقف الرصافة إلى المنذر الثالث لفك أسرهما.
معركة “نصبين”
كما شارك المناذرة في المعارك الواقعة ضد القائد الروماني بلزاريوس، وهي معركة “نصبين” عام 530م. ومعركة “كالينيكوم” عام 531م. وقد انتهت الأخيرة بانتصار الفرس وتوقيع معاهدة سلام مع البيزنطيين الذين دفعوا جزية كبيرة. وتمكن فيها المناذرة من صد الجيوش الرومانية المتجهة إلى حرب الفرس في زمن إياس. الذي وجهه الفرس لقتال الجيش الروماني في نهر ساتيدما والواقع القرب أرزن فهزمهم إياس. ومع ذلك فقد قام الفرس بقتل آخر حكام المناذرة النعمان بن المنذر غدرًا. مما أثار حمية العرب ضد الفرس، فاستبكوا معهم في معركة ذي قار عام 610م.
شعراء عاصروا المناذرة
كان من المناذرة علماء وشعراء كثر، لهم شأن عظيم قبل الإسلام. ومن علمائها كان الأسقف إيليا الحيري الذي درس في نصيبين وبنى دير مار إيليا. وسيرين أبو العلامة، والقائد المسلم الذي فتح قبرص موسى بن نصير. أما من أبرز شعرائهم:
- عبيد بن الأبرص: وهو عبيد بن الأبرص بن حنتم بن عامر بن مالك بن زهير بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد. وقيل عبيد بن عوف بن جشم الأسدي، وهو أيضًا من شعراء المعلقات. وشعراء الطبقة الأولى، قتله المنذر بن ماء السماء حين قدم إليه يوم بؤسه.
- عمرو بن كلثوم: وهو أبو الأسود عمرو بن كلثوم التغلبي. وهو شاعر جاهلي من الطبقة الأولى من أصحاب المعلقات من الطبقة الأولى. ولد في الجزيرة العربية في نجد وتجوّل في الشام والعراق.
- النابغة الذيباني: وهو زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان. أبو أمامة، لقب بالنابغة لنبوغه في الشعر.
- طرفة بن العبد: وهو أبو عمرو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد.شاعر جاهلي عربي من شعراء الطبقة الأولى ومن أصحاب المعلقات.