أحداث غزوة حنين بين المسلمين وقبيلتي هوازن وثقيف
أسماء صبحي
غزوة حنين، هي من الغزوات المهمّة في التاريخ الإسلامي، لما لها من أثر كبير في تثبيت دعوة الإسلام في الجزيرة العربية، وتأسيس الدولة الإسلامية. وقد كانت هذه الغزوة تحت قيادة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقد نصر الله المسلمين بفتح مكة، واستسلام قريش. وكان لهذا أثر على القبائل العربية فتنبّهت هوازن وثقيف إلى قوّة شوكة المسلمين. وعزمت على التجهّز لقتالهم حيث قالوا: “لقد فرغ محمّد لقتالنا، فلنغزه قبل أن يغزونا”.
نزول المقاتلين إلى وادي حنين
في اليوم العاشر من شوال، وقيل في السنة الثامنة من الهجرة، وصل المسلمون إلى وادي حنين. ويقع وادي حنين إلى جانب وادي ذي المجاز قرب الطائف، ويبعد عن مكة مسافة ثلاث ليالٍ، وكان عددهم اثني عشر ألفًا. أمّا المشركون بقيادة مالك بن عوف النصريّ فكانوا يفوقونهم بضعفين أو أكثر. حيث كان المشركون متربصّين بقدوم المسلمين إلى حنين، إذ كان مالك بن عوف مدركًا لطبيعة أرض المعركة ومستعدًا لها. فوضع الكمائن ووزع الجيش في شعاب الوادي وبين أشجاره ومنعطفاته، فقد كانت تتركز خطته على مباغتة المسلمين وبث الرعب في نفوسهم.
عزم الرسول على القتال في غزوة حنين
لمّا كان عدد المسلمين كبيرًا في هذه الغزوة، اغترّ بعضهم ببعضٍ وأعجبتهم كثرتهم. وقالوا: “لن نغلب اليوم من قلّة”، حيث خرج معهم الكثير من الشبّان بدافع الحماس والتسرّع دون تسليح. وكان بعضهم ممن لم يثبت الإيمان في قلبه ممن أسلموا حديثًا حين الفتح. أمّا رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- فقد كان عازمًا على كسر شوكة المشركين، فقد أمّن الجيش بالعتاد من الرماح والدروع. وقد اعتنى -عليه الصلاة السلام- بكل التفاصيل العسكرية للمعركة، واجتهد في تحصيل الأخبار وأوفاها. حيث أرسل عبد الله الأسلمي ليقتنص أحوال المشركين وخططهم ومواقع كمائنهم، فذهب إليهم ومكث بينهم يومين. ثم عاد وأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بما رأى.
اختباء المقاتلين في غزوة حنين
حين أرسل الرسول- عليه الصلاة والسلام- عبد الله الأسلمي للاستطلاع عن أخبار المشركين والكمائن التي صنعوها. لم يختلط عبد الله جيدًا بالجيش وبالتالي لم يعرف تفاصيل خططهم بدقة. ولمّا استعدّ المشركون للمعركة، حيث تجهزوا عامًا كاملًا لهذه الحرب، ونصبوا كمائنهم وانتشروا في أرجاء الوادي وفوق المنحدر. حيث نصبوا الرماة ليمطروا المسلمين بالسهام من كل جهة على طرفي الوادي. وقام مالك بن عوف بتحفيز الجيش وتسليحه، حيث قال لهم:”إذا أنتم رأيتم القوم فاكسروا جفون سيوفكم، وشدّوا شدّة رجلٍ واحدٍ عليهم”. فحطمّوا غمد سيوفهم حتى يظلّ القتال حاميًا ولا رجوع.
هجوم مقاتلي قبيلة هوازن على المسلمين
سبق المشركون إلى أرض المعركة وحضّروا لها، ونصبوا الكمائن والرماة. تنبّه مالك بن عوف إلى طريقة ترغم جيشه على القتال بضراوة، فكان من رأيه أن يخرج نساء المقاتلين وأموالهم معهم حتى لا يفرّوا. بحيث يضع وراء كل مقاتلٍ مالَه وعرضه، فيقاتل عنهم. ثم لما التقى الجمعان في أرض المعركة، ونزل وابل السهام على المسلمين، وتبيّن أن الأخبار التي نقلها عبد الله الأسلمي كانت خاطئة. حيث لم يختلط بهم بشكلٍ صحيح ليتتبع اخبارهم بدقة، إذ تفاجأ المسلمون بمباغتة المشركين لهم..ونجحت خطة مالك لبعض الوقت في بث الرعب في نفوس المسلمين.
تفرق المسلمين وخوفهم
لمّا حميَ الوطيس، ولّى الكثير من المسلمين الأدبار، حيث كان كل رجل يتّقي الحرب ويهرب بنفسه. أمّا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقد أقبل على المشركين وبقيَ معه نفر قليل. وحين تزعزعت صفوف المسلمين، وتظافرت هجمات المشركين عليهم، ولاذوا بالفرار. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: للعباس: “نادِ أصحاب السمرة”. والسمرة هي الشجرة التي بايع المسلمون رسول الله تحتها في الحديبية، وقيل هم أهل بيعة الرضوان.
كان صوت العباس -رضي الله عنه- قويًا عاليًا، فنادى: ” يا أصحاب السمرة، يا أهل سورة البقرة وآل عمران”. وانطلق رسول الله-عليه السلام- ببغلته نحو العدوّ وهو يقول: ” أنا نبيّ الله لا كذب أنا ابن عبد المطلب”. وحين نظر المسلمون إلى عزيمته وشجاعته -صلى الله عليه وسلم- تشجعوا وهمّت عزائمهم، وتجمعوا حوله. وعاد الهاربون أدراجهم إلى أرض المعركة، وانقلبت الصورة، وأخذ المسلمون زمام الحرب.
قتال المسلمين في غزوة حنين
لمّا تجمّع المسلمون حول رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، وتأدبوا وعلموا أن الله هو الناصر لهم. لا بكثرتهم ولا بسلاحهم، وإنّما بقدرته وحده سبحانه. وأيّد قلّتهم على إيمانهم الصادق وثبات العقيدة في قلوبهم، بالملائكة لتبث في قلوب المشركين الرعب. حيث نزلت الملائكة على هيئة نمل أسود يسيل في وادي حنين، تأييدًا من الله. وظهرت للكافرين على هيئة رجالٍ بيض يركبون الخيل ويلبسون عمائم حمر، تبث الرعب في قلوب المشركين.
كما أيّد الله تعالى رسولَه الكريم- صلى الله عليه وسلّم- بسلاحٍ ماديّ، من الحصى والتراب في قبضتيه -عليه السلام-. حيث نال الحصى والتراب من أعينهم جميعًا حين رماها في وجوه المشركين. وقال:”شاهت الوجوه”، ثم قال:”اللّهم نصرك، انهزِموا وربّ محمّد”. فأصابهم كلهم وتفرّق أمر المشركين وزعزع صفوفهم.
نهاية غزوة حنين
بعد أن استجمع المسلمون قواهم ورتبوا صفوفهم وصارت الغلبة لهم، أخذ المشركون يفرّون من أرض حنين إلى الطائف ليحتموا بحصن ثقيف. وتبعهم المسلمون إليها، وحاصروها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث استعمل المسلمون أسلحةً جديدة لأول مرة. مثل: المنجنيق والدبابة الخشبية التي تحمي المقاتلين من السهام.
بالإضافة لما سبق فقد تم استخدام الحسك الشائك، وهو عبارة عن قطعتين خشبيتين على شكل الصليب بأربعة رؤوس. على كل رأسٍ منها شعبة مدببة تعيق مسير الجيش والخيل، حيث استعملها رسول الله -صلى عليه وسلم- كلها في حصار حصن ثقيف. ثم اختار -عليه السلام- مكانًا مناسبًا يستقر فيه جيش المسلمين، يكون قريبا من الحصن. ثم أصابهم وابل السهام، فأشارالحباب بن منذر أن ينتقلوا إلى مكان غير مكشوف، فقبل -عليه الصلاة والسلام- مشورته.
استعمل النبي الحرب النفسية والدعاية أيضًا، حيث حرّق بساتين العنب والنخل على الأطراف. فناشده أهل ثقيف بالله والرحم أن لا يحرّقه، فقبل -عليه السلام- ثم نادى فيهم أن من يخرج إلى الحصن ويقدم إلينا من العبيد فهو حر. ثم لمّا تبيّن انكسار المشركين وهزيمتهم، أشار عليه نوفل بن معاوية الديلي: “إن هو ثعلب في جحرٍ إن أقمتَ عليه أخذته، وإن تركته لم يضرّك”. يقصد بأن المنطقة قد نزلت تحت حكم المسلمين وبقي الحصن بمن فيه لا يضرون ولا ينفعون.
تجدر الإشارة إلى أن البعض قالوا: “يا رسول الله ادع على ثقيف”، فقال -عليه الصلاة والسلام- :”اللّهم اهدِ ثقيفًا وائتِ بهم”. حيث كان النبي-صلى الله عليه وسلم- قائدًا عظيمًا يقبل الشورى. ويناور في المعارك ويستخدم أساليبَ جديدة، ولكنه يظلّ صاحب قلبٍ رقيق، يدعو لأعدائه بالهداية.