“زبيدة الميزوني”.. غادة رشيد التي دمرها طموحها بأن تكون “ملكة مصر”
أسماء صبحي
عرفت شخصية زبيدة الميزوني في كتب التاريخ باسم ” غادة رشيد”. لأنها تفرَّدت بسحر سلطان الجمال بين الغِيْدِ من فتيات رشيد. ويروي لنا علي الجارم في كتابه “غادة رشيد” قصة هذه الفتاة التي أسرت أيام دهرها من أجلِ نبوءة العرَّافة التي أخبرتها أَنَّ طَالِعَهَا ينبأُ بأنَّها ستكون ملكةً لمصر. ومن أجل تحقق هذه النبوءة تزوجت من الحاكم الفرن”جاك فرانسوا مينو”. الذي قَدِمَ إلى رشيدٍ إبَّان الاحتلال الفرنسي لأنه يمتلك القوة والصولجان. كما أوصَدَت الأبواب أمام قتيل هواها وابن خالتها “محمود العسَّال” الذي عُرِفَ بالشجاعة والنضال ضد الاحتلال الفرنسي.
لكنه كان في نَظَرها أعْزَل من عتاد السلطة التي يتمتع بها “مينو”، ولكنَّ تصاريف القدر تختلف عن نبوءات البشر. وانتهى بها المقام إلى فقدان الأحباء والخلَّان، واستيقظت من حلمها الذي أضحى في دستور لواقع سرابًا.
من هي زبيدة الميزوني
زبيدة ابنة محمد البواب الميزوني، تاجر الأرز الشهير، وأحد أعيان رشيد. كانت على موعد مع الحملة الفرنسية وقائدها الثالث جاك مينو. حيث كانت واحدة من أجمل فتيات رشيد. وكان قد سبق لها الزواج وهي في الثامنة عشرة من عمرها، في حفل كبير من سليم أغا نعمة الله أحد أثرياء المماليك.
إلا أن هذه الزيجة لم تستمر، حيث وقع الطلاق بعد عام واحد فقط. وفيما كانت تفكر في مصيرها بعد الطلاق، كان الجنرال مينو مبعوث نابليون بونابرت يتسلم مفتاح مدينة رشيد من كبار أعيانها في يوليو من عام 1798.
كان مينو المثقل بالديون التي تركها في باريس يحلم بتكوين مجد شخصي له في رشيد يكمل به حلم الامبراطورية الفرنسية التي يحلم بها نابليون رفيق دربه. فحرص مينو على احترام الإسلام والاحتفال مع المسلمين بأعيادهم ومناسباتهم حتى في صوم رمضان.
زواجها
ورغم ما كان لديه من جواري من جنسيات مختلفة، إلا أن نفسه تاقت إلى زوجة شرقية تؤنس وحدته. ولكنه كان يعلم أن أحداً لن يزوجه ابنته من دون اعتناقه للإسلام. فأشهر إسلامه وسمي نفسه باسم “عبد الله” وسأل عن أجمل نساء رشيد فأخبروه عن ابنة الشيخ الجارم إمام مسجد المحلي. وزبيدة ابنة محمد البواب تاجر الأرز المعروف.
علم الشيخ الجارم بنوايا مينو، فأسرع بتزويج ابنته من أحد تلاميذه، الذين يأخذون عنه علم الحديث. فلم يبق أمام مينو إلا زبيدة تصغره بنحو 30 عاما. وقد شهد التاريخ الكثير عن افتتان مينو بزوجته الشرقية الملامح حتى أن إجازة زواجه منها امتدت لأكثر من شهرين.
حتى قرر بونابرت العودة إلى فرنسا فاتجه مينو إلى العريش للقاء قائده وتلقي الأوامر منه بشأن بقاء الحملة في مصر. وتعيين الجنرال جين كليبر قائدا عاما على مصر في أغسطس 1799. وكان خروج نابليون إيذاناً بانقسام الحملة الفرنسية إلى معسكرين. أولهما بقيادة الجنرال كليبر، وكان يؤمن بعدم جدوى البقاء في مصر، مفضلاً الانسحاب المشرف من مصر. بينما رأى المعسكر الثاني بقيادة مينو ضرورة توطيد الوجود الفرنسي على أرض مصر واستمرار الوجود الفرنسي فيها.
استمر ذلك الخلاف حتى مقتل كليبر على يد سليمان الحلبي في 14 يونيو من عام 1800. وهو الأمر الذي نتج عنه تولي مينو قيادة الحملة الفرنسية في القاهرة. تاركا زبيدة في منزل الميزوني، وهي حامل بطفلهما الأول. والذي وضعته في 27 نوفمبر من عام 1800 وسمته سليمان مراد جاك.
هروب زبيدة الميزوني
اعتقد مينو أن الأمور قد استقرت له في مصر، إلا أن تحالف الانجليز والأتراك لم يسمحا له بذلك. حيث تم الاتفاق بينهما على طرد الفرنسيين من مصر، وبدأ ذلك حينما هاجم الأسطول الإنجليزي الإسكندرية عام 1801. فخرج مينو إلى الإسكندرية لمواجهة الإنجليز، ولكنه فشل في تحقيق أي انتصار عليهم، وليتواصل زحفهم حتى رشيد.
كان قرار زبيدة هو الهروب مع رضيعها وأخيها خارج المدينة، ولتتنقل من مكان إلى آخر حتى وصلت القاهرة. حيث استضافها وأخاها الضابط الفرنسي ألفران أحد أعوان زوجها مينو. الذي أقنعها بالرحيل هي وطفلها الى فرنسا مع القوات المنسحبة في التاسع من أغسطس عام 1801.
عندما قرر مينو سفر زوجته إلى فرنسا طلب من الإنجليز تصريحًا لها. وإن كان الترك في بادئ الأمر قد رفضوا أن تترك زوجة مينو مصر. وأقام مينو في تورينو ثم في البندقية في إيطاليا، وأقامت معه زبيدة. ويبدو أنها بعد موت زوجها في عام 1810 قد انتقلت إلى مارسيليا في فرنسا وتوفي ابن مينو سليمان بعد وفاة أبيه بعدة سنوات. وعادت زبيده الى مصر وبقيت بها حتى وفاتها.