فنون و ادب

زهير بن أبي سلمى.. ابن قبيلة “مزينة” وأحد فحول الشعر في العصر الجاهلي

أسماء صبحي

زهير بن أبي سلمى هو أحد فحول الشعر في العصر الجاهلي. كما أنّه أحد الشعراء الثلاثة الذين قدمهم النقاد على كافة شعراء العرب. وهم: امرؤ القيس، وزهير بن أبي سلْمى، والنابغة الذبياني. وقد اختلف النقاد أيّهم ظهر قبل صاحبيه، لكنهم لم يختلفوا في الثلاثة.

كان زهيراً شاعراً فذاً شهد له بذلك الكثيرون، وعَدّه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أشعر الشعراء. فقد قال ابن عباس رضي الله عنه: “خرجت مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- في أول غزاة غزاها فقال لي: (أنشدني لشاعر الشعراء). قلت: (ومن هو يا أمير المؤمنين؟)، قال: (ابن أبي سلمى)، قلت: (وبم صار كذلك؟). قال: (لأنّه لا يتبع حوشي الكلام، ولا يعاظل في المنطق، ولا يقول إلّا ما يعرف، ولا يمتدح أحداً إلّا بما فيه)”.

نسب زهير بن أبي سلمى ونشأته وحياته

هو زهير بن أبي سلْمى. ووالده أبي سلمى هو ربيعة بن رياح بن عوام بن قرط بن الحارث بن مازن بن ثعلبة بن ثور بن هزمة بن لاطم بن عثمان بن مزينة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر.

كني بأبي سلمى؛ لأنّ اسم ابنته سلمى (بضم السين) كان اسماً مميزاً لم تسمى به غيرها من بنات العرب آنذاك. ويعود نسبه إلى قبيلة مزينة، ومزينة هو اسم أمهم مزينة بنت كلب بن وبرة. وكنية زهير هي أبي كعب، وقد ولد وترعرع في قبيلة أخواله بني غطفان. في كنف خاله بشامة الشاعر المعروف، وتزوج من ابنته أمّ أوفى. وولدت له أولاداً ماتوا كلهم.

تزوج بعد ذلك من كبشة بنت عمار الغطفانية، فغارت منها أمّ أوفى ودفعتها غيرتها إلى إيذاء زهير فطلقها وهو محب لها. وقد ذكرها كثيراً في شعره، وأنجبت كبشة له ثلاثة أبناء هم: كعب، وبجير، وسالم. ومات هذا الأخير في حياة أبيه حيث سقط عن فرسه ودقت عنقه، وقد حزن عليه زهير حزناً شديداً.

لم يستطع المؤخون تحديد تاريخ ميلاد زهير، إلّا أنّهم يرجحون أنّه ولد عام 520م أو عام 530م. مستندين في ذلك إلى تاريخ نَظْمِه لمعلّقتِه التي أنشأها في مديح سيدين من بني مرة بعد انتهاء حرب داحس والغبراء. والتي ترجح الروايات أنّها انتهت بين عامي 608-610م، وقد كان عمر زهير آنذاك ثمانين عاماً.

أخلاقه

على الرغم من أنّ زهيراً بن أبي سلمى لم يعاصر الإسلام، إذ توفي قبل بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- بنحو عامٍ. إلّا أنّه كان يتحلى بأخلاق الإسلام، فقد كان صادقاً وفياً، ومسالماً محباً للآخرين. ومبتعداً عن الفواحش والمنكرات، كما كان يؤمن بالله واليوم الآخر. فقد صنع لنفسه معتقداً بعيداً كل البعد عن معتقدات الجاهلية. وقد ظهرت هذه النزعة الدينية في شعره بشكل واضح وجلي.

لقد كان شعر زهير صورة لحياته ومرآة لنفسه، فهو شاعر الخير الذي يدعو إلى السلم وإلى مكارم الأخلاق. كما أنّه يرسم المثل التي كان يتحلى بها فيمن يمدحهم. وهو لم يمدح أحداً قط إلّا إذا كان أهلاً لذلك، وقد خلد التاريخ الذين مدحهم زهير في شعره. وذلك لما رِف عنه من صدق وبعد عن التملق.

أثر نشأته في نفسه وشعره

لقد كان لنشأة زهير في كنف أخوال أبيه أثر بالغ في شخصيته انعكس على شعره وأعطاه بعداً إنسانياً. فعلى الرغم من أنّه كان يعيش حياة كريمة في كنف أخواله لا سيما خاله الشاعر بشامة بن الغدير. إلّا أنّه كان يعاني من الغربة ويَحنّ إلى الديار. وهذا الحنين كان يثير مشاعره فيكشف عن رقي نفسه وحسن خلقه.

كما قد تأثر زهير بخاله بشامة بشكل كبير من الناحيتين الأخلاقية والشعرية،. فقد كان بشامة رجلاً ثرياً ومن عِلْية القوم، وكان من أشعر شعراء غطفان. وعرف بحزمه واستقامته، ومن الأدلة على تأثر زهير بخاله تلك الرواية التي تقول: “لم يكن لدى بشامة أولاد. فحين اقترب أجله أخذ يقسم ماله على خاصته، فجاء إليه زهير وطلب منه أن يورثه من ماله. فقال له: (يا خالاه لو قسمت لي من مالك؟)، فقال بشامة: (قد والله يا ابن أخت قسمت لك أفضل من ذلك، وأجزله). فرد زهير: (ما هو؟)، قال بشامة: (شعري ورثتنيه)”.

ومن بين الأشخاص الذين كان لهم أثرٌ جليّ في شعر زهير أيضاً، زوج أمه الشاعر أوس بن حجر. والذي تزوجته أمه بعد وفاة أبيه، وقد عدّ أوس فَحل قبيلة مضر في الشعر، فلزمه زهير حيث كان راوية لشعره. وهكذا كانت تلك العوامل مجتمعة هي التي صنعت زهير الشاعر والإنسان.

زهير بن أبي سلمى كشاعر

كان زهير بن أبي سلمى سليل عائلة موهوبة بالشعر، فقد كان أبوه شاعراً، وخاله أيضاً، وأختاه الخنساء وسلمى. وابناه كعب، وبجير، ثمّ استمر الشعر في عائلته أجيالاً، حيث ورث أحفاده أيضاً هذه الموهبة. وقال المؤرخون في ذلك: “إنّه لم يتصل الشعر في أهل بيت كما اتصل في بيت زهير”.

عاش زهير حياته في بحبوحة من العيش بما ورثه عن خاله بشامة من مال. وبما كان يجنيه عن طريق شعره، وقد مرت به حرب داحس والغبراء بين قبيلتي عبس وذبيان وعاش في أحداثها. ورأى ما تركته من صور البؤس والشقاء، وما خلفته من فقر ويتم. فكان لهذا أثر كبير في نفسه وشعره، فنظم معلّقتَه داعياً فيها إلى الوفاء والبر. وهذا ما وجده في هرم بن سنان، والحارس بن عوف، إذ أنقذا القبيلتين من هذا البلاء. وحملا على عاتقهما ديات القتلى على مدى ثلاث سنوات. فأعجب زهير بهذا الصنيع وأمضى حياته يمدح هرماً ويشيد به، وهرم يجزل له العطاء.

وتعددت الأغراض الشعرية والفنية في شعر زهير شأنه في ذلك شأن سائر شعراء الجاهلية. وقد تأثر ببيئته وبما يدور بها من أحداث ومشكلات اجتماعية، فامتاز شعره بالحكمة وبالدعوة إلى الإصلاح ومكارم الأخلاق. واتّبع في بناء قصيدته نهج سائر شعراء عصره من حيث الوقوف على الأطلال، وذكر الديار، ووصف رحيل الأحبة. وعلى الرغم من أنّ الحب لم يشغف قلبه، ولم يعانِ من عذاب العشق. إلّا أنّه كان يتقمص حالة الحب والعشق التي يعيشها العاشق لكي يصْدقَ في عاطفته عند رسم صوره التي كان يبدع في وصفها بكل دقة. وقد عرِفَ زهير بالعفة والنبل، فجاء شعره خالياً من فحش القول، فهو لم يقدح في الهجاء أو يفجر في الغزل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى