طبعت في بولاق.. محمد علي باشا ونشأة الصحافة في مصر
أسماء صبحي
شهدت مصر منذ تولى محمد علي باشا الحكم عهدًا جديدًا، حيث بدأت مظاهر التجديد الإداري والاقتصادي تظهر على الحياة في مصر، فلم يفته أن يوجه عنايته للصحافة.
نشأة الصحافة وجورنال الخديوي
أصدر محمد على باشا أول صحيفة مصرية عام 1813 عرفت باسم “جورنال الخديوي”، وكانت تصدر شهرية ويطلع من خلالها الوالي على سير الشؤون المالية والزراعية وشؤون التعليم والعمران، وظلت الصحيفة تنسخ بخط اليد إلى أن أنشئت مطبعة بولاق.
في عام 1816 أرسل الباشا نيقولا مسابكي أفندي لإيطاليا للتخصص في فن الطباعة، ليتولى إدارة مطبعة بولاق التى أسسها الباشا في نوفمبر سنة 1820، وأعدها لطبع لوائح الحكومة ومنشوراتها ولطبع الكتب العلمية في الطب والرياضيات والأداب والتاريخ والعلوم الفقهية وغيرها، وأمدها محمد علي باشا بكل ما يلزمها من الحروف والمكابس والآلات حتى استوفت حظا كبيرا من الاتقان.
بدأت المطبعة في أول الأمر بالعمل على أربع لغات هي العربية والتركية واليونانية والإيطالية، وتم استيراد حروفها من إيطاليا، لكن هذه الحروف لم يستمر العمل بها طويلا بسبب عيوب ظهرت فيها، فأصدر الباشا أوامره بصب حروف جديدة في المطبعة.
تصنيع ورق الطباعة ونشأة الصحافة
قد تم الاستعانة بالخطاط الإيرانى سنكلاخ في رسم قاعدة حروف عربية جديدة بنوعين من الحروف. الأول بقاعدة نسخية، والثاني بقاعدة فارسية. وتميزت هذه الحروف بأنها آية في الجمال والرونق. واستورد محمد على باشا مواد الطباعة من ورق ومداد من ايطاليا، ثم بدأ بعد ذلك فى تصنيعها.
في هذه المطبعة ظهرت باكورة الكتب المترجمة والمؤلفة في بدء النهضة العلمية الحديثة. فقد عني خريجو المدارس والبعثات بنقل العلوم التي نقلوها الى اللغة العربية، ثم بالتاليف فيها.
كان الباشا يحث العلماء والمؤلفين على الترجمة والتأليف ويكافئهم مكافات سخية. ويستثير في نفوسهم روح الهمة والعمل ويأمر بطبع مؤلفاتهم على نفقة الحكومة وتوزيعها في المدارس والدواوين.
لما كانوا في حاجة إلى من يراجع كتبهم قبل طبعها لضبط عباراتها. فقد اختار محمد علي طائفة من المحرريين من علماء الأزهر مهمتهم مراجعة عبارات الكتب قبل طبعها وضبط الفاظها ومصطلحاتها.
قيل انه لما عاد أعضاء البعثة الأولى إلى مصر استقبلهم بديوانه بالقلعة. وسلم كلا منهم كتابًا بالفرنسية في المادة التي درسها بأوروبا وطلب إليهم ان يترجموا تلك الكتب الى العربية. وأمر بإبقائهم في القلعة ولا يؤذن لهم بمغادرتها حتى يتموا ترجمة ما عهد به اليهم. فترجموها فعلا وأمر بطبعها في مطبعة بولاق وتوزيعها على المدارس التي وضعت لها تلك الكتب .
مطبعة بولاق ونشأة الصحافة
على رغم أن مطبعة بولاق كانت مؤسسة حكومية إلا أن الكثير من الكتب المطبوعة بها لم تكن على نفقة الدولة. فقد قام علماء وأهل خير في ذلك الزمان بتمويل طبع كتب كانوا يرونها تحقق من انتشارها نفعا لأهل مصر. وقد كان من بين تلك الإصدارات تفسير الطبري والكشاف للزمخشري وفتح البار بشرح صحيح البخاري.
لم تقتصر الكتب التي طبعت في مطبعة بولاق على كتب الكبار فقط. ولكنها تجاوزت ذلك إلى كتب الأطفال التي صدر منها خلال القرن التاسع عشر 74 إصداراً. بالإضافة إلى الكتب المدرسية التي بلغ عددها 5868 كتابا وزعت على التلاميذ الذين كانوا ينتظمون في الدراسة. وكان يخصم خمس ثمنها من مرتباتهم كل شهر.
وضع محمد على الإطار التنظيمي لطباعة الكتب في المطبعة. ففي عام 1823 أصدر أوامره بألا تطبع مطبعة بولاق كتابًا خاصًا بإحدى الجهات أو المعاهد إلا بإذن منه. كما حرم على الأوروبيين طبع أي كتاب في مطبعة بولاق إلا إذا استصدر مؤلفه أو ناشره إذناً خاصًا بطبعه منه شخصيا. وفرض عقابًا شديدًا ضد كل من يخالف ذلك.
الوقائع المصرية
وعندما تبين لمحمد علي أن الشعب المصري يجب أن يطلع على أعمال الحكومة. وأن يقف على إصلاحات الوالي اتجه إلى إنشاء جريدة “الوقائع المصرية”. التى طبعت فى مطبعة بولاق وصدر عددها الاول فى ديسمبر) 1828، وهي الجريدة الرسمية للحكومة.
وكانت تصدر بالعربية والتركية ثم اقتصرت على اللغة العربية. وكانت وتنشر اخبار الحكومة ودواوينها ومصالحها وبعض الانباء الخارجية. قد ظلت الوقائع المصرية الجريدة الرسمية للحكومة المصرية حتى يومنا هذا. فهي أقدم الصحف العربية وأطولها عمر.