حكاية قصر إسماعيل المفتش.. تحفة فنية تحول لـ « عش للوطاويط»
أميرة جادو
تضم أرض مصر العديد من الأبنية التي تعكس العراقة والتاريخ، وشكّلت متحفًا مفتوحًا يمكن من خلاله التعرف على الأساليب الفنية المختلفة والطراز المعماري الفني لهذه الحقبة الزمنية.
ووفقًا لما ذكر في كتاب قصور مصر، للكاتبة سهير عبدالحميد، تعتبر قصور مصر تاريخ لا يزال حيا، لأنها ليست مجرد أمكنة وجدران وشوارع إنما هي سجل يخلد أسماء وشخوصا وأحداثا رمز لنمط عمارة ساد وظروف عصر خلا وثقافة مجتمع تقلبت عليها السنون وظلت تحمل شيئا من توقيعه لا يزال محفوراً في ومضة هنا وأخرى هناك.
لازلنا في جولاتنا بين أحياء ومدن مصر، وتحديدًا في منطقة الإسماعيلية – ميدان لاظوغلي حالياً- حيث يقع قصر إسماعيل المفتش، أو كما أطلقت عليه الكاتبة “عش الوطاويط”، وذلك بعد زيارتها له وملاحظتها الحالة السيئة التي وصل لها القصر.
وتؤكد الكاتبة، إنها لا تجد ما تصفه في القصر سوى الظلام، ولكنها لاحظت بعض ملامح الماضي، مثل الزخارف المغطاة بماء الذهب في الطابق العلوي، ولوحات زيتية تنتمي لعالم الأساطير بشخوصه، كيوبيد وأفروديت والجنيات نصف العاريات ورسوم أخرى لأطفال مجنحة معلقة في الهواء، ولكن كثير من سماته فُقدت مع الزمن لذلك لجأت لذكر الوصف الذي كتبه السابقون عن القصر.
حكاية القصر
تم بناء القصر في موقع البركة الناصرية بعد ردمها، وكان تصميمه وأثاثه وزخارفه تجمع بين طراز النهضة الفرنسية ونظريتها الإنجليزية، ووصفه القنصل الأمريكي إدن دي ليون قائلاً: “إن البساتين والحدائق التابعة للسراي تغطي مساحة لا تقل عن المساحة التي أقيمت عليها الأهرامات الثلاثة وإذا أراد الإنسان أن يشاهدها وهو سائر على قدميه دون انقطاع فلن يكفيه حتى الصباح”.
وبحسب الكتاب، فأن القصر كسائر قصور الأمراء والباشاوات التي شيدت في مدينة القاهرة إبان القرن التاسع عشر تأثر بعمارة النهضة الأوروبية، ويقوم على جناحين شرقي وغربي، يتكونان من ملحقات سكنية تلتف حول مجموعة أفنية –كانت تستهدف التهوية الطبيعية- بالإضافة لأفنية صغيرة تمد القصر بالهواء والضوء.
تصميم القصر
كما يجسد هذا القصر وحدة معمارية مهمة ميزت القصور والمساكن في القرن التاسع عشر، هي قاعة المدفأة فكرتها كانت موجودة قديماً في المنازل الإسلامية في شكل مدفأة نحاس توضع وسط الغرفة ويستعمل الفحم لإشعالها، وتعمل على تدفئة الجو الدخالي للقصر، وفي عصر النهضة الأوروبية أصبحت الدفايات عنصراً لجأ له المعماري الإيطالي إلى حيلة معمارية للتدفئة حيث كان يغطي أرضية الحجرة في منازل الطبقة الأرستقراطية بالطوب الأحمر وهو أكثر بعثاً للدفء في الشتاء من الحجارة.
سقف القصر من النوع البغدادي الذي يتكون من شرائح خشبية تثبت في أسفل العروق والعوارض الحاملة للسقف، والأرضيات اتبعت الأسلوب الأوروبي بأنها في مستوى واحد وهي بذلك عكس المنازل الإسلامية التي شيدت في العصرين المملوكي والعثماني حيث كانت أرضيتها لا تسير على نفس المستوى.
وصاحب القصر تذكر الكاتبة أنه كان أخاً للخديوي إسماعيل في الرضاعة، لأن والدته كانت تعمل مرضعة في القصر، ولكنه استطاع أن يصبح ذو شأن ومكانة مهمة حتى لقب بالخديوي الصغير.
والجدير بالذكر، بعد عقود من الإهمال، تعمل وزارة الآثار على مشروع ترميم وصيانة قصر إسماعيل المفتش، ومن المقرر افتتاحه هذا العام.