وطنيات

أم رفاعي.. سيدة أنقذت أبطال حرب أكتوبر من قبضة إسرائيل

أسماء صبحي
 
في الوقت الذي كان فيه جنودنا يقاتلون العدو الإسرائيلي في مدينة الإسماعيلية أثناء حرب أكتوبر، كان هناك منزل على بعد أمتار من قناة السويس، يلجأون إليه وقت الخطر.
 
في تلك المرحلة من الحرب، والتي عرفت بـ”ثغرة الدفرسوار”، عندما عبرت قوات من الجيش الإسرائيلي إلى غرب القناة، بين تمركز الجيشين الثاني والثالث، كانت هناك سيدة مصرية بسيطة تلعب دورًا لحماية هؤلاء الذين يدافعون عن الأرض.
 

بطلة من الجبهة

قصة أم رفاعي يعرفها الجميع في فايد بالإسماعيلية، ويعرفها أكثر العديد من رجال قواتنا المسلحة الذي حاربوا العدو في منطقة الثغرة، امراة تجاوزت الخمسين، أم لتسعة، أربعة أولاد وخمس بنات منهن واحدة متزوجة، طوال سنوات الحرب مع إسرائيل، منذ 1967، كانت “أم رفاعي” تعيش في مدينة فايد بالإسماعيلية، إنها في منطقة الخطر المباشر، دائرة المواجهة والاشتباكات والقصف.
 
عندما عبر الجيش المصري إلى أرض سيناء، عاشت “أم رفاعي” فرحة هذه اللحظة بالطبع، لكن مهمتها كانت في الأيام التالية على يوم 6 أكتوبر، عندما بدأت قوات العدو محاولتها البائسة فوق الضفة الغربية، وبدأت طائرات العدو تطارد المدنيين العزل، اقتحموا فايد، يقلبون الدنيا بحثًا عن جندي مصري واحد لكي يغتالوه بعد أن فقد سلاحه في القتال، هنا بدأ دور هذه السيدة البسيطة الذي يلخص عظمة الشعب المصري، وشجاعته، ويبلوا عناصر أصالته.
 

استضافة رجال الجيش

في تلك الأيام، التقى “رفاعي”، الابن الأكبر للسيدة، والذي يعمل بمجلس المدينة، أربعة من رجال القوات المسلحة، “قاتلوا حتى آخر طلقة، فقدوا سلاحهم، لا يستطيعون الانضمام إلى أي وحدة في القوات المسحلة لأن المنطقة محاصرة”.
 
دعاهم الابن الأكبر إلى البيت، خرجت أمه لاستقبالهم قائلة بترحيب: “إن ماشالتكوش الأرض، تشيلكو عنينا.. إحنا لينا رجالة في الجيش برضه”، إذ أن نجلها الثاني “محمد”، كان جنديًا بالقوات المسلحة من فترة قريبة، كما أن زوج ابنتها أنهى خدمته العسكرية منذ وقت قريب.
 
بدأت أم رفاعي تدبّر أمر إقامة الرجال، أحضرت ملابس لهم، وكان العدو يداهم فايد بين وقت وآخر بحثا عن الرجال، وكان بيت أم رفاعي معرض كغيره للتفتيش، والعثور على جندي معناه قتله في الحال، هكذا كان يفعل الجبناء.
 

سر أم رفاعي

رصد أولاد السيدة وشقيقتها الصغرى حركة العدو: “عرفوا أنه يجئ، يوم بعد يوم، وفي ميعاد محدد، الساعة التاسعة صباحا”، لذلك فإن “أم رفاعي” تعمدت بذكاء أن تترك باب البيت الخارجي مفتوحًا لأن الأبواب المغلقة تثير الشكوك والريبة.
 
لكن في أحد الأيام خارج البيت، أحاط أربعة جنود إسرائيليين برشاشاتهم شقيقة “أم رفاعي” وسألوها هل هناك أحد في المنزل، هنا خرجت صاحبة البيت “فلاحة مصرية قصيرة القامة لكنها مرفوعة الرأس، ترتدي الثياب السوداء البلدية للفلاحة المصرية”.
 
قالت “أم رفاعي” بثبات إن البيت خال من الرجال، كما أنها تطلب منهم في ذكاء أن يدخلوا ليفتشوا: “ما هو أنا لما أقول لهم ادخلوا.. هيروح الظن من دماغهم”، ودخل اليهود البيت أكثر من مرة لكنهم لا يعثرون على أحد، كيف هذا؟، إنه السر الذي تحتفظ به أم رفاعي حتى الآن.
 
بعد ذهاب جنود العدو، تعود “أم رفاعي” لتدبِّر للرجال المقاتلين لُقمة يأكلونها، وعندما يبدون خجلا من البقاء معها ترد بأصالة: “أنتم أولادي.. هتروحوا فين.. يا نموت سوا.. يا نعيش سوا.. خلوها على الله”.
 

دور شيقية “أم رفاعي”

وعندما كان الرجال الذين لجأوا إلى منزل “أم رفاعي” يقاتلون، تركوا وثائق وصور هامة داخل بيت قريب من مطار فايد، وكان لا بد أن يحصلوا عليها قبل أن تقع في يد العدو.
 
هنا جاء دور الشقيقة الصغرى لـ”أم رفاعي”، إذ أخذت المبادرة وقررت أن تذهب لتأتي بأشياء المقاتلين، وبالفعل نجت من محاولات جنود العدو للإيقاع بها، وعادت سالمة هي والأوراق.
 
وظل الرجال في البيت الآمن رغم جنود العدو المحيطين به، وبعد فترة استطاعوا الحصول على سلاح، وكان عليهم أن يلتحقوا بوحدات الجيش المصري، ودبرت لهم “أم رفاعي” طريقة لإخراجهم من المنزل وإعادتهم سالمين.
 
ولم تتوقف مساعدات السيدة الأصيلة للمقاتلين، أوى آخرون إلى بيتها، وفي إحدى المرات جاء ابنها باثنين رفضا الإقامة في نفس البيت عندئذ أوتهما في بيت خال قريب، وأعطتهما فراشًا وغطاء، وبابور، وكان أطفالها الصغار يمضون إليهما بالطعام في خفية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى