تاريخ ومزارات
مكتبة الفاتيكان وكنوز من المخطوطات الإسلامية (صور)
أسماء صبحي
مخطوطات وبرديات ووثائق مهمة، تحوز قيمة تاريخية وفكرية لا تضاهى، تجعل من مكتبة الفاتيكان، التي تتضمن مجموعة كبيرة من هذا القبيل، فريدة ورائدة بين نظيراتها في العالم، ويرجح متخصصون كثر أن هذه الدرة الفكرية في مدينة الفاتيكان تعد أقدم المكتبات، فتاريخ تأسيسها الرسمي المعروف المتمثل بالعام 1475 ليس دقيقاً، حسب ما يقولون، ذلك كونها أقدم.
إذ يقال إن البابا نيكولاس أنشأها سنة 1451، وكانت بدأت كمكتبة شخصية في مدينة الفاتيكان، وضمت حينذاك 1160 كتاباً فقط، منها 400 باللغة اليونانية: لغة العلم في ذاك الزمان، ويؤرخ المعنيون للفترة التي يعتقد أنها ربما تكون بداية التاريخ الحديث لمكتبة الفاتيكان، بعودة البابوات إلى روما، تحديداً في منتصف القرن الرابع عشر، إبان حكم غريغوري الحادي عشر عام 1378.
المكتبة فى القرن 15
قرر نيكولاس الخامس، في الفترة الواقعة ما بين عامي 1447و1455، إتاحة مواد المكتبة للدارسين بعد نمو عدد المخطوطات اللاتينية واليونانية والعبرية الموجودة فيها خلال عهده، وذلك من 350 إلى 1200 مخطوطة.
ولم تكن المكتبة تحتوي في عهد نيكولاس الخامس سوى قاعة واحدة للمطالعة، وما اكتمل مشروعها إلا في عهد سيكستوس الرابع (1471-1484)، الذي منحها الدعم المالي اللازم، ومن ثم رشح بارتولوميو بلاتينا ليشغل منصب أمين المكتبة، كما دعا أفضل الرسامين الموجودين في ذلك الوقت إلى تزيين جدرانها.
وكانت تضم المكتبة حينها أربع قاعات، وهي: مكتبة أثينا، مكتبة اليونان (اللتان تحويان مخطوطات مكتوبتين بهاتين اللغتين)، المكتبة السرية (المحفظة فيها المخطوطات الثمينة التي لم تكن متاحة للقراء بشكل مباشر)، المكتبة البابوية (تضم المحفوظات والسجلات البابوية).
مراحل.. وتغيرات
أسهم ثلاثة متخصصين بشكل حيوي، في مساعدة أمين المكتبة. وهكذا أطلقت عمليات عناية واسعة بمحوياتها، إذ جرى تجليد الكتب والمخطوطات بهدف الحفاظ عليها من التلف، خاصةً وأنها فتحت أبوابها أمام القراء والراغبين في دراسة محتوياتها النفيسة .
المكتبة في القرن 16
تابعت مكتبة الفاتيكان عمليات التطوير والارتقاء، وبشكل خاص في عهد ليو العاشر (1513-1521)، إذ وضعت منهجية عالية لعمليات البحث التي أصبحت أكثر انتظاماً. وعُمد إلى تنسيق المشتريات، سواء من المخطوطات أو الكتب المطبوعة. ومن ثم بدأت، في عهد غريغوري الثالث عشر (1572-1585)، عمليات مشروعات العمل الخاصة بفصل المواد الأرشيفية عن بقية مواد المكتبة.
ولكنها لم تكتمل ( تلك الأعمال) بشكل نهائي، إلا في عهد بولس الخامس (1605-1621)، الذي وضعها تحت رعاية مؤسسة متخصصة، واتبعت سياسة سرية تعني في تداول هذه المواد الأرشيفية، وسميت “أرشيف الفاتيكان السري”.
وبرزت الحاجة في الفترة بين عامي: 1587 و1589، إلى عمليات توسعة في مبنى المكتبة، نظراً للتزايد المستمر في أعداد مجموعاتها، نهو ما دفع سيكستوس الخامس (1585-1590)، إلى اتخاذ قرار بناء مقر جديد للمكتبة.
تحول بارز
شرعت في أعقاب ملامح التطور ضمن المكتبة آنذاك، مجموعة مكتبات من أصول أميرية وخاصة في الاندماج ضمن مكتبة الفاتيكان، إذ إن بعضها ذاب وتوزع بين محتوياتها بالكامل، بينما بقي الآخر محتفظاً بفرادته، وصنف ضمن مجموعات مغلقة بقيت متميزة عن المجموعات المفتوحة التي نشأت أساسا مع بروز المكتبة نفسها، ومن بين أهم المجموعات المغلقة للمخطوطات والكتب المطبوعة: مجموعة خاصة قُدمت من الملكة السويدية كريستينا ( 1690).
المكتبة وقفزات وتطور
شهدت مكتبة الفاتيكان في القرن 18، مرحلة تطور يمكن أن تسمى بالتحول الركيزي، إذ ظهر فيها قسم جديد يضم مجموعات فريدة من الأثريات والأعمال الفنية، وكذا شكلت إدارة معنية بالمسكوكات في العام 1738، وشريت مجموعة قطع نقدية وميداليات يونانية ورومانية جمعها اليساندرو الألباني، وكانت تلك حينها ثاني أكبر مجموعة من نوعها في العالم، وكذا أنشئ متحف “ساكرو” للقطع المقدسة في عام 1757.
حكايات القرنين 19 و20
تعرضت مدينة روما، في العام 1809، للغزو من قبل جيوش نابليون، ما أدى إلى خسائر كبيرة في البلاد طالت في جوانب محددة، المجموعات التي جمعت في مكتبة الفاتيكان، إلى غاية ذلك الوقت، ولاحقاً، عندما ضمت روما إلى الإمبراطورية الفرنسية، أصبحت مكتبة الفاتيكان، مكتبة وطنية وأثريت بمجموعات من السلك الكهنوتي.
عقب تلك المرحلة، تحديداً في الأعوام: ما بين 1825 و 1855، وفي سنوات أخرى متعاقبة، تواصلت مشروعات إثراء مجموعة الكتب المطبوعة ضمن المكتبة، إذ رفدت بعدد كبير من كتب الفن والآثار، التي جمعها ليوبولدو سيكوغنارا.
وشكّل عهد ليو الثالث عشر (1878-1903)، فترة ذهبية بالنسبة لشعبية المكتبة ودورها المجتمعي، إذ افتتحت لجمهور أكبر من الباحثين والمؤرخين.
وفي العام 1892 أنشئت غرفة القراءة الحالية للكتب المطبوعة، وكذا أتيحت أعداد أكبر من الكتب على الرفوف المفتوحة، ومددت فترات الدوام فيها ساعات إضافية، ذلك إلى جانب وضعها فهرساً للكتب المطبوعة، ونشر فهارس خاصة بالمخطوطات، وغير ذلك، كما شهدت هذه الفترة أيضاً، تأسيس مختبر ترميم فيها وبعض عمليات الاستحواذ المهمة.
ومن ثم اشترت مكتبة الفاتيكان في 1902، مكتبة “بربريني” التي كانت تضاهيها في الأهمية خلال القرن السابع عشر، وشكلت هذه المجموعة (تزيد على 11000 مخطوطة لاتينية ويونانية وشرقية وأكثر من 36000 كتاب مطبوع)، زيادة كبيرة مثرية للمكتبة بمقتنيات نوعية، وأيضاً، في العام ذاته، أصبحت مكتبة المخطوطات والكتب المطبوعة التي كانت تنتمي إلى مجمع نشر الإيمان المقدس، جزءاً من مكتبة الفاتيكان.
ثم في سنة 1940، وصلت إلى المكتبة مجموعة مهمة من أرشيف القديس بطرس، ونتيجة لتجمع المجموعات الأرشيفية المختلفة ضمنها، في وقت لاحق، شكل قسم خاص بالأرشيف افتتح رسمياً نهاية العام 1970.
دعم المكتبة
نالت المكتبة دعماً كبيراً، شمل جوانب مختلفة، إذ حصلت في الأعوام ما بين 1982 و1984، على منح ودعم مالي من الأبرشيات في جمهورية ألمانيا الاتحادية، وشيدت أماكن تخزين جديدة للمخطوطات، تتركز تحت الفناء الداخلي للمكتبة. واللافت أنها تولي عناية كبيرة لما تضمنه من مواد ومخطوطات.
ومن بين أبرزها: مخطوطات لازاريللي لودفيكو ( باللغة اللاتينية – المليئة بالحكمة الممزوجة بأساطير اليونان والفراعنة والوثنيين)، أطروحة البابا بولس الثالث في الفلسفة التي جادل فيها افلاطون وأرسطو وفلاسفة الكلدانية القديمة، النصوص اللاهوتية البيزنطية، ومن المخطوطات العربية نجد: مخطوطات لكل من: الرازي وابن سينا وابن رشد والغزالي وابن الهيثم والفارابي.
كنوز المكتبة
ضمت المكتبة في بداية تأسيسها، كتب لاهوت متنوعة إلى جانب أخرى متخصصة في شتى ميادين العلوم والقوانين اللاهوتية والكنسية، وكذا الأعمال الكلاسيكية للمفكرين اليونانيين وغيرهم، في حقول التاريخ والفلسفة، إلى جانب: فنون عصر النهضة الأوروبية، نصوص الباباوات ومستشاريهم، كما دعت المكتبة، مبكراً، جميع الأدباء والفلاسفة والرحالة الذين يزورون روما، إلى ترك مخطوطاتهم فيها.
ومن أهم تلك المخطوطات: كتابات غاليلو، إلياذة هوميروس، مجموعة مؤلفات لأرسطو، ومن ضمن المجموعات المتميزة الموجودة في المكتبة: رسائل محاربي طروادة، تصميمات جيوفاني لورينزو، أعمال عميد الباروكيين: بيرنيني، مخطوطة الشاعر الإيطالي بيتراك (احتوت قصيدته الريفية اللاتينية)، أعمال روجر بيكون، سيرة حياة أباطرة الرومان، مخطوطة (يوم القيامة) لغيسي جورجيو المكتوبة منذ 1530 وهي أول كوميديا دينية في تاريخ الآداب.
فهارس إلكترونية ومنهج عمل عصري
وعت المكتبة مبكراً، ضرورات واحتياجات التطور في العصر الحالي، منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، فأطلقت جملة مشروعات متخصصة، غرضها الرئيس مواكبة التحولات الرقمية التي دخلت صلب العمل المكتبي، وبناء على هذا الأساس، طفقت في نهايات القرن العشرين، تماشي شتى المتغيرات المحيطة بها، على هذا الصعيد، فاستبدلت في عام 1985، الفهرس اليدوي بآخر إلكتروني، كما حولت البيانات الواردة في النشرات المصورة والبطاقات القديمة إلى شكل إلكتروني.
وفي سبتمبر عام 2002، أصدرت المكتبة نشرات دورية جديدة في غرفة القراءة، إذ أضافت مواد أكثر أهمية على الرفوف المفتوحة المتاحة للجمهور، وفي الوقت الحاضر، تحفظ مكتبة الفاتيكان أكثر من 180.000 مخطوطة، بما في ذلك: 80.000 وحدة أرشيفية، 1.600000 كتاب مطبوع، أكثر من 300000 قطعة نقدية وميدالية، 150000 رسم ونقش، ما يزيد على 150000 صورة.