محكمة من أصواف الغنم
فيصل الجهني يكتب…
عندما كنت تذهب إلى أهل البادية، ترى مجموعة من الخيام متناثرة يسمونها (بيوت الشعر)، وذلك لأنها تصنع من أصواف الغنم وشعر الماعز وأهداب من شعر الخيل، وبيت الشعر هذا هو مسكن البدوي وفيه مجلس للضيوف، والبقية محرم لأهل البيت.
ينصب هذا البيت ويضرب على أعمدة حسب ضياء الشمس واتجاه الرياح ، فإذا نظرت إليه من بعيد ترى فيه عظمة الجبال وصلابتها، وإذا وضع فى مقاييس العمارة والحضارة وجدته نوعا بدائيا عشوائيا ، عبارة عن خيمة يستخفها صاحبها فى ترحاله وهو يبحث عن المراعى الخصبة وأماكن نزول المطر.
ولكنه يا سيدى هو موطن البدوي، أمامه تشعل النيران، ليهتدى بها الضيف ومن يسير فى الصحراء، وتعقر فيه الذبائح إكراما للضيف، وتصان فيه الحرمات، فيستجير به الخائف والمطارد واسمه (الدخيل)، وهو من دخل عليك بيتك خائفا وجب عليك حمايته وتقديمه على أبنائك وأهلك، حتى لا تلحقك معرة الإمساس بدخيلك.
أيضا في هذا البيت تعقد جلسات المحاكمة، حيث أهم ما يميز الأعراف البدوية أنهم يحتكمون إلى قاض منهم، فيتم اختياره بناءً على علمه وفصاحته وعدله وسابق معرفته بتاريخ القضاء البدوي وأعرافه التى لا تتعارض مع شرع الله.
فينظر هذا القاضى فى أحوال المتخاصمين فيقضى لهم بناءً على بيّنة وشهود كل طرف من المتخاصمين، وحكمه نافذ عليهم. فهذا البيت البدوي والذى تم تأسيسه من أصواف الغنم بهذه البساطة تجده تحكمه أعراف وقيم ومبادئ تصوغها الحضارة الإنسانية البدوية والتى تميزه عن ناطحات السحاب، فالأخيرة تم بناؤها عن هندسة مادية استخدمت الحديد والخرسان.
والبيت البدوي تم بناؤه على أعراف وقيم فيها يُكرم الضيف ويستجير الخائف ويأخذ المظلوم حقه من ظالمه.