«مهن باتت طي النسيان».. تاريخ مهنة «السقا» في القاهرة المحروسة
أميرة جادو
تعتبر مهنة “السقا” أو “السقاية” أو “السقاء” أي حامل وناقل الماء للمنازل، من المهن القديمة كانت تنتشر في الحارات الشعبية والأماكن العامة بمصر حتي نهايات القرن التاسع عشر، يعمل بها رجل أو امرأة، يحمل كل منهم جرة أو قربة مصنوعة من جلد الماعز، يملئها بالماء من النيل أو من أحد الأسبلة أو الخزانات، ثم يقوم بنقلها إلي المنازل والمساجد والمدارس في مقابل مبلغ متفق علية.
لم تمتلك المنازل والمباني بالقاهرة أي مصدرًا يعتمدون فيه علي مياه الشرب، فلم يكونوا يعرفون شيئًا عن صهاريج المياه أو الصنابير، والتي لم تكن موجوده إلا في القصور الملكية والمساجد الضخمة، لذا لم يكن هناك غنى عن السقا.
طوائف السقائين
وللسقائين ستة طوائف، لكل طائفة شيخ يتولى شؤون طائفته، طائفتان منهم في باب اللوق، تقوم أحدهما بنقل المياه بواسطة الإبل، والأخرى بواسطة الحمير، وهناك طوائف باب البحر، وحارة السقائين، وقناطر السباع، وطائفة سادسة تعرف باسم الكيزان، سميت بهذا الاسم لأن السقا يحمل في يده “كوز”، أو كوب من النحاس يطوفون الشوارع والحارات والأزقة حاملين قرب المياه علي ظهورهم، ويقدمون المياه للمارة والباعة.
اختيار السقا
أما عن اختيار “السقا”، فلم يكن من الأمور البسيطة أو السهلة، حيث يتطلب بعض الشروط الصعبة والضرورية للموافقة علية، حيث كان علي المتقدم لهذه المهنة اجتيازه اختبار مبدئي، وهو أن يحمل قربة وكيس ملئ بالرمل يزن حوالي 67 رطلًا لمدة ثلاثة أيام وثلاثة ليالي دون أن يسمح له بالاتكاء أو الجلوس أو النوم، علاوة على بعض الصفات التي يجب أن تتوفر في السقا، كالأمانة والنظافة والاتقان، فقد كان الشخص الوحيد المسموح له بدخول المنازل، تجده دائمًا يسير في شوارع المحروسة، حاملًا قربته المليئة بالماء البارد، وقد وضع مادة “الشبه” لينقي الماء من رواسب طمي النيل ويصبح نظيفاً وصالحًا للشرب.
وعلى الرغم من أهمية هذه المهنة، كانت أقل بكثير من بعض المهن الأخرى، فقد كان السقا أحد أفقر المهن في مصر، فقد اختلف دخل السقا من تلك المهنة على حسب ندرة ووفرة المياه.
“ابوك السقا مات”
والجدير بالذكر، كانت من أكثر العبارات انتشارًا في الماضي هي “أبوك السقا مات”، تلك العبارة التي التقطها الأديب المصري يوسف السباعي في مطلع سبعينيات القرن الماضي، ليعبر من خلالها علي اندثار تلك المهنة العريقة، والتي عمرت لأكثر من ألف عام، روت عطش المصريين أينما وجدوا، حتي جاء قرار الخديوي بتطوير القاهرة وتحويلها إلي باريس الشرق، وهو ما لا يستقيم معه شخص يحمل المياه علي ظهره، يبدو فقيرًا يعيش علي العطايا والإحسان وعطف الناس لمساعدته علي العيش.