سبيل “محمد على” بشارع المعز من تحفة معمارية لا مثيل لها فى العالم إلى متحف للنسيج
هاني نصر
الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، رَجل بسيط التف حوله الملايين داخل مصر وخارجها، حوى همومهم، لمَّ شمل البلاد العربية، وكان لسانه متحدثا رسميا عن أحلام البسطاء، تلك كانت مفردات بيئة مناسبة لولادة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر منذ ما يزيد عن مائة عام، قضى طفولته وشبابه بحي الجمالية، والتحق بمدرسة “النحاسين الأميرية الابتدائية ” عام 1925 الكائنة بذات الشارع، وحين لا يكون له تكريم يليق به في المدرسة التي تعلم فيها بذات المنطقة التي عاش فيها سنوات من حياته، فهذا بحق يكون “بصقة” في وجه مسئولي الثقافة والآثار، وتهميشا لقائد رحل تاركا مواقف وبصمات وذكريات خالدة ما زالت حية بين محبيه، فقد صدر قرار عام 2010 بتحويل هذه المدرسة وما حولها إلى متحف للنسيج، وبالفعل تحقق ذلك دون أدنى إشارة لتخليده ولو بلوحة تذكارية.
“القبائل العربية والعائلات المصرية ” ذهبت إلى تلك المدرسة لتدق ناقوس خطر تجاهل تخليد ذكرى رموز مصر بشتى المجالات، فاكتشفنا كارثة كبرى، أن هذا المبنى وملحقاته يجسد تحفة معمارية لا مثيل لها في العالم، والمبنى في حد ذاته يجب أن يكون مزارا سياحيا مستقلا، وهو ما يؤكد أن الإهمال لم يطل جمال عبدالناصر فقط بل طال التاريخ المصري، وأسقط من صفحاته هذا المكان وقيمته التاريخية والمعمارية.
“البهنسا”.. القرية المبروكة.. يُطلق عليها «بقيع مصر» الذي يضم رفات المئات من صحابة الرسول
تاريخ المبنى
هذا المكان التراثي كان عبارة عن سبيل أنشأه “محمد علي باشا” كصدقة جارية على روح ابنه الذي توفي في السودان عام 1822م، والهدف من إنشائه هو توفير مياه عذبة ونظيفة للجميع مجانا؛ حيث كانت المياه تخزن في صهاريج ضخمة تحت الأرض تُملأ بمياه النيل خلال موسم الفيضان.
وصف المبنى
المبنى تحفة معمارية على الطراز التركى، ذو واجهة مقوسة وأربعة شبابيك يعلوها قبة، والزخارف الرخامية والزيتية للسبيل – خاصة بواجهته وقبة حجرة التسبيل – تعكس طراز الباروك والركوكو العثماني، وباب المدخل الرئيسي مصبوب بالبرونز الصافي، أما القبة فهي مغطاة بالرصاص وبها زخارف من الداخل، يضم السبيل صهريج «خزان مياه»، عمقه 9 أمتار وهو مغطى بثماني قباب حجرية، وجدرانه مبطنة بمونة مقاومة للماء شبيه بتلك المستخدمة في المباني الرومانية القديمة، وسعة الصهريج أو الخزان من المياه 455 ألف لتر، يُلحق بجوار المبنى كتَّاب لتعليم أيتام المسلمين وعدد من الحجرات في طابقين.
مدرسة النحاسين الأميرية
كان الدور العلوي من السبيل عبارة عن مدرسة سميت “مدرسة النحاسين الأميرية”، وكانت من أوائل المدارس الحديثة في العالم في تلك الفترة، تعلم بها الكثير من المصريين الذين غيروا مجرى تاريخ مصر فى شبابهم، منهم مصطفى كامل وجمال عبدالناصر.
تحويل المبنى لمتحف النسيج
في عهد فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق، وتحديدا عام 2010، أُصدر قرار بتحويل المبنى بالكامل إلى متحف للنسيج المصري، وهو الأول من نوعه في الشرق الأوسط، يحكى فيه تاريخ تطور صناعة النسيج في مصر بمختلف عصورها، ويتم عرض مقتنيات المتحف وفقا للترتيب التاريخي، ويضم المتحف 250 قطعة نسيج، 15 سجادة، تمثل كل ما يتعلق بصناعة النسيج ابتداءً من عصر المصريين القدماء مرورًا بالعصر الروماني، واليوناني، والفن القبطي، بالإضافة إلى صناعة النسيج في العصور الإسلامية بداية من العصر الأموي، ثم العباسي، مرورًا بالطولوني، والفاطمي، والأيوبي، والمملوكي، والعثماني، ثم عصر الدولة الحديثة متمثلة في دولة محمد على كما يعرض بالمتحف جزءا من كسوة الكعبة التي تم صنعها في عهد الملك فاروق الأول.
المقتنيات الأثرية
يبلغ عدد المقتنيات الأثرية 1000 قطعة أثرية، من أهمها وأبرزها “رداء مزخرف بالطيات”، كونه أقدم قطعة آثار في المتحف، وهو رداء لسيدة اكتشف ضمن اثني عشر رداء بمقبرتها رقم 94 في نجع الدير بسوهاج، ومزين بثلاثة أنواع مختلفة من الطيات، وهو من الكتان، وتنتمى هذه السيدة إلى الدولة القديمة – الأسرة السادسة 2325 – 2175 ق.م.