أعتقد بما لا يدع مجالا للشك أن هناك أبطالا حقيقيون طوتهم صفحات الزمان بدون أن يعلم عنهم هذا الجيل شيئا
هؤلاء الأبطال منهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر ولكن في جميع الأحوال سيظلوا علامة فارقة في سجل قواتنا المسلحة بمنتهى العزة والشرف
وحديثنا اليوم عن أسطورة من أساطير أكتوبر المجيدة، جمع بين الخيال والجنون، انه العميد أركان حرب اسلام توفيق
اذا نظرت إلي صورته فستجده يمتاز بوسامة أخاذة وهدوء ينم عن طيبة زائدة وسجية تدل علي التسامح.. تكسو عينيه علامة حزن لا يستطيع إخفاءها وتشعر أنه رجل وديع في مقتبل العمر.
هذا من الوهلة الأولي ..ولكن في الحقيقة تلك الصورة مخادعة فهذا الرجل هو بمثابة ألة قتل، اإذا شعرت به في ساحة المعركة فأعلم علم اليقين أنه قد سلبك روحك وتركك جثة هامدة .
هو أحد ابطال القوات الخاصة المصرية يتبع الفرقة 39 قتال من القوات البحرية وهو بمثابة الذراع الأيمن للبطل المصري ابراهيم رفاعي قائد الصاعقة البحرية كما شارك هذا الشاب في حرب اليمن ليعود إلي مصر ليصطدم بهزيمة 67
ومثله مثل الكثيرين الذين لم يقبلوا إلا الانتقام بديلا ..!
هذا الشاب الوديع في تلك الصورة كان أحد الأسباب الرئيسية في إقالة قائد الجيش الإسرائيلي ومدير جهاز الموساد في سيناء وكان مستهدفا من قبل جهاز الموساد وانقذة السادات بعد اتفاقية كامب ديفيد.
كانت لة هواية عجيبة في حرب الاستنزاف لم تكن هوايتة ركوب الدراجات البخارية اوالقراءة ولكنها كانت الصيد وليس صيد الاسماك طبعا .. ولكنة صيد من نوع آخر فكان الرجل يقوم ليلا وتحت جنح الظلام بعبور الضفة الشرقية للقناة ليصل إلي خطوط العدو ليقوم بأسر الجنود الإسرائلين والعودة بهم إلي الضفة الغربية أحياء ..ولما أعياه هذا الموضوع ..كان يقوم بذبحهم وتقطيع أيديهم وأرجلهم ويضع أطرافهم في ( جوال ) ويعود بهم إلي الضفة الغربية.. بسبب هذا الرجل تقدمت إسرائيل ببلاغ إلي مجلس الأمن تتهم فية مصر بالتمثيل بجثث جنودها وأصبح مطلوبا من قبل جهاز الموساد الإسرائيلي الذي كان يتفنن في استفزازهم وإذلالهم ..اطلقوا علية عدة اسماء في إسرائيل منها الشبح ومنها سفير الموت ومنها القاتل الخفي كان مجرد ذكر اسمه يدب الرعب في صفوف الجنود الاسرائلين..
قام بأكثر من 124 عملية عسكرية منفردة داخل العمق الإسرائيلي ..وكانت اللطمة أو الصفعة المدوية انه قام بأختطاف بطل إسرائيل في الملاكمة للوزن الثقيل وعاد به حيا إلي مصر ..كما قام بنسف أول كاسحة ألغام اسرائيلية في سيناء وكان بها قائد الموقع الإسرائيلي وكانت بمثابة فضيحة مدوية.
في خلال حرب الاستنزاف كلف هذا البطل بتصفية أحد القناصين الإسرائيليين; الذي كان يستهدف بعضا من جنودنا علي طول الضفة الغربية للقناة وكانت كل المعلومات التي قدمت الية هي صورة لهذا القناص استطاع جهاز المخابرات المصرى الحصول عليها ..عبر هذا البطل الضفة الشرقية للقناة بسلاح ابيض فقط وجلس هناك لمدة 3 أيام.. لك أن تتخيل كيف كان يأكل او يشرب أو ينام أو يقضى حاجته
ليعود بهذا القناص حيا إلى مصر ..الفضيحة ليست هنا الفضيحة الأكبر ان هذا القناص هو داني شمعون بطل العالم في المصارعة الحرة وزن 96 كجم ليتم تصويره في مصر واستبداله بعدد كبير من الأسري المصريين الذين أسروا في 67 وكان بمثابة سخرية في صحف العالم .
في عام 68 تم تكليفه بعدما نشرت إسرائيل صواريخ على طول الضفة الشرقية للقناة لضرب جنودنا ..ارادت القيادة المصرية دراسة تلك الصواريخ فتم تكليفه لعبور القناة وتصوير تلك الصواريخ..ولكن الفضيحة الكبرى انه عبر القناة هو ومجموعة من اقرانه ليعود ب 3 صواريخ إلي الضفة الغربية في مصر.
فى البداية قلت ان هذا الرجل هو ضرب من الجنون او الخيال ولكنة في واقع الامر حقيقة انه البطل المصري عميد أركان حرب اسلام توفيق الذى يبلغ من العمر الان 82 عام متعة الله بالصحة والعافية وجعل ما صنعة في ميزان حسناتة يوم القيامة .
ولد بالقاهره عام 1939 و بعد حصوله على الثانوية العامة عام 1957، تقدم للالتحاق بالكلية البحرية؛ فقد كان حلمه العملُ في صفوف القوات البحرية، ولكنه لم يُقبل، فاضطُر للالتحاق بكلية تجارة عين شمس، ولكن قلبه لم يتوقف عن النبض بحب البحرية.. وينتهي العام الدراسي، ويعيد المحاولة، ويحالفه التوفيق هذه المرة و يلتحق بالكلية البحريه 1958.
بذل الطالبُ “إسلام توفيق” جهدًا كبيرًا أثناء الدراسة ليحقق التفوقَ العلمي، مع تميزه الرياضي، حيث حقق الفوز في العديد من الرياضات؛ كألعاب القوى، والملاكمة، والكرة الطائرة، والسباحة.
تخرج في يوليو 1961، وحاز على شرف حمل علم الكلية الذي سيُسلم للدفعة التالية، وحصل على جائزة “أم البحرية”، التي تُمنح لأفضل طالب رياضي بالكلية، وكانت الجائزة عبارة عن ساعة “رولكس” ذهبية، سلمها له في حفل التخرج الرئيس “جمال عبد الناصر”، وصافحه بحرارة مهنئًا.
توقع “إسلام” أن يتم إلحاقه على لواء المدمرات ، أو لواء لنشات الطوربيد، وتخيل نفسه وهو يقود مدمرةً أو غواصةً أو مجموعةً من لنشات طوربيد، ولكنه فوجئ بتوزيعه على لواء الوحدات الخاصة، وتلقى أمرًا بالتوجه إلى أنشاص على وجه السرعة للحصول على فرقة معلمي الصاعقة للارتفاع بالمهارات القتالية للقوات الخاصة البحرية، ضمن مجموعة من ضباط وضباط صف الصاعقة البحرية، والحصول على فرقة معلمي صاعقة؛ لتكوين سرية صاعقة بحرية تسافر إلى اليمن.
وعقب انتهاء هذه الفرقة حصلَ على فرقة أخرى، وهى القفز بالمظلات، وصدر قرار بتعيينه قائد فصيلة بأول سرية صاعقة بحرية.
ثم صدر الأمر بالتحرك لليمن، وكان موقع السرية بمنطقة “صعدة” على حدود “جيزان” و”نجران”، وهي من أشد المناطق خطورة باليمن.
ومع تزايد أعداد سرايا الصاعقة البحرية بدأ التفكير في إنشاء كتيبة مشاة أسطول بالتعاون مع الخبراء السوفييت. وفي تلك الأثناء بدأت تلوح في الأفق نُذُرُ حرب يونيو 1967. وتحركت كتيبة مشاة الأسطول التي ينتمي لها البطل إلى شرم الشيخ؛ تمهيدًا للهجوم على إيلات طبقا للخطة، ولكن مع بداية حرب 1967 صدرت الأوامر بالانسحاب من شرم الشيخ إلى الغردقة، وعندما اقتربوا منها صدرت الأوامر بالتوجه إلى رأس غارب؛ لأن ميناء الغردقة كانت طائرات العدو قد دمرته.
وفي رأس غارب تم نقلهم بعربات إلى السويس، ومن السويس استقلوا القطارَ إلى القاهرة. ومرت عليه لحظات حزينة، وهو يستمع لخطاب “عبد الناصر” الذي أعلن فيه التنحي. تم تكليف “إسلام” باختيار أفضل العناصر من الضباط وضباط الصف والجنود لتشكيل سرية صاعقة بحرية، وأن يعد لها خطة التسليح والتدريب.
بدأ التدريب بتركيز وكثافة عالية، وخبرات اكتسبها من فترة العمل باليمن، وأضاف لها فترة تدريبية بمدرسة الصاعقة بأنشاص.
وفى إحدى العطلات التقى مصادفة بزميل الدراسة السابق بمدرسة مصر الجديدة الثانوية، “إبراهيم الرفاعي”، فسأله عما إذا كان لديه رجال للقيام بعمليات خاصة، فرد عليه بالإيجاب فصحبه “الرفاعى” إلى اللواء “محمد صادق”، مدير المخابرات الحربية آنذاك، وقال له: “إسلام توفيق معاه ناس موجودين للتدريب بأنشاص ومستعدين للعمل”.
ثم صحبه “الرفاعي” إلى الجبهة لاستطلاع الضفة الشرقية للقناة. وبعد العودة تم تكليفه بالمهمة الأولى، وهى الحصول على عينة من صواريخ إسرائيلية نشرها العدو على طول الجبهة، فقام مع عددٍ من رجاله بهذا العمل بنجاح، وحصلوا على ثلاثة صواريخ لا صاروخًا واحدًا، وبدأت الأنظار تتجه إليهم، وتلقوا خطاب شكرٍ من وزير الحربية.
تم اختيار عدد من مقاتلي هذه السرية تحت قيادته للانضمامِ لمجموعة الرفاعي، وتوالت العملياتُ الناجحة. وانضمَّ إلى المجموعة، خلال تلك الفترة، بطل الصاعقة الرائد “عصام الدالي”، والذي كان قد حصل على فرقة أركان حرب من روسيا، وله خبرة كبيرة بالعمليات الخاصة، وكان اختيارًا موفقًا لدعم المجموعة، وكان بينهما تآلف كبير وود حتى شاركه في عملية الكرنتينة التي استُشهد فيها “الدالي”.
ويذكر “إسلام” أن تدريبات الصاعقة البحرية ضمن صفوف المجموعة صحبها تعديل وتطوير في زوارق النقل البحري، بما يتماشى مع المهام المكلفين بها، وشملت التعديلات زيادة سعة خزانات الوقود، ومكانها، وإدخال بعض مساعدات الملاحة البحرية، وتزويد الزوارق بقواعد الرشاشات الثقيلة، ووضعت سنادات لتحميل الزوارق بسيارات الجيب للإبرار البحري، وضمان سرعة المناورة ضد مواقع العدو في العمق.
ويمكن القول إن المجموعة هي أول من استخدم هذه المعدات في القوات المسلحة المصرية.
وعن إحدى العمليات الأخرى التي أوكلت إليه يروي “إسلام” في كتابه “حرب الاستنزاف”، عن العملية “عصام 8″، والخاصة بالتقاط مجموعة استطلاع مؤخرة العدو يومي 27، 28 يونيو 1970، قائلًا:
“مجموعات الاستطلاع المصرية كانت موجودة بصفة دائمة خلف خطوط العدو، وكانت كل مجموعة تتكون من ضابط وجنديين وفردين من البدو كأدلة، وكانت تلك المجموعات مزودة بأجهزة لاسلكي، وكاميرا للتصوير.
ومدة بقاء كل مجموعة لا تزيد عن الشهر، وكان يرتب لذهاب أحد القوارب لإرسال المجموعة الجديدة وإحضار القديمة.. فإذا لم يستطع القارب الوصول إلى النقطة المتفق عليها نظرًا لنشاط دوريات العدو بالمنطقة، كانت مجموعة الاستطلاع تعود إلى داخل سيناء، وتستمر مدة مثل التي قضتها قبل أن تذهب إلى الساحل لتنتظر الزورق.
وقد حدث أن استمر بقاء إحدى هذه المجموعات داخل سيناء أكثر من 6 أشهر نظرًا لتزايد النشاط البحرى للعدو بالمنطقة، حيث كان للعدو 3 لنشات حراسة سريعة من طراز “برترام” تقوم بدورياتها في تلك المنطقة، منطلقة بقاعدة برأس سدر.. بالإضافة إلى يقظة قواته على الشاطئ الشرقى على خليج السويس.
وأمام تلك المشكلة استدعى الفريق “صادق”، رئيس الأركان وقتها، النقيب “إسلام”، باعتباره قائدًا للمجموعة البحرية داخل المجموعة “39 قتال”، وطلب منه العمل لإعادة مجموعة استطلاع مؤخرة العدو من سيناء.
درس “إسلام” الموقف وأسباب فشل التقاط هذه المجموعة.. فتبين له من الدراسة أن اللنشات الإسرائيلية الموجودة بالخليج تعترض أي وحدات بحرية في مياه الخليج، فعندما يخرج أيُّ لنش مسلح من قاعدة الأدبية تعمد اللنشات الإسرائيلية إلى اعتراض طريقه لإرغامه على العودة إلى القاعدة، وعدم ممارسة أي نشاط عسكري خارجها.
رأى البطل ضرورة الاستفادة من هذه النقطة بأن يصل بمجموعته إلى نقطة جنوب الأدبية بنحو 25 كيلو مترًا، ويرسل إشارة لاسلكية إلى القاعدة البحرية يطلب منها إخراج أحد اللنشات لجذب أنظار دوريات العدو البحرية، وبالفعل بمجرد خروج اللنش المصري المسلح من قاعدة الأدبية رصدته أجهزتهم، وخرجت الدورية البحرية لتقفَ أمامه كالمعتاد، وهنا خرجت الدورية البحرية المصرية من النقطة الجنوبية في زورقين، واحتفظ القائد بزورق ثالثٍ كاحتياطي بمنطقة العبور للاستخدام في حالة الاحتياج إليه.
بدأ عبور “إسلام” بمجموعته في التاسعة إلا ربع مساء، واستغرقت الرحلة نحو الساعة والنصف، وفى العاشرة والنصف تم الاتصال بمجموعة الاستطلاع التي سيتم التقاطها. وبالفعل تم الالتقاط، ولم يتحرك القاربان للعودة إلا في الحادية عشرة والربع، بعد أن ظلا بالمنطقة نحو 45 دقيقة، وعاد القاربان ليصلا بسلام إلى نقطة العودة في تمام الساعة 12،40 دقيقة بعد منتصف الليل.
كان إسلام توفيق، بعد الحرب مستهدفًا من قبل الموساد الإسرائيلي، حتى معاهدة كامب دافيد في بعض نصوصها منعت التعرض له، وبعد خروجه من الخدمة التزم العميد إسلام توفيق، المساجد وتفرغ للعبادة والخدمات المجتمعية.
هو واحد من الملايين التي عشقت تراب هذا البلد، وتقدموا حاملين أرواحهم فداءً لترابها.. فمنهم من روَت دماؤهم هذا الثَرى الطاهر، ومنهم من ينتظر.