ثورة شعب.. الطريق إلى 30 يونيو.. كيف أدار «الإرهاب» مصر في عام وثلاثة أيام؟

دعاء رحيل
الأخونة والتخوين وشبح المجاعات والكيل بمكيالين وافتقاد الولاء للوطن .. أهم أسباب سقوط دولة البنّا
بعد 8 سنوات من ثورة المصريين على قوى الظلام.. ماذا سيكتب التاريخ؟
التنظيم كشف عن حقيقته التآمرية في أحداث 2011.. وتخلّى عن سياسة التستر خلف الدين
بديع تنبأ بـ«عصر الانشقاقات» في جماعة الإخوان الإرهابية.. وسقوط عزت كشف «خريطة الدم»
يحل كل عام شهر يونيو على المصريين لتستعرض ذاكرتهم تفاصيل الحلم والمعجزة التي أنهت أسوأ عام مرّ على المصريين في تاريخهم، بظلّ جماعة ظنت الوطن مأثرة وملكية خاصة، وراحت تفكك نسيج ولُحمة الشعب المصري وتوكل أمره لجهات خارجية وتهيم في شوارعه ميليشيات مسلحة، فضلا عن شبح الجوع والأزمات الذي طارد المصريين تحت راية حكم جماعة لا ترى لها رعية إلا من أقسم لها الولاء على السمع والطاعة.
وأنهى الشعب المصري حكم الإخوان بعد عام وثلاثة أيام فقط قضوها في الحكم ارتكبوا خلالها أخطاء فادحة أنهت العلاقة بينهم وبين الشعب في خلال هذه المدة الزمنية الضائعة من عُمر مصر التي كانت البلاد فيها أحوج ما تكون لاستثمار كل يوم للبناء والتقدم والنمو والاستقرار.
نستعرض أبرز هذه الأخطاء التي تسببت في استياء الرأي العام الشعبي:
السياسة الخارجية:
فشلت الزيارات المتعددة التي قام بها مرسي شرقاً وغرباً في فتح آفاق التعاون البنّاء بين مصر ودول عديدة في العالم، وبات واضحاً أن علاقات مصر الخارجية تقزمت في دول بعينها تدعم حكم الإخوان في مصر مثل “قطر وتركيا” .. وتراجعت علاقات مصر بدول محورية عديدة خاصة في العالم العربي.
فشل الحكم في استقدام تكنولوجيا متطورة، أو خبرات لقطاعات الإنتاج تعين الدولة على الخروج من كبوتها وتصحيح مسارها الاقتصادي. بل على العكس اصطحب مرسي معه في زياراته الخارجية رجال أعمال قاموا بعقد صفقات تجارية استنزفت جزءا من الاحتياطي النقدي للبلاد.
مياه النيل
معالجة سلبية للغاية لمباشرة إثيوبيا بناء سد النهضة، كشفت عن الافتقاد لأسس التعاطي مع الأزمات الممتدة منها أو الناشئة، فضلاً عن سوء إدارة الحوار مع القوى السياسية وبثه على الهواء بما ساهم في توتر العلاقات مع الجانب الإثيوبي وأجهض أسس الحوار السياسي معه.
الاستمرار في الخطى السياسية السابقة المتقاعسة عن تفعيل التعاون البناء في المجالات المختلفة مع دول حوض النيل، بما يدعم سبل الحوار السياسي معها حول الأزمات المختلفة.
العلاقة بين أبناء الوطن الواحد:
رسخ حكم مرسي على مدار عام حالة من الاستقطاب الحاد، وقسّم المجتمع بين مؤيد للمشروع الإسلامي الذي يمثله الرئيس وجماعته دون أن يقدموا دليلاً واحداً على هذا المشروع، وبين مناهض له يوصف في أغلب الأحيان بــ “العلماني”. وبدلاً من أن يتفرغ الشعب للعمل والإنتاج، اتجه إلى التناحر والعراك بين التأييد والرفض.
عمل حكم مرسي وبسرعة كبيرة على ترسيخ الأخونة ونشر هذا الفكر رغم تنامي الشعور المعادي له من يوم لآخر.
كثيراً ما تحدث حكم مرسي عن أمر وفعل نقيضه في الحال، وأبرز مثال على ذلك الحديث عن حماية الأقباط، واستهداف دور عبادتهم في ذات الوقت.
شهدت مصر خلال عام من حكم مرسي أعمالاً فوضوية وهمجية غير مسبوقة بعضها كان بتحريض من الرئيس وجماعته كحادث قتل الشيعة بالجيزة.
الدفاع والأمن
افتعال الأزمات الرامية إلى تشتيت جهود الأمن والحد من اكتمال البناء الأمني، وكان أبرز المشاهد إحياء ذكرى أحداث محمد محمود، واستاد بور سعيد، وإحداث قلاقل أمنية من آن لآخر بالعديد من المحافظات خاصة بورسعيد والسويس.
إصدار العديد من القرارات والإعلانات الدستورية التي تسببت في زيادة الضغط الشعبي على الجهاز الأمني بالخروج في مظاهرات عارمة الى الاتحادية والتحرير، فشهدت مصر أول حالة سحل لمواطن على مرأى العالم أجمع.
الإفراج عن سجناء جهاديين من ذوي الفكر المتطرف استوطنوا سيناء وسعوا إلى تكوين إمارة إسلامية متطرفة تستمد العون من أنفاق التهريب مع قطاع غزة التي حظيت بكل الدعم والحماية من رئيس الدولة ذاته، نفذت هذه الجماعات فعلاً خسيساً بالإجهاز على 16 شهيداً من الأمن وقت الإفطار في رمضان، وبعد أشهر تم اختطاف سبعة جنود قبل أن يفرج عنهم بفعل حشود الجيش لتعقب الإرهابيين، وتدخّل جماعة الرئيس للإفراج عن الجنود. فضلاً عما تكشف بعد إقصاء هذا الرئيس من كون هذه الجماعات الإرهابية السند لجماعة الإخوان في حربها الإرهابية ضد الدولة.
سعى عدد من أعضاء جماعة الرئيس للاحتكاك اللفظي بالمؤسسة العسكرية وقادتها، ومحاولة النيل من هذه المؤسسة التي تحظى بكل الحب والتقدير من الشعب كافة عبر إشاعة الأقاويل حول وحدتها وتماسكها.
الأمن الغذائي والخدمي
استمرت الأزمات الغذائية، والارتفاع المتواصل في أسعار السلع والخدمات دون تدخل حكومي يسعى لوقف جشع التجار، رغم سعي الحكم الى تحسين منظومة توزيع الخبز، وعبوات البوتاجاز.
تكررت وبشكل متواصل أزمات البنزين والسولار، بما أثر على الحركة الحياتية للمواطن، وانعكس ذلك على الانقطاع المتكرر للكهرباء.
بدا واضحاً اتجاه الحكم لاستخدام المنظومة التموينية لخدمة أغراضه الانتخابية، ومحاولة كسب شعبية عبر التلاعب بالحصص التموينية.
الثقافة والفنون والآداب:
اتجاه واضح نحو تغيير هوية مصر الثقافية، والعمل على ارتدادها لحساب توجهات رجعية متخلفة، بدءًا من منع عروض الباليه بدار الأوبرا، إلى إقصاء قيادات الثقافة والفنون والآداب، مقابل إحلال قيادات تدين بالولاء للجماعة الداعمة للحكم.
الإعلام والصحافة:
ناصب الحكم ، الإعلام، العداء لدوره السريع في كشف المثالب أمام الرأي العام، وبات الإعلام الذي لعب دوراً جوهرياً في تعريف المرشح الرئاسي محمد مرسي، وجماعته للرأي العام المحلي، هدفاً مباشراً لتحجيمه، بل وإقصاء رموزه.
السعي بكل قوة لأخونة مؤسسات الدولة الصحفية والإعلامية، في محاولة واضحة لتأسيس الفكر الإخواني من جهة، والحد من تأثير الإعلام المضاد من جهة ثانية.
القضاء والحريات العامة
افتعال أزمات متتالية مع القضاء، بدءًا من إقصاء النائب العام، إلى محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل أنصار الرئيس، ثم محاولة تحجيم دورها في دستور ديسمبر 2012، فإصدار إعلانات دستورية وقرارات تمس بالسلب القضاء والحريات العامة ومؤسسات الدولة، تسببت في إثارة غضب الرأي العام، الذي عبّر عن ضيقه بإحراق مقار لحزب الرئيس، فعاد الرئيس عن بعض إعلاناته وقراراته، ومضى في أخرى مما تسبب في زيادة الحنق الشعبي عليه وعلى جماعته.
استمرت الأزمات بين القضاء والرئاسة، حيث قضت محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرار تنظيم الانتخابات البرلمانية، فكان أن رفعت جماعة الإخوان شعار تطهير القضاء، والعمل على سنّ تشريع يقضي بتخفيض سن التقاعد للقضاة ليقصي عدة آلاف منهم ليحل بدلاً منهم أنصار الحكم.
وكانت الضربة الأخيرة التي سددها القضاء للرئيس المُقصى هي الإشارة إليه بالاسم وعدد كبير من قيادات جماعته بالتعاون مع حماس وحزب الله في واقعة اقتحام سجن وادي النطرون.
النقل والمواصلات:
تعهد مرسي بحل مشكلة المواصلات ضمن خمس مشاكل تعهد بحلها خلال المائة يوم الأولى من حكمه، فاستفحلت مشكلة المواصلات خلال العام الذي شهد كوارث يومية للطرق أبرزها حادث مصرع 50 طفلاً على مزلقان بأسيوط.
لم يشهد العام من الحكم تشييد أي من الطرق الجديدة، أو إصلاح الطرق القائمة، فضلاً عن تراجع أداء مرفق السكك الحديدية.
الاقتصاد والمال:
الهدف الأساسي لحكم مرسي كان الاقتراض من الخارج، سواء من قبل دول سايرت مشروع قدوم الإخوان للحكم كقطر، وتركيا، أو من خلال السعي للسير في ركب التوجهات الغربية عبر إيلاء قرض صندوق النقد الدولي الأهمية باعتباره شهادة حُسن أداء للاقتصاد. ومع تراجع الناتج القومي جراء عدم الاستقرار السياسي والأمني، ارتفع حجم العجز بالموازنة، ومن ثم ارتفاع حجم الدين المحلي الذي شكلت خدمة الدين بسببه عنصراً ضاغطاً إضافياً على الموازنة. فضلاً عن استهلاك رصيد الاحتياطي من النقد الأجنبي، وارتفاع قيمة الدين الخارجي بنسبة 30%..
ارتبك الحكم في مواجهة كافة المشكلات الاقتصادية، فارتفع عدد المصانع المتعثرة، وازداد معدل البطالة بين فئات قطاعات التشغيل كافة، وتراجعت معدلات السياحة إلى مستوى متدنٍ، وجاءت المعالجة السلبية لسعر صرف الجنيه لتزيد من الضغوط الحياتية على المواطنين، وفشل الحكم في تحديد معدل نمو خلال عام الحكم يمكن الاسترشاد به محلياً ودولياً.
أثرت الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة بشكل كبير، فضلاً عن تخفيض قيمة الجنيه، في التعامل داخل البورصة المصرية، فزادت خسائر حائزي الأوراق المالية، وهرب أغلب المستثمرين الأجانب، وانخفض تصنيف مصر الائتماني لعدة مرات، الأمر الذي عكس خشية المستثمرين على استثماراتهم في مصر.
طوق النجاة
8 سنوات كاملة، تمر اليوم، على ثورة 30 يونيو، طوق النجاة، الذى أنقذ البلاد من حكم جماعة الإخوان الإرهابية، التى فككت مفاصل الدولة، خلال عام وثلاثة أيام فقط، قضاها محمد مرسي في الحكم، ارتكب خلالها أخطاء فادحة، أنهت العلاقة بينه وبين الشعب.
وجاءت ثورة 30 يونيو لتبنى وطنًا، وتصحح مسارًا، وتفتح آفاق الحلم والأمل أمام ملايين المصريين، الذين هتفوا ضد أعداء الوطن وسارقى الأحلام، ليستردوا مصر.
8 سنوات، نجحت خلالها الدولة في استعادة الأمن، وبناء الاقتصاد، في معركة حياة أو موت، في حب مصر، على جميع الجبهات.
منذ تسعينيات القرن الماضي، والقائمون على الأمن القومي المصري، يقدمون تقدير موقف عن خطورة أي كيان موازٍ، وخصوصًا تنظيم الإخوان الإجرامي، على الشعب والدولة والمجتمع والثقافة والدين والتعليم؛…إلخ.
لكن لضرورات دولية وإقليمية، كانت القيادة السياسية، تؤجل الحسم في هذا الأمر، وكانت استراتيجية التنظيم منذ تأسيسه، الحرص على حصر معركته مع أنظمة الحكم، وخداع الشعب بالمظلومية والدين والأخلاق، لصناعة حاضنة اجتماعية داعمة، وممولة بالموارد البشرية والمالية، ليستخدمها في إسقاط الأنظمة.
حتى جاءت أحداث يناير 2011؛ وكشف التنظيم عن حقيقته التآمرية، وتخلى عن التقية السياسية التي ظل يمارسها طوال 90 عامًا من التستر خلف الدين، والمزايدة على الشعب، وتمكن التنظيم من رأس الدولة المصرية، وأصابه السعار في التمكين من مفاصل الدولة.
لكن جاء زلزال 30 يونيو 2013؛ الذي ضرب مركز التنظيم في مصر، وأصاب التنظيم بالتصدع والتشظي، وتحولت المعركة مع الشعب المصري، وهنا جاء العدّ التنازلي لنهاية التنظيم، وأصبح التنظيم محاصرًا، وتفرغ إلى الداخل التنظيمي العفن، وتفجرت المشكلة تلو الأخرى.
«بديع» يعترف بالانقسامات الداخلية
من جانبه؛ قال إبراهيم ربيع، باحث في شئون الحركات الإسلامية، إن اعتراف المرشد العام السابق للجماعة، محمد بديع، في عام 2017، أن الجماعة باتت تعاني من انشقاقات أساسية، كان بداية الاعتراف بالانشقاقات، ثم توالت الضربات للجماعة.
وفي يوليو 2019، ضرب زلزال قواعد الجماعة، بتسجيل صوتي، لأحد أعضاء مجلس شورى الجماعة، ويدعى أمير بسام، تحدث فيه بشكل صريح، عن وقائع فساد مالي ارتكبها أكبر قيادات جماعة الإخوان في تركيا، وتحديدًا كل من محمود عزت، وإبراهيم منير، ومحمد البحيري.
وأضاف “ربيع” أنه بمجرد القبض على ثعلب التنظيم القطبي محمود عزت، في مخبئه، سعت الجماعة إلى سرعة الإعلان عن مرشدها الجديد، بهدف إرسال رسائل طمأنة إلى الداعمين والممولين لها.
وتابع: كذا التأكيد على قدرتها على الصمود والاستمرار، والضربات الأمنية المتلاحقة والتصدع الجاري لهياكل التنظيم، ورسم خطابه الإعلامي بمثابة ضربة، تسببت في شلّ عقل الجماعة، وبات جسم الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان بلا رأس حقيقية على الأرض، وبات هدفًا للأجهزة الأمنية المصرية، لتسديد ضربات أعمق، تفتت الهيكل التنظيمي المتداعي، والذي دخل في حالة كمون وموت دماغي، كما كشفت عملية القبض على “عزت” عن أسرار جديدة عن خطة الجماعة وخريطة التحركات المستقبلية.
التاريخ يكتب
وعن ماذا سيكتب التاريخ عن 30 يونيو، يقول الكاتب بلال الدوي، “سيكتب التاريخ عن أُمة عانت من مُتشددين ومتطرفين استغلوا الدين لحسابهم وتحالفوا مع الأعداء حتى يصعدوا للحكم على جثة وطن تم ذبحه بسكين مدفوعة الثمن، سيكتب التاريخ عن أُمة اجتمع عليها المُغرضون وخططوا لهدمها مقابل حفنة دولارات، سيكتب التاريخ أن جماعة إرهابية دربت ميليشيات مُسلحة وجهزتهم لشن عمليات إرهابية وتكفير كل من يخالفهم في الرأي، سيكتب التاريخ أن “مصر” التى ذُكرت في القرآن حكمها أحفاد حسن البنا لمدة عام وخانوا العهد والوعد ولم يصونوا الأرض والعرض فكانوا بئس الحُكام وبئس الأحفاد وبئس الجماعة”.
سيكتب التاريخ أن مُرشدهم ومكتب إرشادهم كانوا يحكمون وطنًا عريقًا وتاريخه عريق يُقدر بـ 7000 سنة لكنهم فضلوا جماعتهم على هذا الوطن العريق وأرادوا ضم الوطن ليكون جزءا من جماعتهم، لكن الشعب لفظهم دون رجعة.
.. سيكتب التاريخ أن الشعب المصرى رفض كذبهم وتخلفهم ولم يطق حكمهم ولا مُرشدهم ولا جماعتهم وخرج في ثورة شعبية ليهتف “يسقط يسقط حكم المرشد”، سيكتب التاريخ أن هذا الشعب واعٍ ولم يسمح بضياع الوطن، ولم يسمح لفئة ضالة أن تسرق الوطن وتبيع وتشترى فيه، سيكتب التاريخ أن مصر لديها شباب رائع وقفوا وقفة رجل واحد وتقدموا الصفوف وصمموا على استعادة الوطن المسلوب.
..سيكتب التاريخ أن الصحفى الراحل الحسينى أبوضيف والضابط البطل الشهيد محمد أبوشقرة كانا أيقونة لثورة شعب غاضب من إرهاب جماعة خائنة، سيكتب التاريخ أن استشهاد الجنود في حادث رفح كان ليلة حزينة علينا ولم ننم فيها من شدة بكائنا على الشهداء، لكننا يومها لم نفقد الأمل ولم نيأس وزادت ثقتنا في أنفسنا بأن هؤلاء القابعين في الحكم سيرحلون وسيُحاسبون على ما اقترفوه في حق الوطن، سيكتب التاريخ أن الإعلان الدستورى الديكتاتوري كان خنجرًا في عقولنا وقلوبنا لأننا لم نتوقع حالة الجنون التى أصابت الجماعة الإرهابية وجعلتهم يُقدمون على هذه الخطوة السيئة التى اعتدت فيها على القضاء وأحكامه لكننا كُنا نُدرك أنها ستقصم ظهرهم.