الداي شعبان يؤدب سلطان فاس
كان السلطان العلوي المولى محمد بن الشريف دائم الإعتداء على الحدود الجزائرية التي كانت آنذاك تصل إلى نهر ملوية، وبعد وفاة المولى محمد بن الشريف ، وجلوس أخيه الرشيد على كرسي العرش العلوي ،
كانت تصله مراسلات من داي الجزائر تطالبه ألا يسمح لجيشه بالتوغل داخل الأراضي الجزائرية إبتداءا من نهر ملوية شرقا، ويخبره أنه سيواجه عواقب وخيمة إذا لم يمتثل لأوامره،
فاستجاب السلطان العلوي لتهديدات الداي حسين ميزومورتو، وبعث له له رسالة تحتوي على رسم للحدود التي تفصل الأراضي الجزائرية عن أراضي إمارة فاس سنة 1672 ، وهكذا تم الإتفاق بين الطرفين
بجعل نهر ملوية كفاصل بين الدولتين ( نلاحظ هنا أن المغاربة هم أول من اعترف ولو مرغمين بترسيم الحدود التي يدعون اليوم أن الإستعمار الفرنسي هو من رسمها!! وهو ما نفيناه جملة وتفصيلا في منشور سابق).
وبعد وفاة المولى الرشيد و تولي السلطان إسماعيل ، عاد هذا الأخير إلى عوائد أسلافه باختراق نهر ملوية و الإعتداء على الأراضي الجزائرية سنة 1687 ، بحجة أن
داي الجزائر يقوم بدعم الثائر المغربي ابن محرز (الذي قام بثورة ضد الدولة العلوية بسبب الضرائب العالية التي يفرضها المخزن على السكان) ، _ وما حاجة الداي إلى دعم ثائر مغمور و أسطوله يدحر أقوى أساطيل أوروبا _ فجيشه قادر على دحر جيوش السلطان العلوي وتأديبها كما سنرى .
تولى الداي شعبان حكم الجزائر ، وكان الداي شعبان رجل دولة متمكن ، كما كان رجل حرب وحزم ، وكان طموحه الأول هو توحيد دول المغرب العربي الثلاث (الجزائر ، تونس والمغرب الأقصى) تحت راية واحدة لمواجهة التحالفات الأوروبية ضده .
فاستغل مهاجمة باي تونس للشرق الجزائري ونظم حملة ردت التونسيين على أعقابهم ، وقصد بعد ذلك إلى تونس العاصمة ، وعزل محمد باي تونس ، ونصب مكانه باي قسنطينة أحمد بن شركس بايا على تونس .
وحدث في نفس الوقت أن سلطان فاس المولى إسماعيل استغل خروج الداي شعبان إلى تونس ، وأرسل حملة على تلمسان مدعيا أن الجزائريين يدعمون الثائر المغربي ابن محرز كما ذكرنا أعلاه ، ولكن الداي شعبان سار إليه على رأس جيش كبير يتشكل من الأتراك والعرب ، ونشبت بينهما معركة كبيرة على نهر ملوية، يقول عنها المؤرخون الفرنسيون أن السلطان العلوي فقد فيها 5000 آلاف من جنوده ، وتتبع الداي فلول الهاربين من جيش السلطان حتى وصل وراءهم إلى فاس ، وكادت تنشب معركة جديدة ، لولا أن السلطان العلوي تقدم مكتوف اليدين إلى الداي ، وقبَّل الأرض بين يديه ثلاثًا ، وقال له ما معناه ” أنت السكين وأنا اللحم”.
بعد خروج الداي شعبان من تونس لمحاربة السلطان العلوي المولى إسماعيل ، حشد باي تونس المعزول محمد باي أنصاره ، واستطاع استعادة عرشه ، ثم بعث لسلطان فاس يحالفه ضد داي الجزائر ،
فقرر داي الجزائر الذي كان يناصره باشا طرابلس أن يطرد محمد باي من عرش تونس نهائيا ، فأدرك محمد باي حينها أن سلطان فاس لن يستطيع أن يقدم له أي معونة وهو قد انهزم أمام الداي شعبان لتوه ، فعرض محمد باي على الداي أن يقدم له جباية عنواناً لخضوعه ، ولكن الداي شعبان رفض ، وقرر مهاجمة تونس ، وهزم محمد باي ، ودخل العاصمة تونس
ونصب أحمد بن شركس بايا عليها من جديد، ثم عاد إلى الجزائر في فيفري 1695، ولكن بعد فترة عاد محمد باي مرة أخرى ونصب نفسه بايا على تونس ، فعز على الداي شعبان أن تذهب كل هذه جهوده سدى ، وقرر توجيه حملة أخرى على تونس ، ولكنه لقي معارضة من بعض قواد جيشه بعد التعب الذي أصابهم ، فدبر الداي شعبان مؤامرة وقتلهم ، فثارت ثائرة الجنود وقاموا بعزل الداي شعبان ووضعوه في السجن.
ومن الغذ عثر بعض الجنود على جندي قديم زميل لهم إسمه الحاج أحمد ، وقد صار إسكافيا ، فحملوه على الأكتاف و نادوا به دايا على الجزائر _ بهذه السهولة _
وقد حكم الداي الجديد فور إنتصابه بإعدام شعبان باشا ، وتم بعدها عقد الصلح بين الجزائر وتونس .
ولم يحدث في أيام الحاج أحمد باشا شيء يذكر سوى الوباء الذي قضى على كثير من الناس في الجزائر واستمر أربع سنوات .
وبعد وفاة الداي الحاج أحمد باشا سنة 1698 خلفه حسن باشا الشاوش دايا على الجزائر
وفي هذه الأثناء توفي محمد باي تونس الذي عقد السلم مع الجزائر ، وخلفه أخوه رمضان الذي أراد أن يتخلص من منافسه مراد إبن أخيه ، ولكن مراد هذا فر بحياته واستطاع النجاة وجمع بعض الساخطين و أعلن نفسه بايا على تونس،
واستطاع أنصاره القضاء على رمضان واستفرد هو بحكم تونس .
بعد هذا تحالف مراد باي تونس مع خليل باشا طرابلس والمولى إسماعيل سلطان فاس ضد داي الجزائر حسن باشا الشاوش.
و وعد سلطان فاس باي تونس بتنظيم هجوم على الناحية الغربية للجزائر ، على أن يقوم باي تونس بالهجوم على الشرق الجزائري ، وسار مراد باي بالفعل ناحية قسنطينة سنة 1700 ، وحاصرها واستطاع دخولها وقتل حاكمها
وعند وصول هذه الأخبار إلى الداي حسن باشا الشاوش اعتزل الحكم وطلب من الديوان اختيار داي جديد ، فتم انتخاب الحاج مصطفى ،
الذي بدأ مهمته بنجدة قسنطينة ، وهزم باي تونس الذي تشتت جيشه وانسحب الى وراء الحدود التونسية .
ولم يلاحق الداي الحاج مصطفى فلول جيش باي تونس ، وفضل البقاء في قسنطينة لتنظيم أمورها وعين عليها أحمد بن فرحات خلفا للباي الذي تم قتله.
وفي هذه الأثناء كان سلطان فاس المولى إسماعيل قد هجم على تلمسان تنفيذا للإتفاق المبرم مع مراد باي تونس ، لذلك توجه الداي الحاج مصطفى فور انتهائه من تنظيم أمور قسنطينة إلى الغرب الجزائري ،
حتى إلتقى مع الجيش العلوي الذي كان يعد خمسين ألف جندي قرب نهر الشلف وذلك سنة 1701 ، وبعد أربع ساعات من نشوب المعركة إندحر جيش السلطان العلوي ، وجرح هو نفسه جروح بليغة ، وكاد يسقط أسيرا في يد الداي الحاج مصطفى.
وعاد الداي إلى العاصمة الجزائر وهو يحمل رؤوس ثلاثة آلاف جندي و خمسين قائدا مغربيا ، ومغانم كثيرة
وعندما أراد مراد باي تونس أن يشن حملة جديدة على الداي ثار عليه جنوده إذ تسبب لهم في هزيمة شنعاء ، وقتلوه على ضفاف وادي الزرقة هو وعائلته.
#المراجع:
_ تاريخ الجزائر في القديم والحديث ، مبارك بن محمد الميلي ، ج3
_ التاريخ الدبلوماسي للمغرب من أقدم العصور إلى اليوم ، التازي عبد الهادي ، ج1
_ التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير ، الفيلالي عبد الكريم
_ تاريخ المغرب وحضارته من قبيل الفتح الإسلامي إلى الغزو الأوروبي ، حسين مؤنس
_ تاريخ الجزائر القديم والحديث، ليون غاليبرت