تاريخ ومزارات
تاريخ الدولة العثمانية
تاريخ الدولة العثمانية (11)
————————————————-
الصدام بين تيمورلنك و بايزيد الأول
————————————————-
وُلِد تيمورلنك أو تيموركوجان، في قرية خواجة أبلغار عام 1336 م، الموافق شعبان 736 هـ، وهي من مدن ما وراء النهر، .وتقع جنوبي سمرقند في أوزبكستان.
وقد صعد إلى السلطة عبر سلسلة من الخيانات والإغتيالات
وحمل لقبَ «أمير» ولقب «كوركان»، التي تعني بلغة المغول الصهر؛ لزواجه من بنات الملوك. وأطلق عليه المؤرخون بعد ذلك مؤسس مملكة المغول الثانية. وقد أضاف الفُرس إلى لقبه كلمة «لنك» التي تعني الأعرج، وهذا الاسم لم يُعرف به إلا بعد الإصابة التي حدثت لقدمة في سيستان عام 1365م
وقد تميز تيمورلنك عن غيره من الطغاة التتر أنه كان يهدم المدن ثم يعيد بناءها على نمط جديد من صنع خياله.
وبرغم حبه للدمار وسفك الدماء فقد كان رجلا واسع المعرفة، يتحدث بلغات متعددة، يحب الأطباء والفلكيين والفقهاء، جمع الصناع المهرة من كل أنحاء الدنيا في عاصمته “سمرقند”، وقد شيد حضارة عظيمة في بلاده، وأقام المنشآت الشامخة في بلاده، وتُعدُّ المقبرة التي بناها لنفسه آية من آيات البناء ومثالاً لسمات العمارة في العصر التيموري.
وبالإضافة إلى شغفه بالعلوم والفنون شارك بالتأليف والكتابة، فوضع مجموعة من القوانين التي أطلق عليها اسم “تزوكيات”، وكتب سيرته الذاتية باللغة الجغتائية التي ازدهرت آدابها في عصره وعصر حلفائه.
و تيمورلنك، برغم أنه كان مسلمًا، إلا أنه لم يطبق تعاليم وأحكام الإسلام في دولته، وإنما طبق قانون الياسا الذي وضعه جنكيز خان وكان تيمور يدعي أنه شيعي تارة وسني تارة أخرى حسبما تقتضي مصالحه في الحكم وما يريد أن يصل إليه؛ حتى أنه ادعى الانتساب إلى الإمام علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-.
—————–
“واستطاع تيمور لنك أن يتوسع بجيوشه الرهيبة وأن يهيمن على القسم الأكبر من العالم الاسلامي؛ فقد انتشرت قواته الضخمة في آسيا من دلهي الى دمشق، ومن بحر آرال الى الخليج العربي وأحتل فارس وأرمينيا وأعالي الفرات ودجلة والمناطق الواقعة بين بحر قزوين الى البحر الأسود….
وفي روسيا سيطر على المناطق الممتدة بين أنهار الفولجا والدون والدنيبر وأعلن بأنه سيسيطر على الأرض المسكونة ويجعلها ملكاً له وكان يردد: “أنه يجب ألا يوجد سوى سيد واحد على الارض طالما أنه لايوجد إلا إله واحد في السماء” ……
——————————————————————
التمهيد لنشوب الصراع مع الدولة العثمانية
استطاع تيمورلنك أن يؤسس دولة واسعة الأرجاء تمتد من سمرقند إلى بلاد الأفغان والهند وإيران، حتى بلاد الكرج وأرمينيا وكردستان، وبذلك يكون قد جاور الدولة العثمانية التي كان يحكمها في ذلك الوقت السلطان بايزيد الصاعقة رحمه الله وغفر له.
وكذلك قد جاور دولة المماليك في مصر والشام والحجاز، والدولة التركمانية الناشئة في شرق الأناضول، والإمارة الجلائرية المتداعية في العراق، والقبيلة الذهبية في حوض نهر الفولغا، وقد قرر تيمورلنك أن يُخضع كافة الحكام على امتداد حدود دولته ليدينوا بالولاء له.
وفي ذلك الوقت كان لبايزيد دولة قوية، بل تعتبر الدولة الثانية في العالم بعد تيمورلنك في القوة والتمكن والقدرة على تجميع الجيوش وفتح البلاد؛ فلذلك كانت المنافسة على أشدها بين الطرفين، وكان الصدام مرتقبًا لكل ذي بصيرة وعلى وشك الحدوث. ولكن ما الذي أشعل الأمور التي وصلت إلى الحرب؟
————————
البداية
إن الذي جعل الأمور تبدأ في الاشتعال هي سلسلة من الأحداث تلت تلك الرسالة التي أرسلها تيمورلنك إلى برهان الدين أحمد بن شمس الدين حاكم سيواس، .
وعلى إثر هذا، طلب من برهان الدين حاكم سيواس أن يضرب النقود باسمه على غرار المتداول في البلاد الخاضعة لحكم تيمور، وأن يجري الخطبة باسم السلطان الجغتائي محمود بن سيورعتمش صنيعة تيمورلنك،
فقام برهان الدين بقطع رؤوس رسل تيمورلنك الذين حملوا إليه الطلب، وأرسل يُعلم السلطان العثماني بايزيد والسلطان المملوكي بما فعله من قتل الرسل، فبعث بايزيد إلى حاكم سيواس يعلمه بموافقته على تصرفه.
وردًا على قتل الرسل، أوعز تيمور إلى عثمان قرابيلوك زعيم الاق قوينلو (الخراف البيض) بمهاجمة سيواس. وهو ما حدث في سنة 1392م، 800هـ، وقتل برهانَ الدين وفرض نفسه حاكمًا على المدينة، ..
ووضع في المدينة السيف بعد حصار دام ثمانية عشر يومًا وعاث فيها فسادًا. وبرر تيمورلنك هذا الخراب والفساد والقتل والذبح على النهج التتري القديم بقوله بأن سكانها أرسلوا بعض الهدايا إلى سلطان مصر، ولذلك وجب معاقبتهم.
إلا إنه اضطر إلى الفرار منها بعد ذلك، عندما رفض السكان الإقرار له بالطاعة واستدعوا السلطان العثماني بايزيد الأول ليحكم المدينة، فسار إليها وترك فيها قوة عسكرية كبيرة وحاشية تضم عددًا من القادة العسكريين.
ثم تقدم بايزيد بعد ذلك إلى “ملطية” وانتزعها من أيدي المماليك، مستغلًا اضطراب الأوضاع في بلاد الشام. ثم “أرزنجان”، وكان حاكمها طهارتن مواليًا لتيمورلنك، فطلب منه أن ينبذ طاعته ويقر بالتبعية للعثمانيين فامتنع،
وأبلغ تيمور بذلك على الفور، فاعتبر تيمور ذلك تدخلًا في شئونه.
ثم تلا هذه الأحداث استيلاء تيمورلنك على بغداد في عام 1393م، فلجأ حاكمها أحمد بن أويس، وحليفه قره يوسف إلى بايزيد، الذي آواهما وأقطع أحمد “كوتاهية”، وأنعم على قره يوسف بـ”اقسرا”. …
فخشى تيمورلنك من قيام تحالف عثماني جلائري تركماني قد تنضم إليه المماليك بعد ذلك، فطلب من بايزيد تسليمه أحمد وقره يوسف؛ فرفض بايزيد، وقال إن هذا يخالف تقاليد الضيافة التركية.
———————
الأسباب الرئيسية للخلاف بين تيمور وبايزيد
والواقع أن الأسباب الرئيسية التي أججت الخلاف بين تيمورلنك وبايزيد الصاعقة هي كالتالي :
● الرغبة التوسعية لكلا الطرفين، وانتهاز الفرصة للانقضاض على الآخر.
● الاختلاف في الهدف من التوسع؛ فبايزيد يريد نشر راية الإسلام في ربوع الأرض، أما تيمور فيريد إعادة ملك المغول مرة أخرى؛ لذلك لا يلتقيان أبدًا.
● العصبية القومية، وخصوصًا لدى تيمورلنك، فهو متعصب للمغولية ويريد إحياءها، بغض النظر عن الإسلام أو غيره، بل كما ذكرنا فهو كان يطبق تعاليم الياسا الوثنية، وإن كان الاسم ظاهريًا مسلمًا.
● لجوء أحمد وقره يوسف إلى بايزيد وتحميسه للقضاء على تيمور، وكذلك لجوء أمراء شرق الأناضول إلى تيمور، وتحميسه ضد بايزيد.
● وقد لجأ أمراء العراق الذين استولى تيمور على بلادهم الى بايزيد، كما لجأ الى تيمور بعض أمراء آسيا الصغرى – وفي كلا الجانبين كان اللاجئون يحرضون من استجاروا به على شن الحرب ضد الطرف الآخر
● نظرة تيمورلنك العدائية لبايزيد واعتبار نفسه تركي الأصل، أما بايزيد فغير ذلك.
● خشية تيمورلنك من اتساع ملك العثمانيين؛ فيجب القضاء عليهم وهم في هذه المرحلة، حتى أنه كان يقول: “إنه يجب ألا يوجد سوى سيد واحد على الأرض طالما أنه لا يوجد إلا إله واحد في السماء”.
● تشجيع النصارى بكامل قوتهم لتيمورلنك بشن الحرب على بايزيد الذي يُزيد عليهم الخناق ويرغب في فتح القسطنطينية.
● الرسائل النارية بين الطرفين.
ففي إحدى الرسائل التي بعث بها تيمور الى بايزيد أهانه ضمنياً حين ذكّره بغموض أصل أسرته ، وعرض عليه العفو على أعتبار أن آل عثمان قد قدموا خدمات جليلة الى الاسلام، ولو أنه اختتم رسالته -بصفته زعيماً للترك- باستصغار شأن بايزيد الذي قبل التحدي وصرح بأنه سيتعقب تيمور الى تبريز وسلطانية …..
——————
ولكن يبدو أن السبب الرئيسي الظاهر في هذا الأمر، أو القشة التي قصمت ظهر البعير، هو ما حدث من قره يوسف من مهاجمة إحدى قوافل الحجاز، فالتجأ من نالهم الأذى إلى تيمورلنك، على الرغم أنه كان يجب الالتجاء إلى حاميه، وهو بايزيد ليقتص لهم. …
ولكن الالتجاء تم إلى تيمورلنك، الذي انتهز الفرصة حيث وجد ضالته التي يبحث عنها لبدء الحرب بينه وبين بايزيد الذي أُنهك في حرب نيقوبوليس، وبالتالي سوف يكون في حالة أضعف منه، ولذلك فهذه فرصة جيدة لحربه والانتصار عليه.
وبدأت المراسلات بينهم على وجوب معاقبة قره يوسف، وأن يستفيق بايزيد من غفلته وما إلى ذلك من الأمور. وفى الحقيقة أن المراسلات لمن يطالعها يجد أنها كانت في طريقها للصلح،….
إلا أن تيمورلنك أصر إصرارًا كبيرًا، ليفسد المفاوضات؛ إذ أصر على تسليم قره يوسف، وهو يعلم رد بايزيد؛ فاشتعل الأمر من جديد، وفشلت كل المراسلات، بل تحولت الأمور إلى طامة كبرى، أو هكذا أرادها تيمورلنك؛ ولذلك فلم يكن هناك مفر سوى الحرب.
———————–
موقف القوى النصرانية من الصراع
فور قرع طبول الحرب، شجعها العالم النصراني؛ إذ أن هذا ما كان يتمناه البابا والحكام الأوروبيون، والإمبراطور البيزنطي، بأن تشتعل الحرب بين العثمانيين والمغول من جديد.
ومع اشتعال الصراع، شعرت أوروبا بتنفس الصعداء ، وخاصة القسطنطينية بل أجرى الإمبراطور البيزنطي مفاوضات مع تيمورلنك على الفور،
وحذا حذوه شارل الخامس ملك فرنسا، حتى إن إمارة «طرابزون» الصغيرة، أعلنت استعدادها للسماح لتيمورلنك باستخدام مينائها الوحيد،
وكذلك وعده أهالي «جنوه» الذين يديرون منطقة «بيزا» الواقعة عند القرن الذهبي لإرسال سفنهم ومنع أي إمدادات عسكرية للعثمانيين إذا ما حاولت العبور إلى آسيا الصغرى في حال ما بدأت الحرب .
وكان كل هذا سعيًا للقضاء التام على الدولة العثمانية، بل وإجلائها بالكامل من أوروبا. فأي حقد هذا في قلوب هؤلاء!
———————-
معركة أنقرة
كان بايزيد يخطط أن تكون المعركة بينه وبين تيمور خارج حدود الدولة، لا سيما وقد اقترب موسم حصاد الفاكهة، ولا يريد تخريب طعام وتجارة المدينة. أما تيمورلنك فكان يخطط للتوغل السريع بقواته ولمسافات بعيدة في الأراضي العثمانية، وذلك بهدف إرباك بايزيد وقواته؛ حتى تتشتت ولا تعرف أين تقاتل أهنا أم هناك .
وعلى هذا، زحف تيمورلنك باتجاه الأناضول، وقد حرص على إخفاء قواته خلف الجبال، وأتلف المزروعات أثناء طريقه، ودمر البلاد التي مر بها خلال عملية الزحف، وكانت حجته في هذا إيجاد وجمع الأعلاف للخيول والتقى الجيشان قرب أنقرة في عام 804هـ/1402م …
تقدم تيمورلنك إلى «سيواس» -والتي كما ذكرنا كان يعتبرها نقطة جوهرية بالنسبة له-؛ فاحتلها وأباد حاميتها، والتي كان يقودها الأمير أرطغرل بن بايزيد ،
وكانت قوات بايزيد تبلغ 120.000 مجاهد لملاقاة خصمه وزحف تيمورلنك على رأس قوات جرارة في 20 يوليو 1402 (804هـ)…
فكما لو أنه أراد أن يفتك بسيواس على رفضها الدخول في طاعته من قبل، وأن ينتقم من بايزيد في ابنه أرطغرل رحمهما الله.
ويجب ألا نعجب أبدًا من هذه الحجج التافهة التي تتردد على المسامع من تدمير المدن والزروع لأجل إيجاد طعام للخيول، ألم يكن يستطيع أن يجمع الأعلاف لهم دون حرق المحاصيل ودون قتل البشر ودون تخريب المدن؟! ولكن لا نعجب من هذه الأمور، والتي على إثرها يُذبح المسلمون ويُقتَّلون ويُشرَّدون ويصبحون لاجئين في دول الغرب النصراني، فأوَّاهُ على سوريا اليوم!
———————–
المعركة
التقى الجيشان قرب أنقرة، حيث يتضح أن المعركة ستكون هناك، ولذلك أرسل تيمور طليعة من جيشه لردم الآبار من اتجاه بايزيد، وترك بعضها الآخر مسمومًا حتى يُقتل الجيش المسلم شر قتلة، ثم قام بتحويل نهر صغير كان يروي أنقرة لاتجاه آخر حتى لا يصل لقوات بايزيد أي مدد من طعام أو شراب، خصوصًا وهو الجيش المُنهَك بقوة بعد معركة نيكوبوليس.
ولما علم بايزيد بذلك اضطر لأن يتجه في اتجاه الغرب بمسيرة ثمانية أيام تحت أشعة الشمس الحارقة في الصيف الحارق؛ ما أنهك الجيش العثماني بقوة، وحالت قوات تيمور بينهم وبين الماء عندما وصلوا إلى أرض المعركة، فاستغل تيمور هذه الأمور وسارع في البدء بالمعركة .
أظهر بايزيد في المعركة شجاعة وبسالة لا مثيل لها، حتى أن تيمور ذاته أُعجِب بها وهو خصمه اللدود، ولكن ما حدث من خيانات قلبت موازين المعركة رأسًا على عقبٍ.
فقد راسل تيمورلنك أمراء المغول في جيش بايزيد، والذين كانوا يمثلون ثلثي الجيش، فكاتبهم حتى استمالهم بالعصبية المغولية، وبأمور أخرى كتمنيتهم بالحكم في مناطق أوسع، وغير ذلك من الأمور التي جاءت بنتيجة معهم وجعلتهم ينسحبون عند بدء المعركة، كما انسحبت القوات التركية التي انضمت إليه حديثًا، وتركوا بايزيد وحده يلاقي حتفه ومن بقي معه من قوات الصرب.
ورغم هذا كله، وهذه الظروف المعاكسة، استمر بايزيد في الحرب التي اشتد وطيسها إلى أعالي السماء، وأثبتت القوات الانكشارية قوتها وبراعتها بشكل منقطع النظير. ولكن المعركة كانت واضحة المعالم، وأنها محسومة لتيمور،
خصوصًا بعد هذه الانسحابات المتتالية من جيش بايزيد، حتى أن ابنه الأمير سليمان بن بايزيد والصدر الأعظم علي باشا طلبا من بايزيد أن يفر، إلا أنه استمر في الحرب دون تقدير للنتائج، ولم يُعِرْ التفاته لطلب ابنه والصدر الأعظم علي باشا؛ لذلك انسحب الاثنان باتجاه بورصة، كما انسحبت القوات الصربية سريعًا إلى أماسيا .
وكان واضحًا أن العثمانيين سيُهزَمون لا محالة. وهنا يبرز خطأ بايزيد، وهو استمراره في المعركة حتى هذه اللحظة، وهو ذو الخبرة العسكرية الكبرى، والوعي والفهم الكبيرين الذين جعلا من اسمه صاعقة على رؤوس الأعداء، إلا أنه أخطأ خطأ كبيرًا كلفهُ هزيمةً ساحقةً حلت به في هذه المعركة نتيجة الاستمرار فيها رغم ما يحدث من انسحابات وخيانات كبرى في جيشه.
وفى الليل، طوقت قوات تيمورلنك ما تبقى من قوات بايزيد، وأخذت القائد العظيم بايزيد الصاعقة أسيرًا لدى تيمور، وانتهت المعركة بانتصار تيمورلنك الساحق على بايزيد الصاعقة.
وبعد هذا الانتصار الساحق لتيمور، تقدم باتجاه بورصة فدخلها وأحرقها ، وحمل معه من المدينة المكتبةَ البيزنطية والأبواب الفضية، كما انتزع “أزمير” من أيدي فرسان رودوس وأقام في “إقسوس” .
وأخيرًا، عاد تيمورلنك إلى سمرقند بعد أن حاول إزالة النقمة الموجودة في قلوب المسلمين نتيجة الانتصار على بايزيد، ونتيجة المذابح التي أقامها في سيواس، وما يفعله من مخالفة للأحكام الاسلامية؛ فحاول أن يشن هجمات على النصارى حتى يستعطف قلوب المسلمين.
وسبحان الله، كانت الفرصة مواتية لتيمور في دخول الأناضول، إلا أن الله تعالى أعماه عن ذلك، وجعله يعود كما لو أن الله يريد أن يعطي الفرصةَ مرة أخرى للعثمانيين لاستعادة توازنهم وإقامة العدل في ربوع الدنيا من جديد، فعاد تيمورلينك ورغبته هي فتح الصين كلها لتكون تحت ملكه.
————————–
وفاة بايزيد الصاعقة رحمه الله
عاش السلطان بايزيد أسيرًا لدي تيمور مدة 7 أشهر و12 يومًا، وتُوفي قرب مدينة قونية في 3 مارس عام 1403 م، وأُرسِل جثمانه إلى بورصة. وعلى إثر وفاته أطلق تيمورلينك سراح موسى جلبي، أحد ابني بايزيد الذي أُسرَ معه .
————————–
نهاية تيمورلنك
ولم يكد يستقر في سمرقند حتى أعد العدة لغزو الصين في خريف (807هـ / 1404م)، وكان الجو شديد البرودة حين خرج لغزوته الأخيرة، وعاند نصائح أطبائه واستمر بحملته، وعانى جيشه قسوة البرد والثلج، ..
ولم تتحمل صحته هذا الجو القارس فأصيب بالحمى التي أودت بحياته. ويقال إنه مات بفعل مستحضر معمول من تقطير الخمر صنعه له أطباؤه بناء على أوامره ليقاوم البرد حيث أذاب كبده في 17 من شعبان 807 هـ / 18 من فبراير 1405 م،
وبعد وفاته نُقِل جثمانه إلى سمرقند، حيث دفن هناك في ضريحه المعروف بـ«كور أمير»، أي مقبرة الأمير.
—————————-
مسألة أسر السلطان بايزيد
بعد أن انتصر تيمورلنك على بايزيد الأول الصاعقة رحمه الله وغفر له، حمله معه إلى سمرقند أسيرًا، وقد عامله بكل إجلال واحترام على الرغم من سابق الرسائل المتبادلة بين الطرفين،
وأمر بفك أغلاله وأجلسه إلى جانبه، وأكد له بأنه سيبقى على حياته، ولكن أسيراً لديه؛ فأصدر تعليماته بأن تنصب ثلاث خيام فخمة لحاشيته، وعندما حاول بايزيد الهرب احتجزه في غرفة ذات نوافذ مسدودة بالحواجز. وبالغت الأساطير فذكرت أنه قفص من الحديد. وقد مرض بايزيد بعد ذلك وتُوفي وهو في الأسر.
وقد ثارت أمور يذكرها بعض المؤرخين بأن السلطان بايزيد عُومِل معاملة قاسية في الأسر وعُذِّب أشد العذاب، إلا أن الراجح من الأقوال أن هذا لم يحدث، غير أن هذا لا يمنع من كون الأسر في ذاته عذابًا، خصوصًا لرجل مثل بايزيد رحمه الله.
الأمر الثاني تجده في بعض كتب المؤرخين، وخصوصًا الناقلين من الغرب، أنهم يحاولون الابتعاد عن لفظة “الحبس” أو “الأسر”، فيقولون إن تيمور وضع بايزيد على حصانين أثناء نقله، بغرفة مقفلة شبابيكها بقضبان من حديد. فالسؤال المهم: أليس هذا حبسًا وأسرًا ؟! إذًا فلماذا نجمّل اللفظ؟!
وتجد البعض الآخر ينحون منحى أبعد من ذلك؛ نظرًا لأن بعض المؤرخين الأتراك أطلقوا لفظ “التختروان” أي القفص، فلما نقل المترجمين الغرب عنهم هذا اللفظ ظنوا أن تيمور وضعه في قفص مثل الوحوش، أي معاملة المعذبين والعبيد. ومن إجمالي الأقوال كما ذكرنا آنفًا، أن السلطان بايزيد عومل معاملة جيدة، ولكن بتشديد الحراسة عليه إلى أن مات في الأسر رحمه الله.
وبأي حال، فالمُوهَوِّنون من أسره قد وقعوا في الخطأ، والذين بالغوا في تعذيبه قد أخطأوا هم أيضًا.
——————————–
فرية انتحار بايزيد رحمه الله
من أغرب الفريات التي ذُكرت على بايزيد الصاعقة، وهو من أكثر السلاطين العثمانيين تعرضًا للأقاويل، أنه مات منتحرًا. ويرجع ذلك إلى هزيمته أمام تيمورلينك والتي أرجعت الدولة إلى الوراء بشكل كبير جدًا، بعد أن كانت متقدمة تقدمًا بارزًا وقويًا، بل كانت من أقوى الدول على الساحة الدولية، حتى أنها كانت قاب قوسين أو أدنى من فتح القسطنطينية.
وبخصوص وفاته رحمه الله فنجد لها ثلاث روايات:
الرواية الأولى :
أن بايزيد رحمه الله أصيب بحمي شديدة وضيق في التنفس وأمراض أخرى ألمت به نتيجة الغم الشديد والحزن العميق للمصيبة الكبرى التي أصابته.
ونرى أن هذه هي الصحيحة، وأن إسناد تصرف الانتحار هذا ما هو إلا افتراء عليه، ويؤكد هذه الرواية المعاصرون للسلطان نفسه، وعلى رأسهم المؤرخ عربشاه، صاحب كتاب عجائب المقدور. ولهذا فإننا نرى أن هذه هي أصح الروايات التي قيلت في وفاته رحمه الله .
الرواية الثانية :
تقول إن تيمورلنك كان عازمًا على إطلاق سراحه، إلا أنه تراجع عن ذلك مرة أخرى؛ فأصاب بايزيد اليأس فتجرع السم ومات. ويستند أرباب هذا القول إلى ما ذكره لطفي باشا وعاشق باشا زاده ومؤلف كتاب تواريخ آل عثمان: “إنه ما إن سمع السلطان بايزيد أنه سيذهب إلي سمرقند حتى اعتل غاية العلة”..
فكيف تفسر هذه الكلمات على أنه سينتحر، أو حتى قوله رحمه الله: “اللهم أمتني إن كان الممات خيرًا لي”. فربما المستشرقون معذرون لأنهم لا يعرفون هذه القولة في الإسلام، أو أنها جائزة في بعض الأحيان، مثلما كان بايزيد رحمه الله. ولكن العرب والمسلمين ما عذرهم لينقلوا مثل هذه الفرية على الصاعقة ويفسرون ذلك على كونه انتحارًا؟ .
الرواية الثالثة :
وتقول إن تيمور قد دس له السم، إلا أن الواقع التاريخي يؤكد عكس ذلك، بل إن غالبية المؤرخين لا يلتفتون إلى هذه المقولة نهائيًا .
وخلاصة القول فقد تُوفِي بايزيد الصاعقة تاركًا الدولة في حالة من الشتات، وتحتاج إلى من يلملمه بحكمة وحنكة وحذر، فهل حدث ذلك فعلًا؟! هذا ما سنعرفه عند الحديث عن الشخصية التالية.
——————————————————————–
*منصور عبد الحكيم، تيمورلنك إمبراطور على صهوة جواده
*كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية
*عبد المنعم الهاشمي، الدولة العثمانية
*ابن عربشاه، عجائب المقدور في نوائب تيمور
*محمد سهل طقوش، تاريخ العثمانيين
*نص المراسلات المتبادلة عن فريدون
*يلماز ازوتونا، تاريخ الدولة العثمانية ج1.
*احمد اق كوندز – سعيد اوزتورك
*303 سؤال عن الدولة العثمانية المجهولة
☆ تيمورلنك… اللعنة التي حلّت على الخلافة العثمانية – الجزء الأول و الثاني – موقع تبيان
☆ الدولة العثمانية عوامل النهوض والسقوط علي الصلابي ص 118-116
☆ وانظر تيمورلنك.. وعشق الفتح والقتال- موقع أرشيف إسلام أون لاين- الكاتب أحمد تمام
——————————————————————–
إنهيار الدولة بعد معركة أنقرة و الحرب الأهلية وكيف ستعبر الأزمة بعد 10 سنوات وتسترد قوتها.